في زمن كورونا.. فتاوى تجيز العبادات بالمنازل بدل المساجد
مع انتشار فيروس كورونا المستجد وتسببه بإصابة أعداد كبيرة في أكثر من نصف دول العالم، كانت نصائح الأطباء بالابتعاد عن التجمعات البشرية، وهو ما أثار استياء وحيرة بين المسلمين؛ حيث إن خمس صلوات في اليوم تقام في المساجد ويحضرها عدد كبير من المصلين، في حين أن صلاة الجمعة تكتظ بسببها المساجد.
لكن رجال الدين المسلمين أكدوا عبر بيانات خاصة ولقاءات في وسائل الإعلام أنه لا ضير في عدم الحضور إلى المسجد وتعليق إقامة صلاة الجماعة، بما فيها صلاة الجمعة؛ حال استشعار خطر يهدد المصلين.
الشيخ ثقيل بن ساير الشمري، عضو المجلس الأعلى للقضاء في قطر، قال إن انتشار المرض أو الوباء أو ما ينظر إليه على أنه من الأمور المستجدة في الأمراض والأوبئة، يجب أن يحتاط منه في المساجد.
وأضاف في لقاء على قناة قطر، إن الشريعة الإسلامية أكدت الوقاية من الأمراض، مستشهداً بالآية القرآنية: “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة”، واستشهد أيضاً بالحديث النبوي الذي يقول: “فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد”.
وذكر أن “المطلوب من المصلي في المسجد أن يريح المصلين من حوله. لا أن يزعجهم بالعطاس والسعال في هذه الظروف التي يشاع فيها أن المرض له أعراض معينة”.
وتابع: “إن شعر الإنسان به حرارة أو زكام أو عطاس أو حالة صحية عارضة فالأفضل في هذه الحالة ألا يحرج نفسه ولا يحرج الآخرين، وأن يمكث في بيته، ويصلي في بيته، لأن النبي نهى أن يؤذي المسلم أخاه المسلم في المسجد، وقال: من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقرب مصلانا”.
وشدد الشيخ الشمري على أن “الالتزام بالتعليمات والتقيد بها أمر واجب على الإنسان؛ لأن فيه مصلحة للناس”.
وتطرق إلى اعتياد المصلين البقاء في المسجد لفترة طويلة بعد انقضاء الصلاة لقراءة القرآن أو العبادات، مشيراً إلى أن هذه العبادات يمكن تعليق أدائها في المسجد.
وقال: “الأمر المتعلق بالورد أو قراءة القرآن بعد الصلاة فنقول له في هذه الأوقات اذهب إلى البيت واقرأ القرآن في البيت”.
وأضاف: “التعليمات تقول لا تحرج نفسك ولا تحرج القائمين على المساجد، بل الواجب عليك أن تلتزم بما تمليه المصلحة، وما يأمر به ولي الأمر؛ لأن هذا من التعاون على الخير”.
أخذ الاحتياطات اللازمة
ونصح الشمري بأخذ الناس احتياطهم وهم يقبلون للمساجد لأداء الصلاة، لا سيما صلاة الجمعة، ومنها بحسب قوله أن يكون متوضئاً في البيت، وأن يحضر مصحفه الخاص وسجادة صلاته.
وأوضح: “هذه من الأمور الطيبة باعتبار أن العدد كبير، والمصلون ينتقلون من موقع إلى موقع، ومن باب الاحتياط أن يجلب معه مصلاه أو يصلي السنة في البيت؛ لأن هذه من الأمور التي فيها احتياط وفيها دفع للضرر وفيها مصلحة للناس؛ وينبغي التقيد والالتزام بها”.
وكانت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة قطر أقرت، الخميس (12 مارس)، حزمة من الإجراءات والتدابير الوقائية تجاه فيروس “كورونا” المستجد.
وطالبت إدارة المساجد في الوزارة القطرية بالتشديد على نظافة المساجد وملحقاتها بالمراقبة اليومية لها، والعمل على إزالة كل ما من شأنه الإسهام في نقل العدوى؛ كالأكواب التي في مبردات المياه، أو قطع صابون اليد، أو سلة المهملات التي بداخل قاعة الصلاة.
وقالت إنه يجب على المصلين ممن تظهر عليهم أعراض البرد أو الإنفلونزا اعتزال المساجد فترة المرض، مشيرة إلى ضرورة تهوية المساجد يومياً، خاصة أثناء الصلاة وبعدها.
وقررت تقليل مدة الانتظار بين الأذان والإقامة إلى خمس دقائق في جميع الصلوات، فيما سيتم إغلاق المسجد بعد كل صلاة بـ15 دقيقة.
وكانت الوزارة القطرية قد علقت، في 10 مارس الجاري، الدراسة في مراكز تعليم القرآن للرجال والنساء حتى إشعار آخر؛ حرصاً على صحة طلاب وطالبات المراكز.
فتاوى في بلدان إسلامية حول كورونا
العديد من البلدان الإسلامية اتخذت إجراءات للحد من انتشار كورونا تتعلق بالمساجد والأماكن الدينية.
ففي العراق قال المجلس الإفتائي العراقي الأعلى في بيان له: “في مثل هذه الظروف والظروف الطارئة يراعي الفقهاء في أحكامهم النوازل التي تنزل بالناس، وذلك بم يدفع عنهم الأذى ويحفظ أرواحهم”.
وأشار إلى أنه ثبت أن هذا المرض من الأمراض المعدية، وأنه قابل للانتشار، وتقرر طبياً أن التجمعات سبب أساسي في نقل المرض وانتشاره، مؤكداً أنه “لا مانع شرعاً من تعليق صلاة الجمعة والاكتفاء بصلاة الظهر في البيوت حتى تنجلي الكربة”.
وأضاف البيان: “من الممكن عدم التعليق المطلق للجمعة، وذلك بأن يقتصر حضورها في كل مسجد من المساجد على الخطـيب، والمؤذن، والعاملين في المسجد، فإذا حضر وقت الصلاة يخطب الخطيب بهم خطبة مختصرة، ويصلي بهم الجمعة”.
وقال: “يجوز لكل من يبعد عن المسجد بمسافة لا تزيد على 150 متراً أن يصلي بصلاتهم، سواء كان في بيته أو أي مكان آخر، إذا كان يسمع صوت الإمام وتكبيرات انتقالاته في الصلاة، ولو بواسطة مكبر الصوت”.
تعليق العمرة
من أبرز الطقوس الدينية عند المسلمين هي العمرة، والطواف حول الكعبة، وقد شهد الحرم المكي والمدينة المنورة إغلاقاً أمام المعتمرين، وتم اتخاذ إجراءات صحية؛ منها إغلاق الحرمين الشريفين (المسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي في المدينة) في غير أوقات الصلاة، بعد انتهاء صلاة العشاء بساعة، وإعادة فتحهما قبل صلاة الفجر بساعة.
وبحسب وكالة الأنباء السعودية “واس” فإن هذا الإجراء يأتي في إطار الإجراءات الصحية الاحترازية بعد انتشار فيروس كورونا.
وأوضحت الوكالة أن الحرمين الشريفين يشهدان أعمال تنظيف وتعقيم مكثفة في غير أوقات الصلاة، مؤكدة أنه سيتم إغلاق صحن المطاف حول الكعبة المشرفة، والمسعى بين الصفا والمروة طوال فترة تعليق العمرة، وستكون الصلاة داخل المسجد فقط لمنع انتشار العدوى بفيروس كورونا المستجد.
من جانب آخر أصدرت هيئة كبار العلماء السعودية فتوى حرمت فيها على المصاب بفيروس كورونا حضور صلاة الجمعة والجماعة، وذلك في ظل انتشار الوباء وحصده للأرواح.
وأكدت الهيئة في بيان أنه بعد استقراء نصوص الشريعة الإسلامية ومقاصدها وقواعدها وكلام أهل العلم في هذه المسألة فيحرم على المصاب بالفيروس شهود الجمعة والجماعة.
وقالت الهيئة: “من قررت عليه جهة الاختصاص إجراءات العزل فإن الواجب عليه الالتزام بذلك، وترك شهود صلاة الجماعة والجمعة ويصلي الصلوات في بيته أو موطن عزله،”.
وأضافت: “من خشي أن يتضرر أو يضر غيره فيرخص له في عدم شهود الجمعة والجماعة، وفي كل ما ذكر إذا لم يشهد الجمعة فإنه يصليها ظهراً أربع ركعات”.
في هذا الخصوص قال الطبيب المختص بالأمراض الصدرية، أيمن الترك: “نواجه إقبالاً شديداً من قبل المرضى الذين تصيبهم نزلات برد عادية، ويسأل عن حالته متخوفاً من إصابته بالفيروس، وهؤلاء عادة لا يراجعون العيادة”.
وأضاف في حديث مع “الخليج أونلاين”: إنه “في ظل هذه الظروف لا يستطيع المريض العادي التمييز بين نزلة برد عادية أو كورونا أو زكام، ويفترض عندما تكون أعراض (نزلة برد خفيفة) أن يتناول مخفضات حرارة كالمعتاد مع راحة فقط، ولكن إن أحس على غير المعتاد بتعب شديد بالجسم، وحرارة عالية، وسعال شديد، وصعوبة بالتنفس فعليه مراجعة الطبيب للتأكد من وضع حالته”.
ولفت الطبيب إلى أن التجمعات ووسائل النقل العامة والمدارس تزيد من أعداد المصابين؛ لأن المرض ينتقل عن طريق الجهاز التنفسي، ومن ثم فالاختلاط والاقتراب من الناس لمسافة أقل من متر ستزيد احتمالية الإصابة، ومشكلة المرض الأساسية أن فترة حضانته طويلة؛ من يومين إلى 12 يوماً، وغالبية المصابين يحملون المرض ولا يحملون أعراضه.
جدير بالذكر أن الفيروس الغامض ظهر بالصين أول مرة في 12 ديسمبر 2019، بمدينة ووهان، لكن بكين كشفت عنه رسمياً منتصف يناير الماضي.
وينتشر الفيروس اليوم في أكثر من نصف دول العالم، لكن أكثر وفياته وحالات الإصابة موجودة في الصين وإيران وكوريا الجنوبية واليابان وإيطاليا.
وزاد الانتشار بدول الخليج والدول العربية مع توسع انتشاره في إيران، بسبب وقوعها على الضفة المقابلة للخليج العربي ووجود حركة تنقل واسعة معها؛ إذ قارب عدد المصابين 300 شخص.
(المصدر: الخليج أونلاين)