فضائح “الجامية” و”الليبروجامية”
بقلم ياسر الزعاترة
خلال المرحلة الأخيرة تصاعدت وتيرة الفضائح التي يتورّط فيها “الجامية” و”الليبروجامية”، على نحو بات يجد مكانا لافتا؛ ليس في وسائل الإعلام وحسب، بل (وهو الأهم) في مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت تمثل الإعلام الأكثر أهمية وتأثيرا منذ سنوات خلت.
وفيما يعتقد من يشغّلون الطرفين أنهم يتفوقون إعلاميا عبر فضائيات تكلف عشرات الملايين، وبحضور رموزهما في مواقع التواصل، فإن واقع الحال أن “مشاركة” لأحد نجوم وسائل التواصل من ذوي المصداقية، ما تلبث أن تترك تأثيرا أكبر بكثير.
ولمن لا يعرفون دلالة المصطلحين، سنعيد التذكير بما قلناه سابقا في توصيفهما، مع أن الأول تحديدا صار مشهورا جدا، بعد الربيع العربي (الشهرة غير التأييد بالطبع)، رغم أنه كان يحمل توصيفا آخر قبل ذلك؛ إذ كان البعض يسميه السلفية؛ دون أن يتنبه إلى حقيقة وجود “سلفيات”، لكل منها رؤيته وبرنامجه، وإن توافقت نسبيا في مسائل الاعتقاد، بجانب المنهج الأصلي (الاعتماد على فهم سلف الأمة).
(الجامية) مصطلح معروف يتعلق بتيار سلفي (النسبة للشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله.. سعودي من أصل إثيوبي). وهو تيار يبالغ في التشديد على طاعة ولاة الأمر، بما في ذلك تحريم انتقادهم في العلن. وفي حين يشترك مع الغالبية من التيار السلفي التقليدي في هذا البُعد، إلا أن تشديده عليه، واعتباره من مسائل العقيدة المهمة، هو الذي منحه هذه المكانة، ولا يبتعد عنه بالطبع ما يسمى بالتيار المدخلي (نسبة للشيخ ربيع المدخلي).
أما “الليبروجامية”، فهو مصطلح أطلقه خليجيون، وربما سعوديون تحديدا، ويخصّ أولئك الذين يصنّفون أنفسهم ضمن الدائرة الليبرالية، أو العلمانية، ولكنهم يشاركون “الجامية”؛ على ما بينهما من تناقض سافر، في البعد المتعلق بطاعة ولاة الأمر، مع أنهم لا يقدمون تنظيرات خاصة في السياق، إذ يروّجون قوانين الطاعة من دون تنظير فكري، وإن قدموا تبريرات سياسية في بعض الأحيان.
“الجامية” و”الليبروجامية” اليوم صاروا يمارسون التهريج على شاكلة أحمد موسى وكثير من أضرابه في فضائيات يتراجع حضورها
ليست هذه السطور بحثا في أصول التيارين ولا في تنظيراتهما التي صارت معروفة للجميع، ولكنها تعنى بالفضائح التي أخذوا يتورّطون فيهما تبعا لتحولات سياسية تعيشها المنطقة، بخاصة فيما يتعلق بأولويات أنظمتها السياسية.
وإذا كان “الجامية قد تخصصوا في التبشير بطاعة ولي الأمر، ولو جلد الظهور وسلب الأموال (بل وفعل …! على الهواء مباشرة)، فيما يتخصص “الليبروجامية” في التركيز على هجاء “الصحوة”، والتبشير بالانفلات الأخلاقي تحت لافتة الحرية والانفتاح، فإن الفضائح التي نتحدث عنها اليوم لا تتصل بذلك، بل تتجاوزه إلى فضائح فكرية وسياسية جديدة.
“الجامية” و”الليبروجامية” اليوم صاروا يمارسون التهريج على شاكلة أحمد موسى وكثير من أضرابه في فضائيات يتراجع حضورها، وبعضها لا يراه سوى حفنة من الناس، فيما تتفنن برامج السخرية في تتبع هرائها.
يقرر ولاة الأمر أن الحرب اليوم هي على “الإخوان”، فيمارس هؤلاء هجاءهم آناء الليل وأطراف النهار، وغالبا بأكاذيب مفضوحة. وكثيرا ما تضبطهم مواقع التواصل متلبسين بالتناقض، فتعرض قديمهم على هذا الصعيد مقابل جديدهم، لكنهم يواصلون كأن شيئا لم يكن، بل من دون الحاجة إلى تبرير ذلك، لأن تبريره مستحيل بالطبع.
يقرر ولاة الأمر أن تركيا هي العدو الأخطر، فيخرج هؤلاء وهؤلاء في وصلات من التهريج المكتوب والمسموع والمشاهد، كي يردحوا لتركيا، ولأردوغان الذي يتحوّل بقدرة قادر (عند الجامية) من رجل مسلم يعيد تركيا إلى هويتها، وفق قديمهم، إلى “خليفة الشواذ”، فيما يتحوّل عند زملائهم “الليبروجامية” من رجل ناجح رفع سوية بلاده على كل صعيد (وفق قديمهم)، إلى دكتاتور وطاغية، كأنما يعيشون في بلاد لديها فائض من الحرية والتعددية. والأكثر إثارة للسخرية أن ترى كلا الطرفين يستعيدان شعارات القومية العربية التي كانت سُبّة لديهما في وقت سابق.
يقرر ولاة الأمر أن تركيا هي العدو الأخطر، فيخرج هؤلاء وهؤلاء في وصلات من التهريج المكتوب والمسموع والمشاهد، كي يردحوا لتركيا، ولأردوغان
يقرر ولاة الأمر مجاملة الصهاينة، فيشرعون في تطبيع سري وعلني، فلا يتردد الطرفان إياهما في التبشير بفضائل التطبيع مع الكيان، مقابل هجاء الشعب الفلسطيني “ناكر الجميل”، و”مُضيّع الفرص”. ولا بأس من التورّط في إعادة النظر في كل المقولات السابقة المتعلقة بالصراع مع العدو، بما في ذلك التبشير بحوارات الأديان التي كانت “كفرا” عند “الجامية” في السابق!!
الأمثلة كثيرة بالطبع، لكنها مجرد إشارات على الفضائح التي يتورّط فيها هؤلاء وهؤلاء، والتي جعلتهم موضع ازدراء في أوساط جماهير الأمة التي تراقبهم، وترد عليهم بمزيد من التمسك بثوابتها، وليس العكس كما يعتقد مشغّلوهم.
(المصدر: عربي21)