في الصين فقط.. أعضاء بشريّة “حلال” للبيع!
بقلم د. فتحي الشوك
يتعرّض المسلمون الإيغور إلى مأساة إنسانية حقيقية تعجز الكلمات على أن تصف فصولها لتبلغ مداها مع أخبار تتداول على انتزاع أعضاء بشرية من أجسام المحتجزين في معسكرات الاعتقال وهم على قيد الحياة لتسوّق على أنّها أعضاء حلال وتجد لها رواجا وإقبالا من قبل إخوة لهم “مسلمين” يبحثون عن قطع غيار بشرية في السّوق السّوداء. فمن هم الإيغور وكيف تحوّلت قصّتهم إلى قصّة تروي ما أصابنا من ذلّ وجهل وتخلّف وعجز وهوان وكيف صارت مرآة لما آلت إليه الأحوال؟
الإيغور هي قومية مسلمة من آسيا الوسطى، يقدّر عددهم بحوالي 13 مليون نسمة، يعيشون داخل إقليم شينجيانغ شمال غربي الصّين الّذي كان يسمّى تركستان الشرقية قبل احتلاله وضمّه بالقوّة للصّين سنة 1949. مارست الصّين ما لا يخطر على بال من انتهاكات قمعية وعنصرية ضدّ تلك الأقلّية العرقية فإلى جانب محاولة تغيير الإقليم ديموغرافيا بتوطين عرقية “الهان” غير المسلمة الّذين صاروا يمثّلون الآن أكثر من 40 في المائة من السكّان، فإنّها حاصرت السكّان الأصليين ومنعتهم من أسباب الحياة الكريمة وأجبرتهم قسريا على تبنّي نمطها المعيشي، هدمت المساجد وصادرت المصاحف وحاربت كلّ مظاهر التديّن، منعت الصّيام وأجبرتهم على شرب الخمور وحرّمت التّسميات بأسماء ذات طابع إسلامي بل وأجبرت الفتيات المسلمات على الزّواج بغير المسلمين كما حشدت أكثر من مليون مخبر لرصد حركاتهم وسكناتهم وعدّ أنفاسهم إلى حدّ معاقبة من لا يتابع فقرات التلفزيون الرّسمي.
أخضعت الحكومة الصّينيّة 13 مليون فرد في شينجيانغ للاعتقال التعسّفي الجماعي، والتلقين السّياسي القسري مع تقييد الحركة والاضطهاد الدّيني كما تمّ احتجاز أكثر من مليون شخص في معسكرات للتأهيل والتثقيف السياسي. مع أنّ كلّ هذه الممارسات تخالف مادّة في الدّستور الصّيني تنصّ على أنّ كلّ مواطن صيني له حرّية العقيدة والدّين والدّولة تحمي الشّعائر الدّينية للمواطنين العاديين. بلغت ممارسات النّظام الصّيني أقصاها لتفوح رائحتها وتستثير بعض الضّمائر الحيّة فتتحرّك 22 دولة في غالبيتها غربية وغير”مسلمة” وتطرح مشروع قرار أممي للتنديد بها ومحاولة وضع حدّ لها فما راعنا إلاّ والردّ يكون من 12 دولة “مسلمة” هي أعضاء في منظّمة المؤتمر الإسلامي وجاء كشهادة براءة وحسن سيرة وتلميع لإجرام نظام تجاه إخوة لهم مسلمين مبرّرين له بل وداعمين.
تقول “صوفي ريشاردسون” مديرة قسم الصّين في هيومن رايتس ووتش: “حصلت الحكومة الصّينية على دعم عشرات الدّول ذات الأغلبية المسلمة للمساعدة في تلميع سجلّها الحقوقي السّيء في شينجيانغ، بدلا من الانضمام إلى عديد الحكومات الّتي تدين الانتهاكات ضدّ مسلمي الإقليم، ساندت هذه الدّول الرّواية البغيضة الّتي تروّج لها بكين”. وقد سبق لوزراء خارجية منظّمة التّعاون الإسلامي المجتمعين في أبو ظبي في أذار 2019 أن تجاهلوا محنة الإيغور وأشادوا بجهود الصّين في توفير الرّعاية لمواطنيها المسلمين متطلّعين إلى مزيد من التّعاون مع الصّين.
آخر ما تسرّب من ممارسات وحشية وفظاعات طالت المسلمين الإيغور ما تضمّنه تحقيق استقصائي أجراه الصحّفي “ويرلمان” ونشره مؤخّرا موقع “ميديوم”، وقائع مروّعة وشهادات مفزعة تتخطّى أفلام الرّعب المفبركة، يتمّ انتزاع أعضاء لبعض المعتقلين الإيغور وهم ما يزالون أحياء ليقع بيعها في السّوق السّوداء، وهي تلقى رواجا بل إنّ الطّلب قد فات العرض خصوصا لدى “المسلمين” من الأثرياء الّذين تسوّق لهم البضاعة على أنّها حلال. يقول “ايفرتهوني” وهو جرّاح إيغوري كان شاهدا على تلك الممارسات: “لقد استدعيت لنزع كبد وكليتين من جسد سجين تمّ إعدامه واتّضح أنّه لم يمت لأنّهم أطلقوا عليه الرّصاص في الجانب الأيمن من الصّدر عن عمد لإفقاده الوعي دون قتله، لكي يكون لي الوقت لانتزاع أعضائه بدون عمليات تخدير”.
وحسب الطّبيب الإيغوري فإن الطّلب على أعضاء الإيغور يفوق العرض بسبب التّرويج لها على أنّها حلال واعتقاد البعض بذلك، كيف لا؟ وهي لمن استشهد على كلمة الحقّ والتوحيد ومن عذّب حتّى الموت لتمسّكه بعقيدته وتطلّعه لأن يحصل على أدنى حقوقه. ومن الطّبيعي أن نجد على رأس قائمة المتهافتين على أعضاء الموحّدين أولئك المنتسبين لبلاد التوّحيد والرّافعين لرايتها في الملاهي الحلال. كيف لمسلم أن لا يتحرّى في قطعة سيضعها في جسده ليعوّض إحدى القطع المعطّبة أو المتهالكة؟ أليس من الأفضل أن تكون لأخ مسلم وأن لا تكون مجهولة المصدر لتفادي أن يدنّس الجسد الطّاهر عضو ماويّ، ماركسيّ، أو ملحد أو ربّما ابن سفاح لا قدّر الله؟
هي أعضاء حلال وتكفي تلك الكلمة السّحرية لحلّ أيّ إشكال وهي الحصن الضّامن من الوقوع في البدع والشّرك والضّلال وفي النّهاية لشيوخنا الأشاوس الأفاضل كلمة الحسم وفصل المقال. أعضاء حلال، هي لمسلمين إيغور وربّما لمسلمين آخرين هنا وهناك وحيثما ولّيت وجهك، ربّما مصدرها طفل مشرّد اختطف في شارع التّيه ذات مساء، وربّما فقير جائع يضع أعضاءه للبيع ابتغاء لقمة ودواء أو سجين رأي عذّب حتّى الموت وشرّح ثمّ دفن على عجل بعد أن اقتطعوا منه بعض الأجزاء أو مريض دفعه الوجع نحو إحدى مجازر المشافي حيث غالبا ما تستأصل الزّائدة الدّودية مع بعض الأعضاء. لا تشغلوا بالكم كثيرا أيّها “المسلمون” الأثرياء فغالبيّة الأعضاء المتوفّرة في السّوق السّوداء هي حلال وهي لمسلمين مثلكم لكن معذّبين في الأرض، مستضعفين وفقراء. قرّوا عينا واهنؤوا بالا سادتي فنحن أكبر مصنّع لقطع الغيار البشرية الأصيلة، المؤمنة والطّاهرة وهي ما تحتاجه أجسادكم المصطفاة النّقية.
أيّة خسّة هذه وأيّ جنون وأيّ غباء؟
(المصدر: مدونات الجزيرة)