قراءة في كتاب: “المدارس الفكرية الاسلامية من الخوارج الى الاخوان المسلمين” للدكتور محمد سليم العوا
قراءة د. محمد الصادقي العماري “مدير مركز تدبير الاختلاف للدراسات والابحاث” (خاص بالمنتدى)
الكتاب يأتي في سياق التأليف في علم المقالات والفرق، هذا العلم الذي حاول أهله من علماء ومفكرين، في كل عصر، مراجعة الاختلاف الفكري الاسلامي، وعرض مدارسه وفرقه، ومناقشة آرائها والتعليق عليها، وإضافة ما جد من المدارس الفكرية التي ظهرت في عصورنا المتأخرة.
عرض المؤلف لمجموعة من المدارس الفكرية، لكنه اقتصر على المدارس الباقية الى اليوم، وأعرض عن المدارس التي انقرضت، أو لم يعد لها وجود، إلا في كتب المقالات، باستثناء “الخوارج”، لأن -كما يقول المؤلف- أثر فكرها ظاهر جلي في فكرنا الاسلامي اليوم، حيث المتشدد على مستوى التعبد الفردي الخاص، أو التعامل مع المخالفين، أو التعامل مع السلطة السياسية، لذلك عقب المؤلف على فكر الخوارج، بعد عرض آرائهم، وأفكارهم، ومواقفهم التاريخية، وامتداداتها في عصرنا اليوم، ونفس الأمر قام به مع “المعتزلة”، عرض آراءها، وإن كانت كفرقة لم يعد لها وجود اليوم، لكن آثار هذا الفكر ظاهرة عند “الشيعة” بالأصالة، وعند غيرهم بالتبع، لذلك ذكرها وعرض آراءها كذلك، وعقب عليها بتعليقات مفيدة.
تناول في هذا الكتاب الدكتور محمد سليم العوا: البدايات الأولى للفكر الاسلامي الى ظهور “الخوارج”، وما سبقه أو لحقه من خلافات ونزاعات سياسية، وفي سياق ذكر فرق “الخوارج” نبه على أن “الاباضية” ليست من فرق “الخوارج”، وأن آراءها مخالفة، وبعيدة عن “الخوارج”، بل عرض لأقوال “الاباضية” في “الخوارج”.
ثم عرض لمدرسة “الشيعة الامامية“، وفي هذا المقام أشار إلى أمر مهم، زيادة على العرض، والوصف للآراء والاصول التي تقوم عليها المدرسة، وهو التطور الايجابي في الفكر السياسي الشيعي، والمتمثل في الاجتهادات المعاصرة في “مسألة الحكومة الإسلامية”، من “ولاية الفقيه” وانتقادها، إلى القول بتجاوز عصمة الامام، إلى القول “بحق الامة في الاختيار للحاكم”، وهذه الاجتهادات مهمة في سياق التقريب بين مدرسة “أهل السنة” ومدرسة “الشيعة”.
ثم عرض لمدرسة “الشيعة الزيدية“، وذكر أصولهم وآراءهم، وعلاقة فكرهم بفكر “المعتزلة”، كما عرض لمدرسة “الاسماعيلية”، زيادة على ذكر آرائها، نبه إلى مسألة مهمة، وهي أن عموم المسلمين لا يتصورون فكر “الاسماعيلية” تصورا صحيحا.
ثم عرض لمدرسة “المعتزلة“، وغالب كلام المؤلف عن “المعتزلة”، هو الكلام المتداول في مؤلفات المقالات القديمة، مع بعض الاشارات الطفيفة، كالتنبيه على دورها في الدفاع عن الاسلام، وأنها مدرسة إسلامية خالصة.
ثم عرض لمدرسة “الصوفية“، على خلاف عادة المتقدمين من علماء المقالات والفرق، وأكد على أن “الصوفية” فرق واتجاهات مختلفة، كغيرها من الفرق الاسلامية، والمدارس الاخرى، وهي تختلف باختلاف الاذواق والاحوال التي يعيشها أهل هذه المدرسة، والمؤلف كغيره من أهل الاختصاص، يميز بين “التصوف السني” و”البدعي”، ويشيد بالأول، ويرفض الثاني، وينبه على خطورته، كما فعل ابن تيمية –أي التنبيه على هذا التمييز- من قبل وغيره من علماء أهل السنة، وأكد في هذا السياق أن أغلب رواد الاصلاح، كانت بداياتهم وانطلاقاتهم الأولى من هذه المدرسة، مدرسة الزهد، والتربية، والإقبال على الله.
ثم انتقل إلى “مدرسة أهل السنة والجماعة“، وذكر من ضمنهم: “أهل الاثر“، وعلى رأسهم أحمد بن حنبل، و”الاثرية الظاهرية“، أي مدرسة “أهل الظاهر”، وعلى رأسها ابن حزم، و”الاشعرية” و”الماتريدية” و”الطحاوية“.
لكن قد ينتقد المؤلف على جعله “أهل السنة والجماعة” مدرسة من بين المدارس الفكرية، وهو نفسه في غير ما موضع من كتابه، أشار إلى أن “أهل السنة والجماعة” ليست مدرسة كالمدارس الاخرى، بل هي الاصل، والوسط، والمنهج المفتوح، القابل للاستيعاب والتجديد في كل زمان ومكان، ولا يجوز نسبة هذا المنهج لمدرسة أو فرد، ويحيل هنا على حسن الشافعي في كتابه الدخل الى علم الكلام.
لكنه كما قلت رغم هذا الاقرار، جعل “أهل السنة والجماعة” مدرسة قائمة بذاتها، كما أن صنيعه هذا قد يوحي بأن المدارس الأخرى، وخصوصا التي جاءت بعد هذه المدرسة في ترتيب الكتاب، خارجة عن “أهل السنة والجماعة”. وفي رأيي هذه المسألة فيها اضطراب جلي وظاهر.
وبعد هذه المدرسة تكلم عن “المدرسة السلفية“، وعرض لبدايات ظهور المفهوم، وأن رواد هذه المدرسة هم: أحمد بن حنبل، ثم ابن تيمية، ثم محمد بن عبد الوهاب، وفي هذا السياق تكلم عن “الوهابية”، وكما يظهر للقارئ، أن هناك تداخلا بين “مدرسة الاثر” التي ذكرها المؤلف سابقا في سياق كلامه عن “أهل السنة والجماعة”، وجعل رائدها أحمد ابن حنبل، و”السلفية” التي جعل رائدها الأول أحمد ابن حنبل كذلك. على كل هناك إشكال منهجي، يحتاج الى توضيح وبيان من المؤلف، -أو قد يظهر لقارئ آخر غير ما ظهر لنا- ونقصد بهذا الإشكال بيان المقصود بهذه الاطلاقات الثلاث: “أهل الاثر” “ّأهل السنة والجماعة” “السلفية”؟؟ وخصوصا لما يكون سياق العرض هو الترتيب والتمايز المنهجي للفرق والمدارس الاسلامية.
وبعد “السلفية”، عرض لمدرسة “السلفية الاصلاحية“، ورائدها: الافغاني، وبعده محمد عبده، وتلاميذهما، وقارن بين منهجيهما ورؤيتيهما الاصلاحية. وختم بمدرسة “الاخوان المسلمين“، كامتداد لهذه المدرسة، أي “المدرسة الإصلاحية”، وتكلم عن روادها، ابتداء من مؤسسها حسن البنا، ودوره كبير منهجيا وفكريا في بناء الجماعة، ثم عرض لدور حسن الهضيبي المرشد الثاني للجماعة، ثم الشهيد سيد قطب، ونبه المؤلف كغيره من الباحثين في سياق الحديث عن معالم فكر سيد قطب، إلى نظريته في “الحاكمية”، وما انبنى عليها من سوء فهم، أفرز تطرفا وغلوا وتشددا، كما عرض لآراء مجموعة من العلماء وموقفهم في سيد قطب، كرأي الشيخ القرضاوي رحمه الله تعالى.
ثم ختم المؤلف كتابه، بالحديث عن “إسهامات فردية في الفكر الاسلامي“، وذكر أولهم: “الأستاذ عبد الرزاق السنهوري“، ودوره الكبير في التأسيس لوحدة الامة الاسلامية، لأنها ضرورة قبل النهضة، وهذه النهضة لا تتحقق إلا بالنهضة القانونية والدستورية، لذلك تجده ساهم عمليا في صياغة قوانين بعض الدول العربية: مصر والعراق وليبا .. ثم عرض للمفكر الثاني: “حسن العشماوي“، ويقول عنه سليم العوا أنه ترك لنا فكرة الاعتداد إلى أبعد مدى بالحريات الفردية والجماعية. ثم عرض للمفكر الثالث وهو: “توفيق الشاوي“، ويقول أن هذا المفكر ترك لنا فكرة التفريق بين “الشورى” و”الاستشارة”، الاولى: ملزمة، والثانية: غير ذلك، والتفريق كذلك بين “الامامة السياسية” و”الامامة الفقهية”.
وبكلامه عن هؤلاء المفكرين الثلاثة، ختم كتابه، منبها في خاتمته إلى الآثار التي تركتها هذه المدارس الفكرية في الفكر الاسلامي الحديث والمعاصر، أي الآثار الإيجابية والآثار السلبية.