فتوى شرعية ما حكم الإساءة إلى الله أو حرمات الإسلام في وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاركة المُسيئ بالإعجاب، أو النشر، أوالمتابعة من غير إنكارٍ؟
بقلم الشيخ عارف الصبري “عضو هيئة علماء اليمن” (خاص بالمنتدى)
ما حكم الإساءة إلى الله أو حرمات الإسلام في وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاركة المُسيئ بالإعجاب، أو النشر، أوالمتابعة من غير إنكارٍ؟
الجواب:
لا يقدح في الله ورسوله وآياته وحرماته إلا كلُّ كافرٍ أفَّاكٍ أثيمٍ حاقدٍ مارقٍ من الدين، محاربٍ لله ولرسوله وللمؤمنين.
والداخلون في حكم الإساءة إلى الله أو رسوله أو آياته أو حرماته بيانهم على النحو التالي:
أولاً:
المُسيء ذاته:
المسيء إلى الله تعالى أو رسله أو آياته أو حرماته بأي نوع من الإساءة كالاستخفاف أو الاستهانة أو السخرية ونحو ذلك هو مؤذٍ لله ولرسوله، كافرٌ مرتدٌ عن الإسلام.
بدليل الكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً
مُهِيناً).
ثانياً:
الحاضرُ في مجالس الكفر بالله من غير إكراهٍ ولا إنكارٍ، ولا قيامٍ عنهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيره:
إن المسلم إذا سمع آيات الله تعالى يُكفرُ بها ويُستهزأ بها فجلس عند الكافرين المستهزئين بآيات الله من غير إكراهٍ، ولا إنكارٍ، ولا قيامٍ عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره فهو كافرٌ مثلهم، وإن لم يفعل فعلهم؛ لأن ذلك يتضمن الرضى بالكفر، والرضى بالكفر كفرٌ.
والدليل على ذلك قوله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً).
وبهذه الآية الكريمة استدل العلماء على أن الراضي بالذنب كفاعله، فإن ادعى أنه يكره ذلك بقلبه لم يقبل منه؛ لأن الحكم بالظاهر.
قال القرطبي رحمه الله في قوله تعالى: (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ):
(فدلَّ بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكرٌ؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضى بالكفر كفر).
فقد سوَّت هذه الآية في الحكم بين فاعل المنكر والساكت عنه إذا كان قادراً على الإنكار ولم ينكر.
وقال البغوي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: (وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما: دخل في هذه الآية كل مُحْدِثٍ في الدين، وكل مبتدعٍ إلى يوم القيامة، (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) أي إن قعدتم عندهم وهم يخوضون ويستهزئون ورضيتم به فأنتم كفارٌ مثلهم).
ويقول محمد رشيد رضا رحمه الله في قوله تعالى: (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ): (هذا تعليلٌ للنهي، أي إنكم إن قعدتم معهم تكونوا مثلهم وشركاء لهم في كفرهم؛ لأنكم أقررتموهم عليه ورضيتموه لهم، ولا يجتمع الإيمان بالشيء وإقرار الكفر والاستهزاء به، ويؤخذ من الآية أن إقرار الكفر بالاختيار كفرٌ، ويؤخذ منه أن إقرار المنكر والسكوت عليه منكرٌ، وهذا منصوصٌ عليه أيضاً، وأن إنكار الشيء يمنع فشوه بين من ينكرونه حتماً، فليعتبر بهذا أهل هذا الزمان، ويتأملوا كيف يمكن الجمع بين الكفر والإيمان، أو بين الطاعة والعصيان).
وقال السعدي رحمه الله تعالى: (والحاصل أنَّ من حضر مجلساً يُعصى الله به، فإنه يتعين عليه الإنكار مع القدرة، أو القيام مع عدمها).
وفيما تقدَّم دليل على وجوب إنكار المنكر على فاعله، وأنَّ من إنكاره إظهارُ الكراهة إذا لم يمكن إزالته، وترك مجالسة فاعله، والقيام عنه حتى ينتهي ويصير إلى حالٍ غيرها.
وقد رُفِعَ إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى أنَّ قوماً يشربون الخمر، فأمر بضربهم فقيل له: إن فيهم فلاناً صائماً، فقال: ابدؤوا به ثم قال: أما سمعتم قوله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ).
ثالثاً:
المدافع عن المسيء إلى الله أو رسوله أو آياته أو حرماته:
إذا عُلم مما تقدم كفر المسلم الحاضر مجالس الاستهزاء والإساءة إلى الله تعالى أو رسوله أو آياته أو حرماته، من غير إكراهٍ، ولا إنكارٍ ولا قيامٍ عنها حتى يخوضوا في حديثٍ غيره، فلا شك في كفر من يدافع عن المسيء إلى الله تعالى أو آياته أو رسوله أو حرماته، وكفر المدافع عن المستهزئين بحرمات الله أولى وأحرى.
وكذلك كفرُ من يهوِّن من قضية الإساءة إلى حرمات الله، ويعتبر ذلك أمراً عادياً، فضلاً عمن يجعلها من باب حرية التعبير، وحرية الرأي والرأي الآخر.
والله أعلم.