مقالاتمقالات مختارة

كابوس ميانمار قد يتكرر في “آسام” الهندية!

كابوس ميانمار قد يتكرر في “آسام” الهندية!

بقلم صبغة الله الهدوي

“هذا القرار لا يعني إلا فصل الأقليات من جادة السياسة، فلو نفذته الحكومة الهندية ستنفجر من حشايا الهند وأطرافها موجات من الدماء، وستبنى دولة على أس الأشلاء والجماجم

في بكرة واحدة، استولى اليأس والهلع على ربا “آسام” – شمال شرق الهند – الهادئة وتغير المناخ بشكل مفاجئ، وذلك إثر قرار السلطات الهندية لسحب الجنسية من أربعة ملايين شخص معظمهم من المسلمين بدعوى أنهم لا يمتلكون وثائق ثبوتية حتى يتمتعون بحس الوطنية والحرية، فمن الواضح إن هذا القرار الذي تم إصداره بواسطة إحصائي سكني سيشكل خطرا كبيرا في مسار سياسة الأقلية ويورطها في ظلمات الشك لا سيما في مصير المسلمين، ويصمم استراتيجية الانتخابات القادمة في 2019 م حسب مخططات حزب بهارتيا جنتا الداعمة كل المنظمات الهندوسية المتطرفة، وحتى الآن تنبأت الأخبار والصحف الدولية أحداثا كارثية في مستقبل ولاية آسام.

آسام.. موقعها الجغرافي والديموغرافي

تقع ولاية آسام بأقصى شمال شرق الهند، تحدها شمالا دولة بوتان، وغربا بنغلاديش، وتصل مساحتها إلى 78500 كيلو مترا مربعا، وهي غنية بالموارد الطبيعية وشهيرة بروعة بيئتها التي تتمتع بغزارة المطر ، وتلالها معروفة للجمال وحسن المنظر، فإن الزراعة تشكل النشاط الاقتصادي الأبرز بالولاية، حيث تنتج الشاي والأرز، كما تزخر بموارد طبيعية بارزة بينها النفط والغاز الطبيعي والفحم، وبحسب الإحصاء الرسمي لعام 2011م يبلغ عدد سكان ولاية آسام نحو 32 مليون نسمة، وتقول المصادر الرسمية الهندية إن نسبة الهندوس بالولاية تصل إلى 61.47 في المائة مقابل 34.22 من المسلمين و3.74 من المسيحيين و0.07 من السيخ وعدد قليل من البوذيين وأتباع المعتقدات الأخرى، ويلاحظ هنا بأن ولاية آسام هي الأكثر عددا للمسلمين بعد ولاية كشمير، مع أنه لا توجد إحصائيات دقيقة تعبر حقيقة عدد المسلمين، وربما أدت المخاوف التي لفت الحكومة بسبب كثرة المسلمين إلى إخفاء العدد الحقيقي ودعوى أنهم متسللون من البنغلاديش.

وتعتبر منطقة شمال شرقي الهند من أكثر المناطق توترا في البلاد حيث يعيش فيها 200 قبيلة مختلفة مما سبب في انفجار عدة شغب واشتباكات طائفية ونشأة فصائل مسلحة بشتى الدعايات التي تشكل خطرا لاستقرار البلدة كالجبهة المتحدة لتحرير آسام وأسام غانا فرشت والجبهات الأخرى التي تطالب بتأسيس “غورخا لاند” و”بودو لاند”، تاريخيا لقد استغل الاستعمار البريطاني هذا التنوع ورسموا لتلك المناطق عدة مشروعات على أساس العرق والعنصر.

فأما وضع المسلمين في الولاية ليس بمختلف من أشقائها كولاية أترابرديش وبنغال، يعيشون في ظروف قاسية مطوقة من الشرطات والمرتزقين من الحكومة، يعانون من التشرذم والضياع مما سببت الأحزاب السياسية لاستغلال فقرهم وإجبارهم للعمل لهم، لقد أودت المجاعة والفقر بحياتهم الهادئة، وفشت الأمية بكل معانيها في حارات المسلمين، ولا توجد لهم مدارس حكومية تنقذهم من هذه المآساة مع أن لهم حزب سياسي – جبهة الديمقراطية المتحدة لعموم آسام- برعاية بدر الدين أجمل المعروف بشعبيته وخطاباته، وللأسف لقد أجبرت الظروف والحالات المضطربة لتراجعه وحزبه من ميدان العمل.

على حين غفلة من سادة العالم ومنظمات الحقوق الإنسانية أصدرت الهند قائمة إحصاء سكني صادمة، قائمة تندى لها الجبين، والتي تصبح بعد تدشينا رسميا لسيول دموية منجرفة، أربعة ملايين شخص مهددون بالتجريد من الجنسية، ويسحبون من بطاقة الهوية، ويصيرون شعبا بلا وطن، وأمة فوضوية، توصد لها الأبواب من كل الجوانب، تموت جوعا وعطشا، تسمح لهم تذكرة “الهجرة والتهريب”، وتدعى بـ “أراكان جديدة” في قلب الهند، هذا هو الواقع المرير الذي يمر بها مسلمو “آسام”.

لقد امتلكت المخاوف واستولى اليأس والألم على تلك العيون التي لا تعرف إلا عرق الجبين وكد اليمين، تشخص إلى يوم يأتي بالفرح والسرور، حياة بين أنياب حادة ومخالب فتاكة وعيون مراقبة، تتربص بها الحكومة كالصقر الجائع حتى إذا رأى حركة طفيفة فتك بها وقضى عليها، فتلك هي السياسة التي يجربها حزب الهندوس الوطني بهدف اعتلاء العرش سنة 2019، سياسة تنبت من العنف والكراهية وتموهها دعايات الترقية والتقدم، لقد مضت هنا أربع سنوات عجاف هبت على الأقليات كريح عقيم، بددت آخر أحلامهم وأطفأت آخر جذوة من الأمل، تصمم السياسة من الجماجم البشرية وتوزع الفرحة من يأس المظلومين وقلق المشردين.

فتاريخ الصراعات الدموية غير جديدة في ديار الهند، يعود إلى أيام الاستقلال وإلى الأزمنة المتهرئة الناجمة من حرب باكستان وبنجلاديش، وأما الهند فلها رصيد ثري من الجرائم السياسية والصراعات لأجل العرقية والتحزبية، فمنذ استقلال الهند من مخالب البريطانيا تتشتكي الدولة من جذري الانفصال والتفرقة التي خلفتها الإمبراطورية، ولا تزال أطياف الاستعمار تلاحق شعوب الهند يمنة وشمالا، هناك كشمير التي لا زالت عنوان الجرائد الدولية والمنصات العالمية، حتى راحت أخبارها ناقوس الخطر الداهم، وكابوس القلب الهانئ، وهناك “غجرات” التي ولد فيها ” مهاتما غاندي” ليست بمعزل من هذه الفتن التي أثارتها حزبيات الهندوس على مدى العقود المتوالية، وشهدت الهند آنذاك أبشع مشاهد مأساوية من القتل والدمار، وكذا مديرية مظفر نغر في ولاية “أوتار برديش” التي لم تندمل جراحها حتى الآن، فليست الهند برائعة الجمال بل تكمن في روحها طيف هائل ومخيف.

فكلما نفدت كلمات الحكومة عن الترقية والتقدمية لجأت إلى ترويج الوطنية ونادت إلى ترسيخها وترميمها، فاعتاد الشعب الهندي لسماع هذه الصرخات المحرجة إثر كل قضية، وثقبت آذانهم تلك الأصداء التي تتردد من الأبواق الإعلامية في الفينة والأخرى والتي تتشقق من بين شفتي مودي ورجاله، عن خطط تستهدف ترقية الوطن أو توعية الشباب إلا أنها مجرد هراء أو خزعبلات مصيرها التلاشي والهلاك. لقد أصبحت هذه القضية آلة سياسية لاستثارة وجدانات الشعب الهندوسي وتجميعه تحت مظلة واحدة.

يترقب مسلمو آسام مأساة روهينجيا وتصطادهم تلك الذكريات الأليمة ويخشون من أن يتعرضوا لمجازر أخرى شبيهة بتلك التي وقعت في الماضي

مصالح خلف الكواليس

أما بالنسبة للحكومة فولاية آسام لا تزيد من لعبة سياسية تقوم للمصالح الهندوسية التي دائما يطمع في تحقيقها حزب بهارتيا جنتا الحاكم في العاصمة وفي الولاية نفسها كما اتضحت جليا من بياناته الانتخابية، ولأجلها أمدّت الحكومة سيلا من المال والدعم القانوني لنشر الكراهية والعنف ضد المسلمين كما حركت خلايا “اتحاد الطلبة لعموم آسام” التي تصرّ على ترحيل “الأجانب” من الولاية، وتحجز في الجرائد خانات لتوسيع نطاق الكراهية حتى يسهل لها الطريق إلى الأمام، وهي التي تقوم في مقدمة الجيش وترفع شعارات “آسام للآساميين” كما دوت في ولاية “مهاراشترا” برعاية من أحزاب جبهة الديمقراطية المتحدة التي يتزعمها حزب بهارتيا جنتا.

واقعيا، فإن حزب بهارتيا جنتا الذي يتزعمه نريندرا مودي وأميت شاه لم يك أبدا في فترة من أيامه حاضنة العلمانية ولا ربة الإنسانية لا سيما للأقليات وللمسلمين، وله رصيد ثري من الجرائم السياسية التي ارتكبها أتباعها تجاه الأقليات، فكل محاولاته إما أشعلت نار الفتنة والشغب، أو نفخت بوق العنصرية والضجات الطائفية، وقد كشفت الوكالات التحقيقية الهندية من “سي.بي.أي” و “أن.أي.أ” عن تلك الأيادي الآثمة التي تتمتع حتى الآن حماية القانون، والتي لها دور قيادي في الصراعات الطائفية التي حدثت في “غجرات” عام 2002م، راح ضحيتها مئات من المسلمين، وكان لوزيرها الأعلى آنذاك نريندرا مودي حظ وافر في هذه الواقعات الأليمة.

ورغم دعوى الحكومة بشمولية هذا السجل واستقصاءه لا يخلو من الأخطاء الفادحة والقصورات التي لا تبرر، وذلك إنه يخرج الوزير الأعلى لذات الولاية في فترة 1980-1981 م أنوارة تيمور المسلمة الوحيدة التي احتلت ذلك المنصب في تاريخ الهند والتي هي من أبرز زعماء المؤتمر الوطني الهندي، وإضافة إلى ذلك إنه لا يعترف بجنسية أقرباء رئيس الهند السابق فخر الدين علي أحمد في حين أن توجه بعض من زعماء السياسة الهندوسية بضمان الهندوس رغم عدم توفرهم الوثائق الثبوتية، والأبشع من ذلك إنه ينكر ويسحب جنسية كثير من الجنود الذين خدموا الوطن لأكثر من ثلاثة عقود.

وفي نفس الفترة يترقب مسلمو آسام مأساة روهينجيا وتصطادهم تلك الذكريات الأليمة ويخشون من أن يتعرضوا لمجازر أخرى شبيهة بتلك التي وقعت في الماضي، أو التي تقع في ميانمار المجاورة التي فر منها نحو سبعمائة ألف مسلم هربا من عمليات القتل والاغتصاب وإحراق المنازل وتخريب الممتلكات، لكنهم لا يقنطون من دعم الحكومات الدولية ومنظمات الحقوق الإنسانية ويرجون منها الضغط على حكومة الهند لإلغاء هذا القرار الذي يسبب كارثة إنسانية. لقد أصبحت ” الوطنية” أخطر آلة عرفها مسلمو الهند، حياتهم متقلبة بين الأمل والقلق، ولم تزل الأطياف الحكومية تلاحقهم في الحين والآخر.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى