
قصة معاناة المرأة فِي زمن موسى ( 2)
إهانة الرِّجال بظلم النساء
بقلم د. عادل حسن يوسف الحمد(خاص بالمنتدى)
من أكبر صور الدناءة عند الطغاة عبر التاريخ، إهانة الرَّجل بالتعدي على نسائه وظلمهم؛ أُمًّا كانت أو أُختًا، أو زوجةً أو بنتًا.
لأنَّ الرَّجل الشَّهم يقبل الموت على نفسه والتَّعذيب، ولا يُمسُّ عِرض نسائه بشيء.
والطُّغاة فِي كلِّ زمان يعرفون أنَّ هذه نقطة ضعف الرَّجل فيستعملونها لقهر الرِّجال.
وفرعون هو مدرسة الطُّغاة فِي تعاملهم مع الرِّجال، وخاصَّة العلماء والدُّعاة، فكلُّ طاغية ينهل من طريقة فرعون ويتشبَّه به، ولا يخلو طاغية عبر الزَّمن من التَّشبُّه بفرعون بصورة من الصُّور، ولذلك ذُكِرت قصَّة نبيِّ اللَّه موسى عليه السَّلام مع فرعون فِي كلِّ جزء من أجزاء القرآن الكريم، وهي أكثر قصَّة مفصَّلة فِي القرآن.
وقد سلك فرعون فِي قهر رجال بني إسرائيل طريق الإساءة إلى نسائهم وذرِّيَّاتهم. قال تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 4]
قال ابن جرير الطبري رحمه الله: (يقول تعالى ذكره: إنَّ فرعون تجبر فِي أرض مصر وتكبَّر، وعلا أهلها وقهرهم، حتَّى أقرُّوا له بالعبوديَّة). (تفسير الطبري 19/516)
وقال ابن كثير رحمه الله: (أَيْ تَكَبَّرَ وَتَجَبَّرَ وَطَغَى (وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعًا) أَيْ أَصْنَافًا قَدْ صَرَّفَ كُلَّ صِنْفٍ فِيمَا يُرِيدُ مِنْ أمور دولته.
وقوله تعالى: (يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ) يَعْنِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ خِيَارَ أَهْلِ زَمَانِهِمْ، هَذَا وقد سُلِّط عليهم هذا الملك الجبَّار العتيد يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي أَخَسِّ الْأَعْمَالِ، وَيُكِدُّهُمْ لَيْلًا وَنَهَارًا فِي أَشْغَالِهِ وَأَشْغَالِ رَعِيَّتِهِ، وَيَقْتُلُ مَعَ هَذَا أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ، إِهَانَةً لَهُمْ وَاحْتِقَارًا وَخَوْفًا مِنْ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُمُ الْغُلَامُ الَّذِي كَانَ قد تخوَّف هو وأهل مملكته منه أَنْ يُوجَدَ مِنْهُمْ غُلَامٌ، يَكُونُ سَبَبُ هَلَاكِهِ وَذَهَابُ دَوْلَتِهِ عَلَى يَدَيْهِ). (تفسير ابن كثير 6/ 198)
وقال السعدي رحمه الله: (فأوَّل هذه القصَّة: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرْضِ) فِي ملكه وسلطانه وجنوده وجبروته، فصار من أهل العلو فيها، لا من الأعلين فيها. (وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا) أي: طوائف متفرقة، يتصرف فيهم بشهوته، وينفذ فيهم ما أراد من قهره، وسطوته. (يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ) وتلك الطَّائفة، هم بنو إسرائيل، الَّذين فضَّلهم اللَّه على العالمين، الَّذين ينبغي له أن يكرمهم ويجلَّهم، ولكنَّه استضعفهم، بحيث إنَّه رأى أنَّهم لا منعة لهم تمنعهم ممَّا أراده فيهم، فصار لا يبالي بهم، ولا يهتمُّ بشأنهم، وبلغت به الحال إلى أنَّه (يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ) خوفًا من أن يكثروا، فيغمروه فِي بلاده، ويصير لهم الملك. (إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) الذين لا قصد لهم فِي إصلاح الدين، ولا إصلاح الدنيا، وهذا من إفساده فِي الأرض). (تفسير السعدي 611)
لقد احتقر فرعون رجال بني إسرائيل وأهانهم بقتل أبنائهم واستغلال نسائهم، وهذا هو سوء العذاب.
إنَّ هذا الأسلوب فِي قهر الرِّجال لا يزال يُعمل به فِي زماننا هذا، ولكن بطرقٍ حديثة.
فقانون العنف ضدَّ النِّساء يهين الرَّجل، فلا كلمة له على زوجته، ولا حقَّ له عليها!
واتِّفاقيَّة (القضاء على جميع أشكال التَّمييز ضدَّ المرأة) والمشهورة بـ (سيداو) تُهين المرأة وتمسخ شخصيَّتها وتُلغي كلَّ خصوصيَّة لها فِي أيِّ مكان، لأنَّهم يعدُّون خصوصيَّاتها تمييزًا للرَّجل عليها!
فترغم البنت على الدِّراسة مع الشَّابِّ، وإذا مرضت المرأة كشف عليها الرِّجال، بل لا يوجد فِي أيِّ قاعة انتظار فِي أيِّ منشِّط حكوميّ أو خاصّ، مكانًا خاصًّا بالمرأة. وهذا يقهر الرَّجل الصَّالح الَّذي يريد تربية أهل بيته على تعاليم الإسلام.
وقانون الطِّفل يُجرِّئ الفتاة على أبيها، ويمنع الأب من تأديب ابنته بأيِّ صورةٍ من صور التَّأديب المأذون بها شرعًا، ولو تجرَّأ الأب على ذلك، فيمكنها أن تشتكي عليه!
ولا يستطيع الأب أن يمنع ابنته من السفر لوحدها، أو يمنعها من حضور الحفلات المختلطة، أو غيرها. وبهذا يُقهر الرِّجال فِي بلاد المسلمين على أيدي الموالين للغرب من المسلمين والمنافقين.
ولكن، هل هؤلاء الذين ينادون بهذه القوانين أكرموا المرأة بقوانينهم أم استغلوها؟
والجواب تعرفه كلُّ امرأة عاقلة، فهي تعلم جيدًا فِي قرارة نفسها أنَّهم بهذه القوانين إنَّما يريدونها سلعة يستمتعون بها ويستخدمونها فِي الكسب المادي لهم.
وهؤلاء الذين وضعوا هذه القوانين وسعوا فِي تنفيذها فِي كل الدول، يعلمون أن الذي سيقف فِي طريقهم هُم الرِّجال من أولياء المرأة، لذلك شرعوا قوانين تُهين الرَّجل أمام المرأة، فإن سقط الرَّجل، سقط جدار الحماية للمرأة، فيفترسونها كما تفترس الذئاب الغنم عند غياب الراعي، فلم يبقوا منها شيئًا، ثم تُرمى بعد ذلك.
وقد تفرح المرأة بهذا الانفتاح والحرية التي يقدمونها لها، ولكنها فِي نهاية المطاف تدرك أنَّها خسرت خسارة كبيرة، يصعب على نفسيتها تجاوزها.
ولعل المرأة تتأمل فِي هذه الأسئلة:
لماذا قوانين الدول تسهل لك أمر الطلاق والخلع؟
ولماذا يكرهون لكِ البقاء تحت رجل يحميكِ؟
لماذا يحرِّضونكِ على والديكِ وخاصة الأب؟
لماذا يطالبونكِ بخلع الحجاب للعمل؟
ولماذا يخلطونكِ بالشباب فِي الدراسة الجامعية وغيرها ويصرون على ذلك؟
لماذا يعرقلون أمر الزواج ويشترطون أعمارًا معيَّنة، ويُشرِّعون القوانين التي تحمي هذه الشروط؟
هل تعتقدين أنهم يفعلون ذلك لمصلحتكِ فعلًا، أم أنَّ لهم غرضًا آخر؟
هل تظنين أن أحكام الشريعة جاءت للتضييق عليكِ؟ أو أنها تحابي الرَّجل ضدَّكِ؟
أختي الكريمة،
أدعوكِ إلى مراجعة هذا الموضوع فِي قرارة نفسكِ، إن كنتِ تؤمنين بالله واليوم الآخر، وارجعي إلى كتابِ ربِّكِ وابحثي فيه عن الحقيقة، وانظري إلى هدي نبيِّك كيف صان المرأة وأمر بحسن التعامل معها، ثم اختبري صدق محبَّتك له وأنت تقرئين قول الله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر: 7]
��إهانة الرجال بظلم النساء_2�
إقرأ أيضا:(تذكير المسلمين بأنّه لا طاعة لوليّ الأمر في معصية اللّه ربّ العالمين)