مقالاتمقالات مختارة

قراءة في مؤلفات علماء المسلمين في الأوبئة والطواعين

قراءة في مؤلفات علماء المسلمين في الأوبئة والطواعين

بقلم د. أبو الفضل عبد الرحيم أنكيس

توطئة

يمرُّ العالم بأسره بأزمة بشرية صحية خانقة مع استفحال جائحة كورونا (كوفيد 19) وانتشارها في كل الدول والبقاع والأصقاع، هذه الأزمة الوبائية حصدت آلاف الوفيات وملايين الإصابات، وخلَّفت رعباً أسود ساد البشرية وأصيب كثير من البشر بحالة من الهلع والفزع؛ وهو ما أجبر المختبرات والمعاهد والعلماء والمنظمات إلى المسارعة في البحث عن دواء أو لقاح ناجع لعلاج الوباء، أو وقف انتشاره، أو على الأقل التخفيف من حدَّته. ولذلك شددت الحكومات والوزارات الوصية على القطاع الصحي باتخاذ إجراءات وقائية وتدابير صحية لمكافحة الفيروس ومحاصرته عن الانتشار: (رفع حالة الطوارئ العامة، النظافة الشخصية، التزام البيوت، التعليم والعمل عن بُعد، ارتداء الكمامات الواقية، التباعد الجسدي… وغيرها من الإجراءات).

وبالنظر إلى التاريخ الإنساني، فإنَّا نجد أن البشرية قد مرت بأسوأ من وباء كورونا، وعاشت فترات من الأمراض والطواعين الفتاكة والسوداء، التي مات فيها خلق كثير، وخلَّفت الخسائر والأضرار الجسيمة على الإنسان والحيوان والبيئة؛ فكانت أشد وطأة على الإنسانية من هذا المرض الوبائي الجديد (كوفيد 19).

والذي نقصد إليه في هذه الورقة هو أن نستكشف جهود علماء المسلمين في التعامل مع الأوبئة التي حلت ببلدانهم، ونتعرف الكيفيات والتدابير التي واجهوا بها الطواعين وحاربوها فقهياً ومجتمعياً وصحياً وبيئياً، لأن النظر في ذلك مما يفيد البحث الأكاديمي في الظروف الاستثنائية والصعبة، ومما يعطينا العبر والرؤى من مقالاتهم وتآليفهم ويزودنا بدروس بليغة تفيدنا في الحاضر وربما في المستقبل.

المطلب الأول: سرد لأشهر مؤلفات علماء المسلمين في الأوبئة:

دائماً كان للمحن دورها في دفع الأمم نحو الابتكار والتعلم، والبحث عن سبل للخروج من الأزمات؛ ففي مثل هذه الأجواء العصيبة عايش الأسلاف شبيهاً من هذه الأوبئة والطواعين، فقاموا بدورهم بالرأي والتأليف. وأهم المؤلفات التي وقفتُ عليها من مصادر التاريخ وفهارس الكتب والأدلة[1] ما يلي:

مؤلفات مفقودة أو مخطوطة مؤلفات مطبوعة ومتداولة
١ – رِسالَة في الأبخرة المصلحة للجو من الوباء للكندي أَبُو يُوسُف يَعْقُوب (185 – 256هـ).

٢ – كتاب الطواعين لابن أبي الدنيا (ت: 281 هـ).

٣ – كتاب في الروائح وعللها لقسطا بن لوقا البعلبكي (ت. نحو 300هـ).

٤ – الرسالة الوبائية في الطب لأبي بكر الرازي (ت: 320 هـ)، متحف الآثار رقم 738 و 1095.

٥ – كتاب الوباء لعِيسَى بن يحيى الْجِرْجَانِي الطَّبِيب النصراني (ت: 401 هـ).

٦ – الطب المسنون في دفع الطَّاعون لابْن أبي حجلة أحْمَد بن أبي بكر التلماني (ت: 776 هـ).

٧ – المقالة الحكمية في الأمراض الوبائية – في الطب لعلي بن عبد الله بن محمد التادلي (ت: 816 هـ). الخزانة الملِكِيَّة بالرباط طب 9605.

٨ – وصف الدواء في كشف آفات الوباء للشيخ عبد الرحمن بن محمد البسطامي. (ت: 858 هـ).

٩ – فنون المنون في الوباء والطاعون للشيخ يوسف بن حسن بن عبد الهادي الحنبلي (ت: 880 هـ).

١٠ – مختصر بذل الماعـون للشـيخ شرف الدين يحيى بن مخلوف الحدادي المصري الشافعي (ت: 871هـ).

 

١ – البقاء في إصلاح فساد الهواء والتحرز من ضرر الأوباء لمحمد بن أحمد التميمي المقدسي (ت:390 هـ)، تحقيق يحيى شعار، المنظمة العربية للثقافة والعلوم، ط1، 1999م.

٢ – دفع المضار الكلية عن الأبدان الإنسانية لابن سينا، (ت: 427 هـ) دار إحياء العلوم 1989م.

٣ – ذكر الوباء والطاعون لأبي المظفر السرمري (ت: 776 هـ)، الدار الأثرية عمان، ودار المحبة دمشق، ط1 1425هـ. علق عليه وخرج، حاديثه شوكت بن رفقي بن شوكت.

٤ – الطاعون وأحكامه للإمام المنبجي الحنبلي (ت: 785 هـ)، تحقيق: أحمد بن محمد آل غانم، دار ابن حزم، ط1، 2017م.

٥ – بذل الماعون في فضل الطاعون: للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ)، تحقيق: أبو إبراهيم كيلاني محمد خليفة، دار الكتب الأثرية، الطبعة: الأولى 1413هـ – 1993م.

٦ – ما رواه الواعون في أخبار الطاعون لجلال الدين السيوطي (ت: 911، هـ) دار القلم، دمشق 1997م.

٧ – ما يفعله الأطباء والداعون بدفع شر الطاعون لمرعي بن يوسف الكرمي المقدسي (ت: 1033 هـ)، دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان. الطبعة: الأولى، 1421هـ – 2000م.

بإطلالتنا على هذه المؤلفات العلمية نسجل الملاحظات الآتية:

  • الغزارة العلمية في مجال طب الأوبئة والطواعين، مع العلم أن المجال ضيق لسرد كل المؤلفات، إضافة إلى المقالات والأبواب العلمية الخاصة في كتب الطب أو الفقه.
  • هذه المؤلفات تدل على حضور علماء المسلمين في أوقات الأزمات وبحثهم عن الحلول والعلاج باتخاذ الأسباب المشروعة.
  • تنوعُ موضوعات هذه المؤلفات وتوسُّعها في مجالات علمية مختلفة: فيها الطب والفقه والعقيدة وعلم الرياح والجغرافيا وغيرها، كما تختلف أحجامها في تناول الموضوعات بين كتب مطولة تحتوي الكثير من المجالات، وكتب متوسطة أو رسائل مختصرة تختص بتناول مسائل أو موضوعات خاصة في علم الأوبئة.

المطلب الثاني: دراسة موضوعية في مؤلفات علماء المسلمين في الأوبئة:

المطَّلعُ على كتب الأوبئة والطواعين عند علماء المسلمين يجد مواضيع وموادَّ غزيرة ومتنوعة؛ تحدَّث العلماء فيها عن أصل الطاعون والوباء والتفريق بينهما، وعن أسباب انتقال المرض، وعن العدوى وثبوتها أو نفيها، وعن الأسباب الكونية والشرعية في وجود الأمراض والأوبئة، وطرق التصرف في حالات الأزمات والكوارث وانتشار البلاء، ودفع ذلك بالاستغفار والدعاء والتوبة، والصدقات والتعاون، وحكم الفرار من البلد الذي حل به الطاعون.

كما تحدثوا عن مشروعية الدواء والعلاج وطرق مواجهة الوباء بالعزل والحجر الصحي والحدِّ من انتشاره، كما أَوْلَوا أهمية كبرى للاحتراز والوقاية وأساليبها، وسجَّلوا العديد من حالات المرضى وأوصافها. وعن أحكام المرضى، واهتموا أيضاً بذكر تفاصيل ومعلومات تاريخية عن الأوبئة في التاريخ الإسلامي… إلى غير ذلك من الموضوعات الموسَّعة.

وبناء على هذه الإطلالة والرؤية العامة لموضوعات الوباء في هذه المؤلفات فإنه يمكننا أن نصنف مضامينها ومسائلها الكبرى في المحاور الآتية:

أولاً: محاور في أصول الإيمان والاعتقاد:

ركزت مؤلفات علماء المسلمين على مسائل الاعتقاد الأولى والضرورية المرتبطة بالأوبئة والطواعين، مثل: (في أن الله تعالى الخالق لكل شيء – في بيان حقيقة التوكل وحقيقة الرقية والاستشفاء – ذكر التوبة والدعاء والاستغفار عند نزول البلاء – في كراهية أو استحباب الدعاء برفع الطاعون…) وغيرها من المسائل.

قراءة أُولى لهذه العناوين تغنينا عن تحليليها وإيراد تفاصيلها، يتبين فيها تركيز علماء المسلمين على ربط كل الحوادث وشؤون الحياة بالدين والاعتقـاد بما في ذلك الأمراض والأوبئة المعدية بين الناس. على خلاف ما تأخر في الحياة المعاصرة التي فقد فيها المسلمون البوصلة الاعتقادية، وانفصل فيها الإيمان عن الحياة لأن العلماء فقدوا القيادة وزمام الأمر في الأمة إلا قليلاً.

يكفينا في هذا الصدد أن نمثل بنصين من أقوال العلماء في حقيقة تأثير الوباء:

النص الأول لابن حجر: قال في مسألة العدوى ومعناها ومذاهب العلماء فيها، ثم رجَّح المذهب الأخير وهو القول الرابع، قال: «الرابع: المرض لا يعدي بطبعه أصلاً، بل من اتفق له وقوع ذلك المرض فهو بخلق الله سبحانه وتعالى ذلك فيه ابتداءَ، ولهذا يرى الكثير ممن يصيبه المرض الذي يقال إنه يعدي، يخالطه الصحيح كثيراً ولا يصيبه شيء، ويرى الكثير ممن لم يخالط صاحب ذلك المرض أصلاً، يصيبه ذلك المرض، وكل ذلك بتقدير الله… عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم : لا يهدي شيء شيئاً»[2].

النص الثاني للسُّرمري: تحدث فيه عن الأسباب الكونية وتأثير الوباء والأمراض، يقول: «واعلم أن الأسباب تؤثر في المخلوقات بما أودع الله تعالى فيها من الحكم الغامضة؛ إذا شاء أن يؤثر، وقد أجرى العادة بأشياء من ذلك كما جعل حرَّ الشمس منضجاً للثمار، وبرد الليل والرياح مربية للزرع والحبوب ونور القمر منضجاً للخضروات…»[3].

ثانياً: محاور في الأحكام الشرعية المتعلقة بالوباء:

تناول العلماء قضايا وأحكاماً شرعية لها ارتباط وثيق بالطاعون، تتمحور أساساً حول ما يسمى في عصرنا بالحَجْر الصحي أو الحجر المنزلي: (النهي عن الدخول إلى الأرض التي نزل بها – النهي عن الفرار من الطاعون – في حكم الطاعون إذا وقع ببلدة…).

في هذه المحاور ناقش الفقهاء والعلماء الدخول على أرض فيها الطاعون، وذهب أغلبهم إلى تحريم الفرار من أرض الطاعون، وناقشوا الأحاديث الواردة في ذلك، منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم : «إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها»[4]، وقوله أيضاً: «لا يُورِدَنَّ ممرض على مصح»[5]. وغيرها من الأحاديث.

ثالثاً: في علم الأمراض والأوبئة:

مما برَّز فيه علماء المسلمين علم الأمراض والأوبئة، خاصة في أوقات الأزمات وحلول الطواعين، ونلخص المحاور والقضايا التي درسها هؤلاء العلماء في هذا الجانب فيما يلي:

أ – في بيان حقيقة الوباء ومنشئه[6]:

التعريف بحقيقة الطاعون والوباء وما ذكر فيهما الأطباء والتفريق بينها، وذكر أسباب ظهور الطاعون، وسرعة انتشاره، والربط بين الأمراض وبين الظروف الطبيعية التي يعيشها البشر، وبين علاقة المرض بنوعية الماء الذي يشربه المريض، والهواء الذي يتنفسه وغير ذلك من المباحث.

ب – التفصيل في أسباب تلوث الهواء:

تتمثل في دراسة مصادر تلوث الهواء وأسبابه ومخاطره على الإنسان والطبيعة؛ خاصة: الانقلابات الفصلية التي هي أوقات يحدث فيها تغيرات شديدة في درجات الحرارة والرطوبة، وكذلك وجـود مصادر مياه قريبة من مكان الإقامة؛ وخاصة إذا كانت هذه المصادر مياهاً فاسدة أو راكدة، ومنها أيضاً ما سماه (التميمي): نظرية الأخلاط، التي تنتج فيها الأمراض عن اختلال في توازن الرياح والهواء والأمزجة الطبيعة والإنسان والحيوان، وغيرها.

ت – في التداوي والعلاج:

الاهتمام بالبحث عن العلاج الممكن لهذا التلوث والوباء؛ بما في ذلك علاج الأشخاص المرضى وإخضاعهم للتطبيب، وكلام الأطباء في العلاج بالفصد، بل وصل الأمر إلى البحث عن كيفية معالجة الهواء كما أوضح التميمي ذلك بتفصيل؛ فبحث عن كيفية معالجة فساد الهواء، وذلك عن طريق إيقاد النيران وإحراق المواد ذات الروائح العطرية، ومعالجة المياه عبر الأواني الخزفية…[7].

رابعاً: في التدابير الاحترازية من الوباء:

كما تحدث العلماء عن طريقة العلاج ومضادات الوباء فإنهم أيضاً تحدثوا عن طرق الوقاية والاحتراز منه قبل أو بعد وقوعه، وإن كان ذلك على سبيل الإجمال، ونتبين هذه الإجراءات على الشكل التالي:

أ – تدابير شرعية:

أول شيء حث عليه العلماء عند نزول الوباء والطاعون هو المبادرة إلى التوبة والاستغفار والإكثار من العبادة، يقول ابن حجر: «ومما ينبغي لكل أحد: المبادرة إلى ردِّ المظالم والتخلص من التبعات، والتوبة من العود إلى شيء من معصية الله تعالى، والندم على ما مضى من ذلك… وهذا مطلوب في كل وقت ويتأكد عند وقوع الأمراض عموماً ولمن وقع به خصوصاً»[8].

وقد فصَّل المؤلف ابن حجر تلك الآداب المتعلقة بمن أصابه الطاعون أو غيره من الأسقام مع ذكر الأدلة والأقوال في ذلك تحت المسائل الشرعية التالية:

  • سؤال الله العافية، والاستعاذة من السقم، ثم ذكر أدعية وأحاديث في الموضوع.
  • الصبر على قضاء الله والرضا بما يقدره وبيان ذلك.
  • في الترغيب في حسن الظن بالله.
  • في العيادة وفضلها[9].

ب – تدابير وقائية وصحية:

تتمثل هذه التدابير في مجموعة من الإرشادات والتوجيهات الوقائية والطبية، للحماية من الوباء أو الحدِّ من انتشاره أو محاربته:

  • حثُّ الناس على التحفظ من الوباء، والتحرز من ملامسة المريض ولباسه وفراشه، ومنع الصحيح الذي كان في موضع الوباء من دخول بلد آخر.
  • إعطاء الأشخاص السُّلَمَاء بعض الأدوية التي تقوي المناعة لديهم لمنع إصابتهم بالأمراض.
  • اتخاذ تدابير خاصة بمراقبة أماكن انتقال العدوى كالحمَّامات العامة، وتنقية المياه الآسنة أو العادمة أو الملوثة.

قال المؤلف مرعي بن يوسف الكرمي في بعض هذه التدابير: «إنه يجب على كل محترز من الوباء أن يخرج عن بدنه الرطوبات الفَضْلِية، ويقلِّل الغذاء، ويميل إلى التدبير المجفف من كل وجه إلَّا الرياضة والحمام؛ فإنهما يجب أن يُحذَرا؛ لأنَّ البدن لا يخلو غالباً من فضل رديء كامن فيه، فتثيره الرياضة والحمام، ويجب عند وقوع الطاعون الدَّعة والسكون، وتسكين هَيَجَان الأخلاط. قال السَّمَرْقَنْدي: ويشرب كل غداة حِلاباً من شراب الحماض، أو الأترج، أو النارنج، أو الليمون، أو السفرجل، أو التفاح، أو الرمان…»[10].

ت – تدابير إجرائية حكومية:

من المباحث التي وقفتُ عليها عند العلماء في مجال مكافحة الأوبئة حديثهم عن تدابير خاصة تمارسها الدولة أو أهل الأمر، تتمثل في هذه الإجراءات:

  • تخصيص منطقة عازلة للمرضى بالوباء:

جاء في كتاب (اتحاف المصنفين والأدباء بمباحث الاحتراز عن الوباء): «في المقالة التاسعة فيما اشتهر في بلاد الفرنج عن الاحتماء عن الوباء بموضع سموه (كرنتينة)؛ وحقيقتها إنما هي الاحتماء والاحتياط، وجعلوا ذلك في محل دخول الداخلين إليهم وألزموهم بأن يمكثوا بتلك الأماكن إذا توهموا أنهم أتوا من بلاد توهموا بها الوباء، إلى أن يتحقق انقطاع أثرها عنهم، ولما كان الوباء بحسب التجربة والاستقراء تنشأ عن العفونات السُّمية، وتتشبث غالباً بمثل الصفو والأقمشة بإذن الله، وقد جُرِّب هذا النوع من الاحتياط منذ مئين من السنين حتى تحققوا به الاستكفاء عن هذه المضرة بإذن الله»[11].

  • ضرورة حماية ولاة الأمور للمواطنين من الأوبئة والأمراض لأنهم المسؤولون عن البلاد والعباد:

في الكتاب نفسه يقول المؤلف: «يجب على السلاطين وأولي الأمر أن يكونوا مع من تحت تصرفهم بمنزلة الأب المطاع مع أطفاله وأهل بيته، فيجب عليهم أن يبادروا بإصلاح ما يُدخِل الضرر على من تحت تصرفهم إن تحقق مدخل الضرر وإمكان دفعه، ولا يرخص لهم بعد تحقق ذلك أن يساعدوا الجهال على تعصيهم وجهلهم، لقوله صلى الله عليه وسلم  (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)»[12].

خلاصة واستنتاج

  • اهتمام العلماء المسلمين ببيان الأحكام الشرعية المتعلقة بالأوبئة والطواعين، وتصحيح ما التبس على الناس في قضايا العقيدة والإيمان، والتركيز على ترسيخ الاعتقاد في الله وأنه المدبر والمتصرف والمقدِّر لكل شيء في الكون بما في ذلك الأمراض والأوبئة.
  • استحضار الرغائب والآداب الشرعية عند حضور الشدائد والمحن والنوازل؛ خاصة التوبة والأدعية والاستغفار وحُسن الصبر والتوكل والظن بالله. وهو ما يحتاج المسلمون اليوم للتذكير به أكثر وفي كل فرصة.
  • هذه المؤلفات في مجال الوباء – في حدود إمكانات أسلافنا – تناولت موضوعات علمية جديرة بالبحث والدارسة والمتابعة، تكاد تشبه في طريقة معالجتها للمواضيع إلى حد كبير ما يسمى أيامنا هذه بالبحوث المتخصصة.
  • ترابط الفقه في الدين بالعلوم الطبيعية والطب في البيئة الإسلامية بشكل وثيق لا نشوز فيه ولا انفصال، فكلٌّ يقوم بدوره في مقامه ومستواه تجاه دينه ومجتمعه في مكافحة الوباء؛ فالطبيب يشخص المرض ويصف الأدوية النافعة والاحتراز منه، والفقيه والعالم يذكِّر بالأحكام الشرعية المتعلقة بالأمراض، ويزيل ما التبس على الناس، ويرقِّق قلوب الناس ويعلِّمهم حسن الظن بالله والتوبة من المعاصي والتذكير بالقضاء والقدر، وهكذا.
  • هذه المؤلفات كشفت عن تشابه الأزمات والمراحل الصعبة في التاريخ الإنساني، عانى خلق كثيرون خلالها ومات آلاف بسببها في كل مناطق العالم الموبوءة، وربما الفرق الوحيد هو توفر الإمكانيات الطبية في عصرنا في مواجهة وباء (كوفيد 19)، وانعدامها عند أسلافنا، لكن شراسة الطاعون وسرعة انتشاره في الناس وانتقال العدوى وصعوبة إيجاد الدواء الفعال تبقى هي نفسها جائحة يصعب التغلب عليها.

[1] المصادر المعتمدة في استكشاف هذه المؤلفات والمقالات هي:

كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، حاجي خليفة أو الحاج خليفة. معجم المطبوعات العربية والمعربة، يوسف بن إليان سركيس. اكتفاء القنوع بما هو مطبوع، صححه وزاد عليه: السيد محمد علي الببلاوي. هدية العارفين، إسماعيل بن محمد أمين البغدادي.

[2] بذل الماعون في فضل الطاعون، ابن حجر العسقلاني، ص: 213.

[3] كتاب فيه ذكر الوباء والطاعون، يوسف بن السرمري، علق عليه وخرج أحاديثه: شوكت بن رفقي شوكت، ص: 26 ، 35.

[4] البخاري 5728 ، ومسلم 92، واللفظ للبخاري.

[5] البخاري 5771، وابن حبان: 3911.

[6] قال الكرمي المقدسي: «الطاعون ورم رديء قتال يخرج معه تلهب شديد مؤلم جداً…»  (ما يفعله الأطباء… ص 37). وفي التفريق بيت الوباء والطاعون: قال ابن حجر: الطاعون أخص من الوباء، وكل طاعون وباء، وكلاهما ينشأ عنه كثرة الموت، ويفارق الطاعون الوباء في أن الطاعون وخز وطعن من الجن. (بذل الماعون في فضل الطاعون ص50).

[7] ينظر: مادة البقاء في إصلاح فساد الهواء والتحرر من ضرر الأوباء، للمقدسي التميمي: (المخطوط: ص 2، 3).

[8] بذل الماعون في فضل الطاعون، ص 195.

[9] المصدر نفسه: ص: 214.

[10] ما يفعله الأطباء والداعون بدفع شر الطاعون ، ص 42.

[11] إتحاف المصنفين والأدباء بمباحث الاحتراز عن الوباء، (مخطوط، ص 16).

[12] المصدر السابق نفسه، (مخطوط، ص15).

(المصدر: مجلة البيان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى