مقالاتمقالات المنتدى

في ذكرى الحبيب صلى الله عليه وسلم، التوحيد … إسلام الوجه لله

في ذكرى الحبيب صلى الله عليه وسلم

التوحيد … إسلام الوجه لله

بقلم الأستاذ : عماد الدين عشماوي (خاص بالمنتدى)

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المؤمن الأول والنموذج القدوة الذي عرف فيه ومن خلال تصرفاته طوال 23 عاماً معنى أن تكون موحداً حقيقياً قولاً وعملاً وسلوكاً، وكان صلى الله عليه وسلم الكهف الذي آوى إليه المؤمنون من الضلال، فحفظ عليهم إيمانهم من الكفر والشرك والنفاق والرياء وسائر ما يعبد من دون الله.

فقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بفعله وقوله، أن نحب الله من كل قلوبنا، فلا يكون فيها فراغ لشيء من إرادات النفس والهوى. وقد كانت السنوات ال23 التي قضاها صلى الله عليه وسلم في دعوة الناس للإسلام لا تخلو لحظة من الدعوة للتوحيد والتحذير الشديد من مغبة الوقوع في الكفر بالله أو إشراك ند أو ولد له في العبادة أو الوقوع في النفاق. وسيظل كل مؤمن يريد أن يعبد الله حق عبادته أن يأوي إلى كهف رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتعلم ويتشرب قلبه التوحيد الخالص لله رب العالمين

فقد ظل صلى الله عليه وسلم عشر سنين يدعو الناس، يوافي المواسم كل عام، يتبع الحاج في منازلهم في المواسم بعكاظ ومجنة وذي المجاز يدعوهم قائلاً: يأيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا وتملكوا بها العرب، وتذل لكم العجم، وإذا آمنتم كنتم ملوكاً في الجنة. وكان أول ما عاهد عليه الأنصار: أن لا يشركوا بالله شيئاً، وبين صلى الله عليه وسلم للمؤمنين أن الرياء شرك، والهوى شرك، والخضوع للشهوات شرك، وكل عمل لا يقصد به وجه الله وحده شرك.

وظل صلى الله عليه وسلم 13 عاماً في مكة يقول للناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، وتمت تربية الجيل الفريد من المسلمين الأول على كلمة التوحيد والإخلاص لله. فكان صلى الله عليه وسلم يتلو لهم ليل نهار إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي إنما إلهكم إله واحد، فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً.

وكانت سيرته صلى الله عليه وسلم طيلة 23 عاماً ما بين مكة والمدينة نموذجاً للمؤمن الموحد بالله في حله وترحاله، في حربه قبل سلامه، وفي بيته، وفي السوق، وفي مسجده، وفي علاقاته، وفي كل ممارسة مارسها، وكل فعل فعله، وكل قول تلفظ به، كان مؤمناً موحداً مسلماً وجهه لله رب العالمين وحده، فرأى منه المسلمون خير قدوة فآمنوا حق الإيمان ووحدوا ربهم حق التوحيد.

وأبطل صلى الله عليه وسلم عبادة الأصنام، وأغلق كل منافذ الشرك والكفر من أصنام وتصاوير وغيرها مما كان يتعلق بها العرب ويعبدونها حتى استتب أمر التوحيد في القلوب والنذر والذبح لغير والاستقسام بالأزلام والسحر وعبادة الجن وغيرها أغلقها تماماً. وشن حملة لا هوادة فيها على عبادتها لأنها تهدم أي أسس لعقيدة صالحة في الكون ومكونه تعالى، وتشوش الوعي والعقل الإنساني، لكنه لم يهدمها من فوره ولم يتسرع في تحطيمها لأن المنهج النبوي في التغيير لا يقف عند الثمار ويترك البذور، فقد اقتلع بذور عبادة الأوثان من القلوب والعقول فسهل انصراف الناس عنها، وكان هدمها أمراً طبيعياً عندما كمل الدين ودخل الناس فيه أفواجاً.

وأطلق صلى الله عليه وسلم اسم الشرك على: الرياء، الحلف بغير الله، التوكل على غير الله والاعتماد عليه، وعلى كل من وما سوى بين الله وبين المخلوق في المشيئة، وكل ما يقدح في التوحيد: كالطيرة، والرقى المكروهة، وإتيان الكهان وتصديقهم بما يقولون، وإتباع هوى الناس، كل هذا أغلق أبوابه تماماً.

وعلمنا أن التوحيد صراط مستقيم وأن ما دونه باطل وضلال: عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً وعن جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعند رأس الصراط داع يقول استقيموا على الصراط ولا تعوجوا، وفوق ذلك داع يدعو كلما هم عبد أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب، قال: ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه. ثم فسر ذلك المثل فأخبر: أن الصراط هو الإسلام، وأن الأبواب المفتحة محارم الله، وأن الستور المرخاة حدود الله، وأن الداعي على رأس الصراط هو القرآن، وأن الداعي من فوقه واعظ الله في قلب كل مؤمن. وهذا الحديث يبين كيف يضل الفرد وتضل الجماعة ويبين طريق الوقاية من ذلك كله بالتوحيد الخالص واتباع هدي القرآن المجيد.

وعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم كيف أن كل أنواع الفساد تبدأ من فساد التوحيد، فعندما ينتزع لباس الإيمان من قلب الإنسان، ينتهك حرمات الله ويواقع حدود الله، وهو ما يؤكده حديث أبو هريرة رضي الله عنه عن نتيجة المجتمع الذي يفعل ذلك، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه أبصارهم فيها حين ينتهبها وهو مؤمن، ولا يغل أحدكم حين يغل وهو مؤمن فإياكم إياكم.

وعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نأخذ على يد أي فرد أو جماعة تحاول أن تهدم بنيان الأمة واجتماعها المسلم وجهه لله بأي حجج فارغة، فيمثل لنا حال المجتمع الصالح والمجتمع الفاسد في حديث السفينة الذي يرويه النعمان بن بشير قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة فصار بعضهم في أسفلها، وصار بعضهم في أعلاها، فكان الذين في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به، فأخذ فأساً فجعل ينقر أسفل السفينة، فأتوه فقالوا: مالك؟ قال: تأذيتم بي ولابد لي من الماء، فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم.

وكانت تشبيهاته صلى الله عليه وسلم للعقيدة في أحاديثه اليومية مع أصحابه طيلة حياته تجعلهم يفقهون تماما معنى لا إله إلا الله وتبعاتها وآثارها، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه شبه العقيدة بالوعاء الذي يحفظ الأعمال الذي إذا كان سليما طاهرا فكل عمل يكون هكذا صالحا لا فساد فيه، أما إذا كان فاسدا فكل عمل يبنى عليه فاسد. فعن معاوية بن أبي سفيان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما الأعمال كالوعاء، إذا طاب أسفله طاب أعلاه، وإذا فسد أسفله فسد أعلاه. ولذلك كانت كبيرة الكبائر هي الإشراك بالله، وكانت أول بنود المبايعة على الإسلام : لا تشركوا بالله شيئا، وكان أكبر الذنوب أن تدعو لله نداً وهو خلقك. وفي المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: جددوا إيمانكم، قالوا وكيف نجدد إيماننا قال: قولوا لا إله إلا الله من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حرم الله عليه النار.

فالحمد لله رب العالمين على نعمة إرسال محمد صلى الله عليه بالتوحيد الخالص رحمة للعالمين وإسلاماً للوجه خالصا للرحمن الرحيم

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى