مقالاتمقالات مختارة

كذبة “الديانة الإبراهيمية”

كذبة “الديانة الإبراهيمية”

بقلم حسين لقرع

أثار شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب جدلا واسعا في الأيام الأخيرة بعد أن صدع بالحقّ وهاجم ما يُسمّى “الديانة الإبراهيمية” وسفَّهها، وعدَّها فكرة شبيهة بـ”العولمة” و”نهاية التاريخ” و”الأخلاق العالمية”، ومصادَرةً ضمنية لحرية الاعتقاد وحرية الاختيار…

والواقع أنّ هذه الفكرة المشبوهة ليست جديدة، فقد رفعها منذ سنوات عديدة مفكرون غربيون، أغلبهم يهود، ودعوا إلى تذويب الفروق بين الديانات السماوية الثلاث في ديانةٍ واحدة أطلقوا عليها زورا وتلفيقا اسم “الديانة الإبراهيمية”، لكنّ هذه الدعوات لم تلقَ أيّ صدى في العقود الماضية، وكانت على وشك الموت كأيّ فكرةٍ خبيثة ما لها من قرار، لكنّها بُعثت من جديد بعد توقيع الإمارات العربية المتحدة ما يُسمّى “اتفاق ابراهام” مع الاحتلال الصهيوني في أواخر سنة 2020، وانضمام البحرين والمغرب والسودان إلى دائرة الهرولة، بعدها بدأ الحديث يتصاعد عن “الديانة الإبراهيمية” المزعومة، بل إنّ الإمارات قطعت خطوة عملية في هذا الاتجاه بعد أن شرعت في بناء “معبد واحد مشترَك” للديانات السماوية الثلاث، أطلِق عليه تسمية “المعبد الإبراهيمي”، أو “البيت الإبراهيمي” وهي خطوة غير مسبوقة في التاريخ الإسلامي كلّه، وقد ركب فقهاءُ البلاط هذه الموجة وبدأوا يسوّقون لهذه البدعة الجديدة، بليّ عنق النصوص الدينية وتأويلها بما يخدم هذه “الديانة المشترَكة” لأتباع الإسلام واليهودية والمسيحية.

ويروّج منظرو هذا الطرح السقيم لفكرة أنّ ذوبان الديانات السماوية الثلاث في ما أسموه “الديانة الإبراهيمية”، سيُنهي النزاعات والحروب بين أتباعها، وينشر بينهم “التسامح” و”التعايش” و”الأخوّة”.. لكنّ هذه الفكرة في الجوهر ليست سوى غطاء للترويج للتطبيع، واستسلام كامل لاحتلالِ الصهاينة لفلسطين، واغتصاب أراضيها، والتنكيل بأهلها وتشريدهم وسفك دمائهم وهدم بيوتهم وحرق بساتينهم… نعم، يمكن التعايش والتسامحُ مع يهود العالم غير المحاربين الذين لم يهاجروا إلى فلسطين المحتلة وبقوا حيث هم الآن، في شتى دول العالم، وهذا الأمر لا يختلف عليه عاقلان، ولكنّ كيف نُدعى إلى “التسامح” و”التعايش” مع الصهاينة الذين احتلّوا فلسطين وارتكبوا أبشع المجازر بحقِّ أهلها، وهم يسعون إلى تهويد مُدنها وقراها ومقدّساتِ 1.7 مليار مسلم وهدمِ المسجد الأقصى المبارك؟

هذه دعوةٌ مبطّنة إلى الاستسلام للظلم والبغي والاحتلال في ثوب “السلام” و”التسامح” مع اليهود، مع أنّ الفلسطينيين لا يحاربون اليهود، لأنّهم يعتنقون دينا غير دينهم، بل لأنّهم يحتلّون أراضيهم وديارَهم وينكرون عليهم أبسط حقوقهم.

إنّ “الديانة الإبراهيمية” المزعومة، هي فكرة ماسونية صهيونية بالأساس وهدفها الخفيّ هو الترويج لفكرة “التسامح” مع الجلاد، وقبول الاحتلال، والكفّ عن مقاومته، وقبول ضياع فلسطين والقدس وتقويض الأقصى، والخضوع للظلم، فضلا عن تحريف الإسلام واستبداله بديانةٍ أخرى مبتدَعة. وللأسف، وجد الصهاينةُ اليوم دولة عربية تتبنّى فكرتهم الشيطانية وتسوِّق لها بمسمّياتٍ برّاقة مخادعة، وتُنفق أموالا طائلة لبناء “معبدٍ مشترَك” لها، وتجنّد دعاتها، وفي مقدّمتهم وسيم يوسف، فضلا عن مثقفي منظمة “مؤمنين بلا حدود”، للترويج لها في صفوف العامّة وتضليلهم.

المصدر: صحيفة الشروق الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى