مقالاتمقالات مختارة

كشمير: النضال المنسيّ ضد الإرهاب الهندوسي

بقلم كودري محمد رفيق

هذا المقال ترجمة بتصرف لمقال: Kashmir: The Forgotten Struggle and the Terror of Hindu Nationalism لكاتبته: Dr. Tumadir في موقع: muslimskeptic.com. الآراء الواردة أدناه تعبّر عن كاتب المقال الأصلي ولا تعبّر بالضرورة عن تبيان.

توفي الناشط السياسي الكشميري محمد أشرف خان -المعروف بِسحراي- في السجن. لعقود من الزمن، كان يُناضل من أجل دمج جامو وكشمير؛ التي تُعتبر حاليًا جزء من الهند، مع باكستان.

تمتلك باكستان إلى جانب الصين، الأجزاء الأخيرة من كشمير وآزَاد جامو وأكساي تشين بالإضافة إلى وادي شاكسغام، وهي منطقة تنازلت عنها باكستان للصِّين تدريجيًا بدءًا من عام 1963.

قضى محمد أشرف خان معظم حياته في النضال من أجل الانفصال الكشميري. كان عضوًا في الجماعة الإسلامية التي أسسها سيد أبو العلاء المودودي؛ وهي حزبٌ سياسيٌّ مُكرسٌ للإصلاح المجتمعي انطلاقًا من العقيدة الإسلامية. وكان أشرف خان أيضًا رئيس حركة حريات؛ وهي مجموعة من 26 حزبًا سياسيًّا وجماعةٍ اجتماعية تُعارض مطالبة الهند بكشمير، وتدعو إلى إجراء استفتاء على وضع كشمير، وتدعم الاندماج مع باكستان.

كان السجن مألوفًا لدى أشرف خان، حيث اعتُقل أول مرة من قبل السلطات الهندية في عام 1965، كان هذا خلال موجة من الاعتقالات التي أعقبت سرقة آثار حضرة بال والاحتجاجات اللاحقة ضد الهند من قبل الكشميريين.

محمد أشرف خان والحياة في إقليم اتحاد جامو وكشمير

تُعطي الظروف المحيطة بوفاة محمد أشرف خان انطباعًا عن الاضطهاد الذي يواجهه الكشميريون من طرف الحكومة الهندية. اعتُقل أشرف خان قبل عام، بعد تأديته لصلاة الجنازة على ابنه الذي قاتل في صفوف جماعة حزب المجاهدين وقُتل في معركة مُسلّحة في سريناغار في مايو 2019.

بموجب قانون السلامة العامة الفعّال في جامو وكشمير منذ عام 1978، والذي كان مُسوِّغًا لاحتجاز أشرف خان، فإن للسلطات صلاحية اعتقال أي شخص يزيد عمره عن 16 عامًا، واحتجازه دون محاكمة لمدة تصل إلى عامين.

كما يسمح قانون السلامة العامة للسلطات باستخدام القوة المُميتة ضد التجمّعات باسم القانون والنظام.

بدءًا من أغسطس الماضي، كانت الأنباء تفيد أن الهند سجنت الكثير من الناس في كشمير لدرجة أن المساحات في السجون قد نفدت. وقد أخبر محمد أشرف خان عائلته بأنه لا يتلقى عناية طبية مناسبة، فقد كان يعاني من عدة أمراض في ذلك الوقت. وقال ابنه أن سبب الوفاة هو الكوفيد، الذي ينتشر بسهولة في الأماكن المكتظة، كما أنه قاتل بالنسبة لكبار السن.

سياسات حزب بهاراتيا جاناتا الكشميرية المعادية للمسلمين

كشمير

السجون المكتظة ليست شيئًا غريبًا. فكما هو الحال في معاملة إسرائيل للفلسطينيين، ليس لدى الحكومة الهندية مشكلة في معاملة الكشميريين كمواطنين من الدرجة الثانية.

هذا هو الحال بشكل خاص مع الحكم الفاشيّ لحزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي الذي ينتمي إليه مودي. ففي أكتوبر 2019، بموجب إعلانٍ رئاسي؛ ألغى مودي المادتين 370 و35 من الدستور الهندي؛ اللتين سمحتا لكشمير بالتمتع بحقوق إدارية؛ مثل القدرة على صياغة دستورها الخاص، والقدرة على رفض بيع الممتلكات لغير الكشميريين.

ولقد كانت إزالة هاتين المادتين وعدًا من الوعود التي أعلنتها حملة مودي الانتخابية في 2019، حيث أكّد لجمهوره أن إلغاء المادتين سيكون واقعًا إذا هو فاز بالانتخابات.

إن سبب رغبة حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي في منع الأغلبية المسلمة من الحفاظ على حكم منطقتهم، هو نفس السبب الذي دفعهم إلى تجريد أكثر من 1.9 مليون مسلم من جنسيتهم في نفس العام الذي أُلغيت فيه المادة 370. فهم لا يريدون أن “يُلوِّث” وجود المسلمين دولته الهندوسية، ولا يريدون لدين المسلمين أن يتدخل في سياساتهم، تحديدًا ما تحاول أحزاب مثل الجماعة الإسلامية أن تفعله. وكونهم لا يرغبون في كل هذا هو أمر غير مفاجئٍ، فالإسلام على عكس الهندوسية، يوفر للمؤمنين عقيدة ونظامًا واضحًا للحياة والسياسة والمجتمع. كما أن الإسلام صارمٌ في مواجهة الظلم واضطهاد الأقليات.

الأولوية للهندوسية: محو المسلمين من الهند

لقد سعى مودي وحزب بهاراتيا جاناتا إلى إعادة كتابة التاريخ ليتناسب مع رواية “الهندوس هم الأوائل”، وقد عملوا على ترسيخ فكرة أن السكان الهنود جميعًا ينحدرون من أصلٍ هندوسي، وأن هذا هو أصلهم المشترك جميعًا.

وقد وضح تقريرٌ لرويترز هذه السياسة: “وفي إشارة إلى اللون الرمزي للحركة القومية الهندوسية، قال المتحدث باسم آر إس إس مانموهان فيديا لرويترز إن: “اللون الحقيقي للتاريخ الهندي هو الزعفران ولإِحداث تغييرات ثقافية يتعين علينا إعادة كتابة التاريخ”.

قال بالمكوند باندي؛ رئيس جناح البحث التاريخي في RSS، إنه يلتقي بانتظام بوزير الثقافة شارما. ولقد قال:

لقد حان الوقت لاستعادة مجد الهند القديم، من خلال إثبات أن النصوص الهندوسية القديمة حق وليست أسطورة.

عندما طلبت رويترز من مودي تعليقًا على هذا التقرير، لم يرد.

ويجدر الذكر أن حزب بهاراتيا جاناتا لا يجد حرجًا إن هو ناقض موقفه التاريخي هذا إن تطلّب السياق ذلك. ومن الأمثلة على ذلك اتهامهم في عام 2019 المرشح المعارض راهول غاندي بأنه من أصول إسلامية. ألم يقولوا سابقًا أن جميع الهنود من أصلٍ هندوسي؟

وما يزيد الطين بلة، يبدو أن الحكومة الهندية لا تعرف حتى ما يعنيه أن تكون هندوسيًا على وجه التحديد. ففي حكم صدر عام 1966 (القضية رقم 1966 SCR (3) 242) للمحكمة العليا الهندية، تمت كتابة:

“على خلاف الديانات الأخرى في العالم، لا تدعي الديانة الهندوسية وجود أي نبيّ؛ ولا تعبد أي إله؛ ولا تؤيد أي عقيدة؛ ولا تؤمن بأي مفهوم فلسفي. ولا تتبع أي مجموعة من الطقوس أو العروض الدينية؛ في الواقع، إنها لا تحمل أيٍّ من السمات التقليدية للدين أو العقيدة. إنها أسلوب حياة لا أكثر”.

ولم يتغير الكثير فيما يتعلق بعدم قدرة الحكومة على تعريف الهندوسية.

بينما اتخذ حكم عام 1966 مقاربة للقول إن عدم وجود تعريف واضح للهندوسية يوفر مجالًا للأديان للعيش معًا، مادامت لا توجد عقيدة هندوسية ثابتة صارمة، فإننا نرى الآن أن العكس هو الصحيح أيضًا. فإن حزب بهاراتيا جاناتا وRSS ينفذان سياساتِهما الفاشية تحت ظل السحابة المشوشة التي تمثل فهمهُمَا للهندوسية.

يبدو أن احتمال عدم التسامح والظلم العرقي في الهندوسية ينبع من الهندوسية نفسها، ويرجع ذلك في جزء كبير منه -كما يشير حكم عام 1966- إلى أن هناك شيء من عدم الوضوح حول ماهية الهندوسية في الواقع. عند وصف تحولات المسلمين إلى الهندوسية، كتب الأكاديميّان سيكاند وكاتْجو أنه على عكس الدخول إلى الإسلام، حيث يتم قبول المعتنقين على الفور كمسلمين بمجرد اعتناقهم العقيدة الإسلامية (الواضحة)، قال الكاتبان: “الهندوسية… تفتقر إلى مجموعة من المبادئ الأساسية الملزمة لجميع أتباعها… ومن ثم، فإن “التحول” إلى الهندوسية يحدث نتيجة لعملية طويلة لا تنطوي على قبول أي عقيدة دينية معينة، بل بدلًا من ذلك، تتم عبر تشرُّب المعايير الثقافية البراهمية ونظام الطبقات”.

يصف سيكاند وكاتْجو أيضًا أن المسلمين الذين ارتدوا عن الإسلام لم يدفعهم إلى ذلك اقتناعُهم بالهندوسية، وإنما “شغفٌ قوي معادٍ للإسلام” لدى الهندوس، ويظهر ذلك من خلال مطالبة الهندوس للمتحولين بالتخلي عن ممارسات إسلامية معينة، مثل الزواج والدفن، عوض تعليمهم المفاهيم الهندوسية الروحانية.

وقد تم شرح هذه الاستراتيجية الانقسامية بشكل جيد في مقال نشر في مجلة فورين بوليسي: “يتبع هذا الاستقطاب الديني منطقًا بسيطًا. يشكل الهندوس 80 في المائة من الناخبين في الهند، وإذا أمكن إقناعهم بتنحية هوياتهم المتعددة الأخرى جانبًا -الطبقة، والمنطقة، والإقليم والثقافة، واللغة- والتصويت كهندوسٍ فقط، فعندئذ يمكن لأي حزب بخلفية قومية هندوسية أن يظل في السلطة بقدر ما يشاء”.

من المهم أن نأخذ في الاعتبار الدوافع الخلفية لحزب بهاراتيا جاناتا وسياساته المنافقة وغير المتسقة عند النظر إلى أفعالهم في كشمير. إلى جانب الأسباب التكتيكية الأكثر وضوحًا، منها رغبتهم في منطقة بها بحيرات وسياحة ونشاطٌ زراعيٌّ مُثمرٌ ومبشر بالكثير.

اللافت في استراتيجية حزب بهاراتيا جاناتا أنها ليست جديدة. فخِلال الحكم الاستعماري البريطاني -في أوائل القرن العشرين على وجه التحديد- بدأ البريطانيون في السماح بمستوى معتدل من الحكم الذاتي بين السكان. لقد خصصوا هذا بشكل متناسب، أي بناءً على عدد الأشخاص في كل مجموعة ثقافية/دينية.

وبالنسبة للطبقة العليا من الهندوس الذين كانوا أقلية عدديًا (يشكلون 6 في المائة من السكان في ذلك الوقت)، كان هذا بمثابة فرصة: “من أجل حصر فوائد الإصلاحات البريطانية، شعرت هذه الأقلية أنه من الضروري تعزيز القوة العددية للهندوس. كانت الطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي ضم المنبوذين [الداليت] والسكان الأصليين وغيرهم من الجماعات غير الهندوسية في حظيرة الهندوس. وبالتالي، فإن تحول هؤلاء غير الهندوس يمثل بوضوح استراتيجية سياسية لتوظيف قوة “مجتمع الأغلبية الهندوسية” المصطنع لتعزيز ثروات الأقلية الهندوسية “العليا””.

كما أشاروا إلى استراتيجية تبشيرية في أوائل القرن العشرين لمجموعة “إحياء الهندوسية الجديدة”، أو آريا ساماج والتي تأسست عام 1875 من قبل الغوجاراتية براهمين دايانانْدا ساراسواتي. وكانت الاستراتيجية باختصار (وسوف تبدو مألوفة الآن): “… كان أحد المكونات الحاسمة والأساسية لاستراتيجية آريا ساماج التبشيرية هو أولًا صناعة تاريخ (مصطنع كليًا) لهذه الجماعات باعتبارها من نسل “الطبقة العليا” من المحاربين الهندوس الكشْريات الذين تم تحويلهم قسرًا إلى الإسلام”.

وبالتالي يمكننا أن نفهم سياسات حزب بهاراتيا جاناتا وفكرة تبنيه الهندوسية باعتبارها موحدًا للهنود كجزء من إرث القومية الهندوسية التي عملت على تهميش غير الهندوس في الهند. هذا مهم عند مناقشة وضع المسلمين في كشمير لأنه يقدم المزيد من الأدلة على سبب اختيار الحكومة الآن لإلغاء المادتين 370 و35.

من المهم أن نتذكر أن الاستعمار البريطاني له علاقة كبيرة بالمشاكل في كشمير اليوم. بطبيعة الحال، فإن النظام الطبقي الذي تتبناه الهندوسية، والقومية الهندوسية التي تحتضنها الحكومة الحالية بشكلٍ مفرط، هو أيضًا جزء كبير من المشكلة. لكن آثار الاستعمار البريطاني، بمُقارباته وسياساته المعهودة المبنية على أخذ أكبر قدر ممكن من الأرض دون أدنى اعتبار للناس وإرثِهم في تلك الأراضي، يمكن تحسّسها في أجزاء كثيرة في كشمير وشبه القارة الهندية حتى يومنا هذا.

بعد أن استولى البريطانيون على إمبراطورية السيخ (التي تضمنت كشمير) في الحرب الأنجلو-سيخ الأولى (1845- 1466)، كانوا بحاجة إلى إيجاد طريقة لتعويض تكاليف الحرب الباهظة، وسياسة للتعامل مع الأراضي الكبيرة التي حصلوا عليها لتوّهم.

فقاموا ببيع كشمير إلى جولاب سينغ -وهو دوجرا هندوسي لم يقف ضد البريطانيين خلال الحرب- مقابل 7.5 مليون روبية. أصبح جولاب سينغ مهراجَا كشمير، وسمح هذا الترتيب لسيطرةٍ بريطانية كبيرة، ففي ذلك الوقت، كان لايزال على المهراجِين الاستجابة لبريطانيا، كونهم تحت لوائها نوعًا ما، بطريقةٍ مباشرة أو غير مباشرة. ما فعله هذا الترتيب أيضًا، هو أنه أدى إلى مزيد من التهميش، “إن لم يكن الاستبعاد التام، للحقوق الأساسية لشعب كشمير”. وقد كان السكان حتى خلال تلك الفترة مسلمين.

في وقتٍ قبل التقسيم الفعلي، لم يكن مهراجَا كشمير في ذلك الوقت، هاري سينغ، متأكدًا لأي دولة -باكستان أو الهند- يجب أن تنضم كشمير، كما كان يفكر في أن تكون كشمير دولةً مستقلة. تصاعد الضغط من جميع الجهات، بما في ذلك باكستان والهند. وكون باكستان ذات أغلبية مسلمة، كانت تريد كشمير بشدة، خاصة وأنه من أكتوبر إلى نوفمبر 1947، كان المسلمون يُقتلون على أيدي بعض المحليين من الهندوس والسيخ.

وكان هؤلاء القتلة، يتلقون مساعدة جزئية من قبل المهراجا والـ RSS – نفس الـ RSS التي ينتمي إليها مودي. ولم يكن العنف في ذلك الوقت من جانب واحد فقط، فقد وقعت على سبيل المثال، مذبحة للهندوس والسيخ في مقاطعة روالبندي البنجابية في مارس 1947.

هذه هي الفوضى التي خدمت بريطانيا كثيرًا في ذلك الوقت، كما يعود لبريطانيا الفضل في تأجيجها.

كشمير في أزمة

الهند بحاجة إلى أرض كشمير، وليس إلى شعبها.

ـــ مسلم كشميري يعيش في إقليم اتحاد جامو وكشمير

بعد أنباء إلغاء المادة 370 في عام 2019، تم اعتقال الآلاف من الكشميريين “بتهم غامضة”، وسحبت الحكومة الهندية حيلة قديمة وأمرت بإغلاق الإنترنت مما أدى إلى انهيار اقتصاد كشمير الضعيف أصلًا. واستمر التعتيم لفترة طالت، وكان على ما يبدو أطول غلقٍ للإنترنت في العالم.

الآن في جامو وكشمير، يمكن لغير السكان المحليين شراء العقارات في المناطق البلدية. علاوة على ذلك، يمكنهم شراء الأراضي الزراعية بإذن من الحكومة واستخدامها في الصناعة بدلًا من الزراعة. هذا أمر مهم ودقيق لأن المناطق القريبة ذات الأغلبية الهندوسية في أوتاراخاند وكيماشال براداش، لا يستطيع السكان غير المحليين فيها الاستفادة من الأراضي الزراعية.

ولقد كان مجال العقارات سعيدًا بهذا التغيير، على أمل أن يتم تنفيذ المشاريع السكنية والسياحية، خاصة “مع ظهور وادي كشمير الخلاب كوجهة مفضلة للسياح”.

ويبدو أن العديد من الهنود لم يستوعبوا لحد الآن مخاوف المسلمين الكشميريين. لم يقتصر الأمر على حرمان الكشميريين من حقوقهم الخاصة فحسب، بل إن الحكومة تتمتع الآن بسلطة أكبر على أرض كشمير وشعبها.

إن هذه القوانين الجديدة الغامضة والتعسفية بشأن عمليات نقل ملكية الأراضي توضح ما يلي: “… تنص القواعد على أنه يمكن نقل الأراضي الزراعية بموافقة الحكومة. وفقًا للقواعد، لن يكون أي بيع أو إهداء أو تبادل أو رهن لأي قطعة أرض صالحًا إن كان الشخص غير مزارع ما لم تمنح الحكومة أو المسؤول المفوض من قبلها في هذا الصدد الإذن بذلك”.

“هذا يعني أنه بمجرد أن يُمنح الإذن من طرف الحكومة، يمكن للمزارع بيع أرضه أو منحها أو رهنها إلى غير مزارع، بشرط ألا يوجد قانون أو حكم يمنع بيع أو منح أو رهن هذه الأرض”.

عنفٌ شديد، إفلاتٌ من العقوبة، يأس اقتصادي

كما هو الحال في فلسطين، فإن الصراع في كشمير مستمر، حيث تدور معارك بين السلطات والسكان، وبين السلطات والجماعات المسلحة، بشكل شبه يومي. كثيرًا ما يقع المدنيون في مرمى النيران. هذه هي مأساة كشمير الحقيقية. إن المدنيين أيضًا هدفٌ لبعض الجماعات الانفصالية المسلحة، كما كان الحال في عام 2006، أثناء تفجيرات سريناغار.

وكانت هناك أيضًا حالات استخدم فيها الجيش الهندي مدنيين كدروع بشرية.

تختلف التقارير، ولكن على سبيل المثال؛ في النصف الأول من عام 2020 أفاد تحالف جامو كشمير للمجتمع المدني أن هناك 229 قتيلًا؛ 32 مدنيًا، و143 مسلحًا، و54 من أفراد القوات المسلحة.

في عام 2019، قتلت جماعة جيش محمد الكشميري الانفصالية المتمركزة في باكستان 40 من ضباط الشرطة شبه العسكرية في تفجير في كشمير.

يُذكر أن محادثات سرية جرت بين باكستان والهند في يناير من هذا العام في دبي. وبينما رفضت الحكومتان الهندية والباكستانية التعليق، فإن محللة دفاعية باكستانية قد قالت لرويترز: إنها تعتقد أن هذا لم يكن الاجتماع الوحيد بين الحكومتين، ورجّحت أنهما التقيا على الأرجح في تايلاند ولندن، لكن لا يُعرف غير القليل عن هذه الاجتماعات.

بينما لا يعد قلق نيودلهي من التشدد مفاجئًا، حيث كان متوقعًا أن تحدث اشتباكات بينها وبين الجماعات -وهو في الواقع هدف هذه الجماعات- فإن المثير للدهشة والقلق بشكل أكبر هو الرد الهندي بحد ذاته، لا سيما تحت ظل حزب بهاراتيا جاناتا (مع العلم أن هناك تاريخًا من القسوة مهدت لسيطرتهم الحالية على السلطة).

توجد ثلاثة أوجهٍ رئيسية للقلق عادة عندما تستجيب الحكومات على هجومٍ ما: كيف ولماذا وإلى أي مدى تتفاعل. على سبيل المثال؛ بعد 11 سبتمبر/أيلول، شرعت الولايات المتحدة بممارسات التعذيب مثل الإيهام بالغرق على الأسرى، وبعضهم لم يحتجز بأي تهمة معينة. كما ناقشنا سابقًا، كانت الحرب على الإرهاب بشكل عام سبب وجود الولايات المتحدة؛ قضيتها وطريقَتها لإضفاء الشرعية على التدخل في أفريقيا الغنية بالموارد والعراق الغني بالنفط على سبيل المثال.

عندما نتذكر أيديولوجية هندوتفا التي يقف عليها حزب بهاراتيا جاناتا والأسباب الاستراتيجية والاقتصادية لرغبتها في أرض كشمير، عندئذٍ يمكننا أن نفهم أن الحكومة الهندية لن تتورع عن فعل كل ما هو ضروري للحفاظ على الحكم والملكية على أراضي كشمير.

علاوة على ذلك، بقدر ما تقول الحكومة إنها يجب أن تحافظ على سيطرتها وتحمي الهند من الإرهابيين، فإن التعذيب الذي استخدمته هو الفعل الذي سبق رد الفعل؛ أي ارتفاع التشدد في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات:

“يمكن إرجاع استخدام التعذيب في كشمير إلى تاريخ أطول من ممارسات الدولة الاستبدادية وقمع النضال السياسي المعارض للسيطرة الهندية في المنطقة، وهذا يسبق بداية التمرد المسلح في أواخر الثمانينيات. بصرف النظر عن الممارسات المهينة لسوء المعاملة الجماعية، فإن المزيد من أساليب التعذيب “التقليدية” مثل تغطية العينين والضرب والوضعيات المجهدة والحرق بمكواة الملابس وحشو البطاطا الساخنة في الفم كانت تُستخدم بشكل روتيني كوسيلة “للاستجواب” والإكراه على “الاعترافات” بشأن الأنشطة السياسية المناهضة للهند و”المؤيدة لباكستان” وغيرها من الأنشطة السياسية المناهضة للدولة، فضلًا عن معاقبة المعارضة السياسية منذ الأيام الأولى لإدارة الطوارئ في كشمير منذ عام 1947″.

فلتَتأمل قضية التعذيب هذه في 2018: “في الثالث عشرة من شهر أغسطس عام 1992 كان عابد في المسجد لأداء صلاة العشاء عندما وقع انفجار مفاجئ في الخارج. انفجرت قنبلة في سيارة تابعة لقوات شرطة الاحتياط المركزية خارج مقر الأمانة القديمة. ومباشرة، تعرضت المنطقة لحملة قمعٍ فورية، وتعرض جميع البالغين للضرب. ثم أطلقت قوة الشرطة الاحتياطية المركزية النار على الناس في الشارع للسيطرة على الحشد، أصابت بعض الرصاصات الناس بجروح خطيرة على الطريق.

في الوقت نفسه، تم نقل كل شخص في المسجد إلى الأمانة القديمة، وكان عددهم ما بين 300 و400 شخص، ثم أحضرت الشرطة مخبرًا إلى هناك وطلبت منه التعرف على أشخاص معينين وتحديدهم. خلال العملية، أشار المخبر على عابد مع 20 إلى 25 شخصًا آخرين. تم عصب عيني عابد ونُقل إلى الملعب الداخلي في سيارة، ثم وُضع في غرفة. تم تجريده من ملابسه وتعريضِه للأذى اللفظي، بعدها قاموا بتمرير تيار كهربائي عبر أصابع قدميه ويديه، تعرض للتعذيب على هذا النحو لمدة ثلاث ساعات. قضى عابد هناك ثلاثة أيام، واتهم بأنه من ضمن المحاربين، وأنه يمتلك أسلحة وقنابل يدوية وكان له يد في الانفجار”.

يمكننا أن نقرأ هذه المشاهد التي تصف لنا التعذيب وأن نشعر بالرعب حقًا، فهي أكثر من مروعة. ولكن بصرف النظر عن الصدمات الجسدية والعاطفية التي يتعرض لها الفرد، فإن مثل هذه الممارسات في كشمير تركت العديد من الشباب الكشميريين غير قادرين على بناء حياة منتجة بعد خروجهم من الاعتقال.

كما هو موثق، فإن العديد من الشباب يكافحون لإيجاد مخرج من دائرة وحشية الشرطة هذه: “في ظل عدم وجود أي قانون يجرم التعذيب، وفي ظل الإفلات المطلق من العقاب الذي تتمتع به القوات المسلحة الهندية في كشمير، يستمر التعذيب بلا هوادة. نظرًا لأن الأهداف الرئيسية للتعذيب حاليًا هي الشباب الأطفال الصغار، فإن الكثير منهم يرى أن آفاقهم المستقبلية قاتمة. وغالبًا ما يقعون في دوامة من الاعتقالات غير القانونية أو التعسفية والتعذيب والمضايقات المستمرة، مما يفقد بعضهم الأمل “.

من الواضح للمسلمين الكشميريين أن الهند تطالب بالمنطقة بنفس القدر وتريدها أن تكون مزدهرة اقتصاديًا ولكن ليس لصالح الكشميريين أنفسهم. كما لاحظ صحفي في The Hindu: “ليس من الصعب أن نرى مصدر إحباط الشباب الكشميري المتعلم. من ناحية، قيل لهم إنهم مواطنون هنود، لكنهم محرومون من التمتع بكون الهند قوة اقتصادية صاعدة”.

بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من ادعاءات الحكومة الهندية بأن إلغاء المادتين 370 و35 سوف يساعد الاقتصاد الكشميري، فإن الأدلة تشير إلى عكس ذلك. وفقًا لمقال دويتشه فيله في أغسطس 2020، قدر رئيس غرفة التجارة والصناعة في كشمير الشيخ عشيق، أن كشمير خسرت أكثر من 5.3 مليار دولار في العام الماضي. هناك بالطبع عدد من العوامل التي تلعب دورًا عند النظر في هذه الأرقام، ليس فقط فقدان الوضع الإداري الخاص في كشمير وانقطاع الإنترنت، ولكن أيضًا الوباء.

لقد وصلنا إلى مرحلة أصبحنا فيها محطمين تمامًا. “الشيخ عشيق”

الكشميريون الهندوس – البانديت

كشمير

في حين أن كل من الهند وباكستان والصين -إلى حد ما في الوقت الحاضر- ترغب في المطالبة بكشمير والسيطرة عليها، فإن الأمر يستحق النظر في هذه النقطة: “بعض الجماعات المسلحة في كشمير تطالب بالانضمام إلى باكستان. بينما تناضل الأخرى من أجل الاستقلال الكامل للإقليم. وشنت الهند حملة قمع على كل من الاحتجاجات المسلحة والمدنية، التي اندلعت مع مقتل برهان واني؛ القائد الشعبي لحزب المجاهدين في يوليو/تموز 2016، على يد قوات الأمن الهندية”.

هذا ملخص عادل للمشاعر العامة بين مسلمي كشمير. في حين أن البعض قد لا يكون مؤيدًا للاندماج مع باكستان وقد أصبح محبطًا بشكل متزايد بسبب وضعهم المحاصر بين الدولتين، إلا أن من يفضلون البقاء مع الهند يمثلون أقلية صغيرة جدًا، وهم الاستثناء، وهم البانديت الكشميريون، وهم هندوس.

قبل عام 1989، كانت العلاقات بين المسلمين الكشميريين والبانديت ودّية. ومع ذلك، تغير هذا بعد بدء التمرد في عام 1989. وأوضح سانجاي تيكو؛ وهو بانديت كشميري لا يزال يعيش في كشمير: “أنا لا أقول إن [الكشميريين البانديتس والمسلمين] كانوا إخوة في السلاح، يعيشون في منازل بعضهم البعض أو شيء من هذا القبيل قبل عام 1989. نعم، كان هناك تسامح واحترام لا لبس فيه لبعضنا البعض… لم نكن نسمع بالعنف… ولكننا سوف نكذب إن قلنا بأن شيئًا ما لم يتغير عندما بدأ التمرد”.

منذ أواخر الثمانينيات وحتى يومنا هذا، انخفضت أعداد البانديت في جامو وكشمير من 140000 إلى ما بين 3400 و2700، حسب تقارير تعود لعام 2011، وهي المتاح حاليًا. غادر الكثيرون بسبب الخوف. كانت هناك أيضًا حوادث عنف ضدهم، بما في ذلك أربع مذابح من 2001 إلى 2011. يقول تيكو عن العنف ضد الهندوس الكشميريين:

“على مدى العشرين عامًا الماضية، نقدر أن 650 بانديت قتلوا في الوادي”، مضيفًا: “الأرقام من 3000 إلى 4000 قتيل [كما اقترحت بعض منظمات البانديت] هي دعاية كاذبة، ونحن نرفضها. لا يعني ذلك أن الرقم 650 هو رقم منخفض؛ لأن حتى عملية قتل واحدة لا ينبغي تجاهلها، ولكن يجب أن نبيّن الأرقام الصحيحة”.

كما أنه يميز بين الرواية التي روجها البانديت خارج كشمير وتلك التي روّجها من هم في الداخل. على سبيل المثال؛ تقول مجموعة Panun Kashmir (Our Own Kashmir): “إن 700000 من الهندوس قد غادروا”. لكن وفقًا للمحاضر في الدراسات الهندية في كلية ترينيتي؛ دبلن مريدو راي، فإن هذا الرقم مضلل لأنه يمثل في الواقع “العدد الكلي للهندوس الذين غادروا في أوقاتٍ مختلفة على مر القرون”.

من المهم أن تستوعب وضعية الكشميريين الهندوس بشكل صحيح؛ لأنه غالبًا ما يتم طرحها كوسيلة لنزع الشرعية عن محنة المسلمين. دون أن نعذر أو نبرر للمسلمين الذي قتلوا المدنيين، من المهم أن نفهم أن محنة الكشميريين الهندوس -وفقًا لبعض البانديت أنفسهم- لا تُعرّف بشكلٍ صادق، بل يتم تحريفها بل والمبالغة في ذلك. الإقرار بهذا يختلف عن عدم أخذ ما يحدث على محمل الجد.

كمسلمين، يمكننا أن نتعاطف مع ما حدث للبانديت بسبب ما حدث للمسلمين في ذات وقت التقسيم: “في أعقاب تقسيم شبه القارة الهندية في آب/أغسطس 1947، اندلعت أعمال شغب دامية في جميع أنحاء شمال الهند قتل فيها الآلاف. في العديد من المناطق، أجبر الهندوس المسلمين على الاختيار بين الفرار إلى باكستان أو التعرض للذبح أو الموافقة على التحول إلى الهندوسية. ويقال إن عشرات المسلمين تحت الإكراه اختاروا الخيار الثالث”.

أبدى موتيلال بهات؛ رئيس جمعية بانديت للرعاية الهندوسية، رؤية مهمة لقناة الجزيرة: “كان هناك تصور غريب في ذلك الوقت [أواخر الثمانينيات / أوائل التسعينيات]، فقد فكر الكشميريون الهندوس أنهم إذا ما حدث أي أمر سيءٍ فإن الجيش الهندي سوف يهبّ لنجدتهم، وفكر المسلمون أنهم إذا ما وقع أي أمر سيءٍ فإن العالم الإسلامي كله سوف يهبّ لنجدتهم، لكن، وكما أثبت الواقع، اتضح أن الفريقان كانا مخطئين”.

كما هو الحال مع فلسطين، هذا صراع مستمر مازال يودي بحياة الكثيرين. ولكن على عكس فلسطين، إنه لا يحظى في كثير من الأحيان بنفس المستوى من الاهتمام. فمن فضلك لا تنسى محنة إخواننا وأخواتنا في كشمير.

ملحوظة

كشمير

أبو الأعلى المودودي.

إليكم شيئًا من التاريخ عن الجماعة الإسلامية. يعتبر تاريخها مهمًا جزئيًا لأن الجماعة دعت إلى التمسك بالعقيدة الإسلامية التقليدية كوسيلة للتحرر، والابتعاد عن الممارسات الصوفية التي كانت موجودة في المنطقة والتي اعتبرتها الحكومة الهندية وسيلة للحفاظ على الهيمنة على الكشميريين.

“تأسست الجماعة الإسلامية في أوائل الأربعينيات من القرن الماضي على يد عالم دين وفيلسوف إسلامي هو سيد أبو العلاء المودودي، الذي كان يعتقد أن الإسلام رمز للحياة، يحكم جميع جوانب الوجود الفردي والجماعي للمسلمين. الجماعة -كما تصورها المودودي- تسعى إلى إقامة دولة إسلامية تحكمها شريعة الله، وتجادل ضد نظام سياسي قائم على الديمقراطية والعلمانية. بعد التقسيم، استقر المودودي في باكستان وانقسمت الجماعة إلى قسمين؛ الجماعة الإسلامية الباكستانية والجماعة الإسلامية في الهند. في عام 1952، تم إنشاء فرع متميز رسميًا في كشمير، منفصلًا عن الفرع الهندي، المعروف باسم الجماعة الإسلامية لجامو وكشمير.

في كشمير، تحدت أيديولوجية الجماعة التقاليد الصوفية السائدة في الوادي، والتي كان لها الفضل في خلق جو من التعايش بين الأديان المختلفة من خلال التأكيد على الإسلام السياسي. لاتزال التقاليد الصوفية تُشار إليها من طرف الحكومة الهندية في كثير من الأحيان؛ الالتقاء المفترض للممارسات الهندوسية الصوفية والشيفيتية. كما تم التذرع بهذه الرواية بشكل متكرر لإنكار الإسلام السياسي -الذي تمثله الجماعة في كشمير بشكل أساسي-.

جادل العديد من الأكاديميين الكشميريين -مثل حميدة نعيم- بأن الحكومة الهندية استخدمت رواية الكشميريات لنزع الطابع السياسي عن الهوية الصوفية وإدماج الحركة القومية الكشميرية في نسختها الخاصة من العلمانية. كان المؤتمر الوطني -أحد أقدم الأحزاب السياسية في كشمير، وزعيمه الشيخ عبد الله- محوريًا في إسقاط هذه الرواية. على هذه الخلفية، حققت الجماعة الإسلامية في جامو وكشمير مكاسب في كشمير. يتطلب فهم الدور الذي لعبته في الوادي إعادة النظر في التاريخ السياسي المعقد للمنطقة.

______________________________________________________________
المصادر

المصدر: موقع تبيان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى