مقالاتمقالات مختارة

قاعدة: أخذ العلم عن العلماء المتحققين به

قاعدة: أخذ العلم عن العلماء المتحققين به

بقلم د. محمد عوام

قال أبو إسحق الشاطبي رحمه الله في (المقدمة الثانية عشرة من الموافقات): “مِنْ أَنْفَعِ طُرُقِ الْعِلْمِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى غَايَةِ التَّحَقُّقِ بِهِ أَخْذُهُ عَنْ أَهْلِهِ الْمُتَحَقِّقِينَ بِهِ عَلَى الْكَمَالِ وَالتَّمَامِ.

وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا، ثُمَّ عَلَّمَهُ وَبَصَّرَهُ، وَهَدَاهُ طُرُقَ مَصْلَحَتِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ غَيْرَ أَنَّ مَا عَلَّمَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

ضَرْبٌ مِنْهَا ضَرُورِيٌّ، دَاخِلٌ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ مِنْ أَيْنَ وَلَا كَيْفَ، بَلْ هُوَ مَغْرُوزٌ فِيهِ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ، كَالْتِقَامِهِ الثَّدْيَ وَمَصِّهِ لَهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنَ الْبَطْنِ إِلَى الدُّنْيَا -هَذَا مِنَ الْمَحْسُوسَاتِ، وَكَعِلْمِهِ بِوُجُودِهِ، وَأَنَّ النَّقِيضَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ- مِنْ جُمْلَةِ الْمَعْقُولَاتِ.

وَضَرْبٌ مِنْهَا بِوَسَاطَةِ التَّعْلِيمِ، شَعَرَ بِذَلِكَ أَوْ لَا؛ كَوُجُوهِ التَّصَرُّفَاتِ الضَّرُورِيَّةِ، نَحْوِ مُحَاكَاةِ الْأَصْوَاتِ، وَالنُّطْقِ بِالْكَلِمَاتِ، وَمَعْرِفَةِ أَسْمَاءِ الْأَشْيَاءِ فِي الْمَحْسُوسَاتِ، وَكَالْعُلُومِ النَّظَرِيَّةِ الَّتِي لِلْعَقْلِ فِي تَحْصِيلِهَا مَجَالٌ وَنَظَرٌ في المعقولات.”

والذي يأخذ العلم من بطون الكتب يقال له صحفي، وعلمه لا يوثق به، بل علمه عند المحدثين مطعون فيه، ومعظم الذين يسلكون هذا السبيل يقعون في أخطاء جسيمة في الفهم، واستيعاب مصطلحات ذلك العلم.

وقد منع العلماء هؤلاء من الإفتاء بما في بطون الكتب، خشية أن يبلغوا ما لم يفهموا، أو يدلسوا على الناس دينهم.(راجع المعيار المعرب للونشريسي).

وأنشد أبو حيان الأندلسي

يظنّ الغمر أنّ الكتب تجدي أخا ذهنٍ لإدراك العلوم

وما يدري الجهول بأنّ فيها غوامض حيرت عقل الفهيم

إذا رمت العلوم بغير شيخٍ ضللت عن الصراط المستقيم

وتلتبس الأمور عليك حتّى تصير أضلّ من توما الحكيم

نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للمقري 2/564

ولهذا وجدنا بعض الكائنات الحية المحسوبة على البشر من هذا الصنف، الذي لم يجالس العلماء ولم يخالط أهل العلم، يسعون إلى هدم أحكام الله الثابتة القطعية، ونسف قواعد الفهم والاستنباط، ويحسبون أنفسهم مجددين، وهم في الحقيقة في قمة البلادة الفكرية والرجعية المتخلفة، فتبا لهم ولفكرهم الضال المضل الساعي إلى هدم الشريعة.

(المصدر: مركز المقاصد للدراسات والبحوث)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى