كتاب “خصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم”
اسم الكتاب: خصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم.
اسم المؤلف: الدكتور فتحي الدريني.
دار النشر: مؤسسة الرسالة.
بعد كلمة المؤلف المطولة الجامعة عن الظروف التي احتف به هذا الكتاب، والتي استعرض فيها الكثير من المقررات الفقهية الإسلامية، وعناصر الاستدلال الأصولية فيه، باذلاً جهده في تبسيطها قدر المستطاع لتقريب معانيها إلى أذهان القراء والباحثين –كما يقول-، استعرض ما يحتويه كتابه من مقدمة تمهيدية طويلة تناول فيها مبادئ أساسية تقوم عليها سياسة الحكم في التشريع الإسلامي بحثاً وتحليلاً يفضي إلى تبيين فلسفتها التشريعية، بالإضافة للباب الأول الذي جعله لخصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم، بينما خصص الباب الثاني لأهم قواعد الحكم في الإسلام.
في المقدمة التمهيدية المطولة استعرض المؤلف المفاهيم العامة في السياسة والحكم في التشريع الإسلامي، مبيناً فلسفة العلاقة التي أقامها الإسلام بين قواعد تشريعه السياسي وبين فطرة التكوين الإنساني، فالحقيقة الدينية ليست مجرد صلة علوية فحسب، بل هي عمارة للدنيا بالعمل الصالح وإقامتها على أساس من الحق والعدل الذي يمثل الحضارة الإنسانية بعينها.
وقد ذكر المؤلف مجموعة من الأفكار التي تبين فلسفة العلاقة التي أقامها الإسلام بين قواعد تشريعه السياسي وبين فطرة التكوين الإنساني أهمها:
1- الإسلام بث في روع الإنسان أنه ذو رسالة قد حملها وعليه أداؤها لتفسير حقيقة استخلافه في الأرض معناً وقصداً.
2- مهمة تعمير الكون وتحقيق المصلحة الإنسانية العليا للمجتمع البشري، قد أعد الله لها الإنسان إعداداً فطرياً خاصاً ظاهراً وباطناً تمكيناً له من النهوض بها، لا سيما ما آتاه الله من المواهب والملكات العليا.
3- الإسلام يؤصل الفرق بين المادية الظاهرة للفعل وجوهريته التي هي صدى للملكات الباطنة، وذلك بخلاف معظم التشريعات الوضعية التي ربطت الشرعية بالمادية الظاهرة غالباً.
4- وحدة الغاية –في التشريع الإسلامي– من شأنها أن تستقطب النشاط الحيوي بوجه عام، والسياسي بوجه خاص للحاكم والمحكوم على السواء.
5- التشريع السياسي الإسلامي غائي مثالي وواقعي، يفترض الانحراف عن الغاية فيقوم الواقع إلى ما ينبغي أن يكون.
6- الإسلام يرفض مبدأ الأمر الواقع في العلاقات الدولية رفضاً باتاً، فلا يعرف السلبية في مواقفه تجاه وقائع السياسة الدولية.
7- التكافل السياسي في الإسلام أصل عتيد ملزم، فقد نص أول دستور إسلامي في عهده صلى الله عليه وسلم على أن “وإن سلم المؤمنين واحدة”.
8- التشريع الإسلامي يؤصل مبدأ الكرامة الإنسانية لمن أسلم أو لم يسلم، وهذا المبدأ أصل الحقوق والحريات.
9- يرى التشريع الإسلامي السياسي أن جدارة الإنسان بالسياسة أساسها أصالة الطبيعة الخيرة في فطرة تكوينه، وأن التمرد عارض له أسبابه ودواعيه الطارئة.
10- العقيدة التي انطلقت منها الحقيقة الدينية إرادية لا إكراه فيها وكذلك الأعمال أساسهاً حرية الاختيار.
11- عقيدة القضاء والقدر وبعدها السياسي في منطق القرآن الكريم، حيث رد المؤلف على تخرصات من يقول بالمفهوم الجبري لهذه العقيدة، كما أنه بين أن حقيقة هذه العقيدة في بعدها السياسي تجعل تقرير مصير الأفراد والأمم رهناً بالإرادة الإنسانية.
12- لم يغفل التشريع الإسلامي السياسي مبدأ المنفعة، سواء على مستوى الأفراد أو المجتمع والدولة، حيث أقر مبدأ جلب المصالح ودرء المفاسد المادية والمعنوية.
13- مبدأ القوة في الإسلام يختلف ببعده الأخلاقي والإنساني عن نظيره في تصور فلاسفة السياسة العالمية المادي الصرف مفهوماً وهدفاً.
14- محور الدين والدنيا هي محور بحوث فقهاء السياسة في الإسلام.
15- الحاكم الأعلى في الدولة –في نظر الإسلام– لا يستمد ولايته من قوى غيبية، بل هو فرد عادي يستمد ولايته من الأمة التي اختارته نائباً عنها بمحض اختيارها الحر.
16- السلطة السياسية والمواطنين في الإسلام يخضعون للقيم الدستورية الموجودة في القرآن والسنة كمصدر وحيد للسيادة.
17- الفقه السياسي الإسلامي نوعان: عام ثابت و آخر متطور يرجع إلى قواعد سياسة التشريع فيما لا نص فيه.
كما تناول المؤلف في هذه المقدمة التمهيدية الطويلة التي استغرقت حوالي نصف الكتاب: مقاصد التشريع الإسلامي الخمسة المعروفة “حفظ النفس والدين والعقل والنسل والمال”، مركزاً على مقصد “إقامة الدين” في النظام التشريعي السياسي الإسلامي، حيث لا يقتصر نظام الحكم الإسلامي على المصالح المادية، بل يقوم على قواعد تستهدف المصالح المعنوية والروحية والأخروية إلى جانب الدنيوية والمادية.
في الباب الأول من الكتاب استعرض المؤلف أهم خصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم وهي:
1- الشمول والتوازن: فلا فصل بين الدين والدنيا ولا بين الدنيا والآخرة.
2- الدولة في التشريع الإسلامي تفوق في وظائفها الإيجابية الشاملة أي دولة حديثة، كما أن نوعا المسؤولية العامة على الأمة بكاملها والخاصة على ذوي الكفاءات العلمية –الفروض الكفائية- لا تجد لها مثيلاً في أي نظام تشريعي سياسي آخر.
3- التشريع الإسلامي باعتماده العلم والخبرة موضوعاً لأحكامه وبما يتسم به من الشمول والتوازن وبصياغة معاييره المرنة وسمو غاياته، يتضمن طاقة فعالة لتطوير مجتمعه بما يتناسب مع المستوى الحضاري في كل عصر وعلى أساس من العدل والحق والخلق.
4- تحقيق التوازن بين المصالح المتعارضة، من خلال بعض القواعد الأصولية التي تهيمن على هذا التعارض إن طرأ، كقاعدة “المصلحة العامة مقدمة” و”التصرف على الرعية منوط بالمصلحة” و “يتحمل الضرر الخاص في سبيل دفع الضرر العام”.
5- وحدة الغاية في التشريع الإسلامي بين الحاكم والمحكوم.
6- مفهوم الدولة في الإسلام إيجابي لكونه مقيد بالبينات والهداية الإلهية في قانونها الأساسي، كما أن نشاطها في ممارسة اختصاصاتها دستوري.
7- التسامح تجاه المخالفين في الدين كمبدأ استقر بأصل العدل فيه، وليس أمراً خلقياً تقتضيه المروءة وحسن التعامل فحسب، فالإسلام لا يجعل مجرد المخالفة في الدين سبباً يسوغ هضم حقوق المخالف في الحياة طالما أنه أرسى مبدأ حرية العقيدة.
8- دولة المثالية والواقعية فضلاً عن الإيجابية والدستورية بخلاف دولة الفلاسفة على النحو الذي رسمه أفلاطون، أو (دولة المدينة) الذي تخيله غيره، أو (دولة الحراسة) في المذهب الفردي.
9- دولة الفكر (الأيديولوجية) التي لا تنتهي حدودها بالبيئة التي يقطن بها مواطنوها، وإنما تمتد حدودها حيث ينتهي امتداد فكرها وتشريعها.
10- العنصر الاعتقادي في الإسلام ذو أثر فعال في توطيد دعائم السلم الدولي، ورسم السياسة الخارجية على أساس من الحق والعدل والمساواة والوفاء بالعهود تحقيقاً للوحدة الإنسانية على الرغم من اختلاف الدين.
في الباب الثاني من الكتاب استعرض المؤلف قواعد الحكم في التشريع الإسلامي، بادئاً بالصحيفة التي وضعها صلى الله عليه وسلم حين وصل إلى المدينة المنورة، معتبراً أنها أول دستور للدولة الإسلامية الجديدة على نحو لم يكن معهوداً في الفكر السياسي في ذلك العهد.
ثم تناول المؤلف مسألة وجوب إقامة الدولة وجهاز الحكم فيها في التشريع الإسلامي، مستدلاً على ذلك بالقرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة والإجماع والمعقول، معللاً تمجيد فلاسفة السياسة في الإسلام للدولة نابع ومشتق من عظم المهمات والوظائف المنوطة بها، حيث يجعل الماوردي من مقومات الدولة الأساسية التي يجب تحقيقها: دين متبع وسلطان قاهر وعدل شامل وأمن عام وخصب دائم وأمل فسيح.
ثم استعرض المؤلف بعد ذلك أهم قواعد الحكم السياسية في الإسلام التي استخلصها من الصحيفة النبوية أولاً، ومن التشريع السياسي العام بعد ذلك وهي:
1- الوحدة السياسية بين مواطني الدولة الإسلامية الناشئة على الرغم من اختلاف شعوبهم وقبائلهم ومعتقدهم الديني.
2- حق المواطنة كان رهناً بمجرد الولاء لهذه الدولة الجديدة.
3- سيادة الدولة منوط بتشريع الله ورسوله الذي يوجب الولاء لهذه السيادة في نظير حق المواطنة السابق.
وقد أفرد المؤلف عنواناً خاصاً لأهم قواعد السياسة الخارجية في الإسلام والتي لخصها:
1- لا يجوز أن ينفرد بعقد السلم جماعة دون أخرى لأن سلم المؤمنين واحدة، كما لا يجوز التقاعس عن نصب الحرب على العدو إذا تحقق مناط الحكم “الجهاد” دفاعاً عن كيان الدولة.
2- عقد السلم أو الصلح الذي يحل حراماً محرم في الإسلام قطعاً.
بعد ذلك تناول المؤلف مسألة الشورى السياسية والتشريعية في الإسلام، التي تؤكد على النزعة الجماعية في التشريع الإسلامي، وعلى أن الطاعة في الإسلام ليس مصدرها “فكرة الحق الإلهي” التي كانت سائدة في أوربا في القرن السابع عشر والثامن عشر، وأن الدولة الإسلامية دستورية شورية.
وأكد المؤلف أن التشريع الإسلامي لم يحدد طرائق العدل فيما لم يرد فيه نص لتحقيقه عملا أو تنفيذ ما يقتضيه، وأن سنة الخلفاء الراشدين مضت على الالتزام بالرأي الذي ينتهي إليه مجلس الشورى فيما لا نص فيه، غير أنهم قد يختلفون في طرائق تنفيذ الحكم.
كما تناول المؤلف فلسفة التشريع السياسي الإسلامي في أساس الشورى بما هو ضرب من الاجتهاد بالرأي الجماعي في شؤون السياسة والحكم بوجه خاص، ليخلص إلى نتيجة مفادها: أن الشورى أساس الحكم في الإسلام، ودعامة أساسية من دعائم سياسة الحكم فيه.
وختم المؤلف كتابه بمبدأ المسؤولية في القرآن الكريم والسنة النبوية والأساس العقدي الذي ينهض بهذا المبدأ، سواء في ذلك المسؤولية الفردية أو الجماعية.
المصدر: مركز التأصيل للدراسات والبحوث