إعداد : الشيخ د. علي القره داغي
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ، وبعد
فقد وردتني أسئلة كثيرة حول صيام وصلاة المناطق التي لا يتمايز فيها الليل والنهار، أو أنها تطول فيها ساعات النهار لتصل إلى أكثر من 20 ساعة ، ولأن الموضوع في غاية من الأهمية ، وقد نوقشت في عدة ندوات ومجامع فقهية ، لذلك نذكرها ، ثم نستكمل الباقي :
أولا ً: فقد عقد المجلس الأوروبي للافتاء والبحوث عدة ندوات حول هذا الموضوع ، من أهمها : الندوة العلمية حول «الصيام وأحكامه الفقهية في الدول الإسكندنافية استوكهولم- السويد في 22 شعبان 1436ه الموافق 9/6/2015 ، ونذكر هنا ما صدر منها بالنص :
( بدعوة كريمة من المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث التقى عدد من العلماء المتخصصين في الفقه والفلك والطب وبالتعاون مع المجلس السويدي للأئمة وبمشاركة فعالة من الأستاذ أكرم كلش نائب رئيس رئاسة الشؤون الدينية التركية وبحضور عدد كبير من أئمة المساجد والمراكز في الدول الإسكندنافية؛ السويد والنرويج وفنلندا والدنمارك انعقدت ندوة علمية بمدينة استوكهولم بمملكة السويد في المركز الإسلامي في يوم الثلاثاء 22شعبان 1436ه. حيث امتدت يوما كاملا مسبقة إلى شمال السويد بزيارة وفد متكون من أصحاب الفضيلة:
- أ. د. علي محي الدين القره داغي نائب الرئيس للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث.
- الدكتور عبد الله الجديع نائب الرئيس للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث.
- الدكتور حسين حلاوة الأمين العام للمجلس
- الدكتور أحمد جابالله الأمين العام المساعد للمجلس
- الدكتور خالد حنفي عضو المجلس.
- الأستاذ محمود الخلفي رئيس مجلس الأئمة بالسويد .
حيث شاهد الوفد أحوال الشمس في هذه المدينة واستمع إلى أهلها وإلى مجموعة من الأخوة الكرام الذين قدموا من مدينة أميو وشرحوا أوضاع منطقتهم التي تفتقد فيها علامتا العشاء والفجر.
وقد عقدت الندوة أربع جلسات علمية بعد الجلسة الافتتاحية التي افتتحت بتلاوة من القرآن الكريم وكلمة ترحيبية من الأمين العام للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث ثم كلمة رئيس مجلس الأئمة بالسويد ثم كلمة المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث التي ألقاها أ. د. علي محي الدين القره داغي نائب رئيس المجلس بيّن أهمية الندوة وخطورة الإختلافات التي فرّقت الأقلية الإسلامية في البلد الواحد إلى عدة فرق ثم ألقى فضيلة الدكتور أكرم كلش نائب رئيس الشؤون الدينية بالجمهورية التركية كلمة دارت حول موضوع الندوة.
بعدها تداول الحاضرون الأبحاث والأوراق التي قدمت إلى الندوة وبعد المناقشات المستفيضة والمداخلات الكثيرة حيث أتيح المجال لكل من أراد التحدث في هذه المسألة وبعد استعراض بعض التجارب العملية بهذا الشأن. توصلت الندوة إلى ما يأتي:
أ. إن ما يجب التأكيد عليه –وبخاصة بالنسبة للأقليات المسلمة- ما يأتي:
- الحفاظ على وحدة المسلمين في داخل أوروبا بصورة عامة، وفي داخل الدولة الواحدة بصورة خاصة فلا يجوز لهم وهم في بلد واحد أن يختلفوا في الشعائر الدينية والمواقيت الأساسية للصلوات والصيام والأعياد فهذا يتعارض مع مقاصد الشريعة في الشعائر التعبدية، والأدلة العامة التي تدعوا إلى وحدة الشعائر والمشاعر أكثر من أن تحصى وأن الاختلاف فيهما معا أو في أحدهما سيترتب آثار سلبية على الانسجام والتعاون والإحساس بالجسد الواحد بالإضافة إلى أنه قد يكون من آثاره اتهامات متبادلة بالبدعة أو الفسق أو التكفير وكل ذلك من المحظورات الشرعية داخل الأمة الواحدة التي يريدها الله تعالى أن تكون خير أمة أخرجت للناس تعبدا وسلوكا وقدوة.
- إن القضايا الجوهرية العامة التي تتعلق بالأقلية الإسلامية لا ينبغي أن يفتي فيها شخص بناء على فتواه الخاصة ، ولا أن ينقض فتوى مجمع فقهي معتبر.
- وقد ناقشت الندوة الموضوعين الأساسيين وهما:
أ. موضوع المناطق التي لا تغيب فيها الشمس طوال الأربع والعشرين ساعة في بعض الأشهر مدى السنة حيث اتفقت الندوة على أن هذه المناطق تعامل من حيث أوقات الصلوات والصيام معاملة المناطق القطبية ولكن مع فارق جوهري وهو أن هذه المناطق لها أوقات معتدلة خلال السنة ولذلك فإن القياس عليها والتقدير بها أولى فى الأيام التى لا تغيب فيها الشمس ، والمراد بالأوقات المعتدلة :الأوقات التي يتساوى فيها الليل مع النهار في تلك المناطق كل منطقة بحسبها.
ب. بالنسبة لأوقات الصلوات والصيام في المناطق التي تغرب فيها الشمس وتفتقد فيها علامتا العشاء والفجر حتى تشرق الشمس في هذه الحالات يقدر وقت العشاء والإمساك في الصوم ووقت صلاة الفجر بحسب آخر فترة يتمايز فيها الشفقان.
ج. وبالنسبة لصلاة الفجر والإمساك (في المناطق المذكورة في الفقرة السابقة (ب) فإن في هذا الأمر سعة حيث يجوز أن تقدر الفترة بين صلاة الفجر والإمساك وبين طلوع الشمس بساعة وخمس دقائق.( حيث أن الفقرة السابقة قد حددت وقت الفجر والإمساك بحيث آخر فترة يتمايز فيها الشفقان)
التوصيات:
- توصي الندوة بأن تراعى الفتوى أحوال المسلمين في أوروبا من حيث الأعمال والوظائف والدراسة والمرض والعجز عن الصيام والمشقة التي تؤدي إلى عجز أصحاب المهن عن القيام بأعمالهم.
- توصي الندوة الأئمة ومسؤولي المراكز والجمعيات الإسلامية في أوروبا بالتخفيف على الناس والتيسير عليهم بالاختيارات الفقهية التي اعتمدها المجلس الأوربي للإفتاء البحوث والتي تمكن المسلم الأوروبي من العيش بدينه في المجتمعات الأوربية وذلك كالجمع بين المغرب والعشاء وتقديم صلاة التراويح على صلاة العشاء والجمع بين المغرب والعشاء والتراويح بعد وقت مناسب للإفطار من دخول وقت المغرب.
- تؤكد الندوة على قرار المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث بالتحديد المسبق لبداية الأشهر القمرية بالحسابات الشرعية.
- توصي الندوة الأئمة وعموم المسلمين في أوروبا، وخصوصا عند تأخر أوقات الصلوات برعاية حقوق الجيران وتجنب إزعاجهم والالتزام بالأخلاق الإسلامية في التعامل وبقوانين البلاد.
- توصي الندوة بتشكيل لجنة شرعية فلكية بالتعاون مع رئاسة الشؤون الدينية التركية تقوم على رصد ومتابعة قضايا الأهلة والمواقيت في أوروبا ومساعدة مسلمي أوروبا على توحيد وضبط أوقات عباداتهم بما يجمع كلمتهم ويوحد صفوفهم)
ثانياً: قرار المجلس الأوروبي للافتاء والبحوث (قرار رقم 97(7/20) حول اختلاف ساعات الصيام في البلدان ذات خطوط العرض العالية :
(درس المجلس مسألة اختلاف ساعات الصيام في البلدان ذات خطوط العرض العالية، حيث تطول ساعات الصيام إلى حدٍّ مفرط قد تصل إلى ما يقرب من ثلاث وعشرين ساعة.
ونظر المجلس في الآراء التي طرحها بعض العلماء، والتي تتلخص في أحد الاقتراحين التاليين:
الأول: أن يخصص لهذه البلدان ساعات من الصيام تعادل ما يصومه أهل مكة، ثم يفطر الصائمون من أهل هذه البلدان بعد انتهاء الوقت المحدد حتى ولو كانت الشمس ساطعة.
الثاني: أن يخصص لهذه البلدان ساعات من الصيام تعادل ساعات الصيام في أقصى ما وصل إليه سلطان المسلمين في فتوحاتهم الإسلامية.
ورأى المجلس صرف النظر عن هذين الرأيين لانعدام الدليل في مشروعيتهما ولمخالفتهما للأوقات المحددة للصيام من الفجر إلى غروب الشمس بنصوص صريحة من الكتاب والسنة.
ولذلك يرى المجلس أن يأخذ بما ذهب إليه قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي رقم (3) حول أوقات الصلوات والصيام في البلدان ذات خطوط العرض العالية الدرجات، المتخذ في الدورة الخامسة للمجلس بتاريخ 10 ربيع الثاني 1402 هـ الموافق لـ 4 شباط/ فبراير 1982 م والذي جاء فيه:
” وأما بالنسبة لتحديد أوقات صيامهم شهر رمضان فعلى المكلفين أن يمسكوا كل يوم منه عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في بلادهم ما دام النهار يتمايز في بلادهم من الليل، وكان مجموع زمانهما أربعاً وعشرين ساعة. ويحلُّ لهم الطعام والشراب والجماع ونحوها في ليلهم فقط وإن كان قصيراً، فإن شريعة الإسلام عامة للناس في جميع البلاد: وقد قال الله تعالى: ” وَكُلٌوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبيَّنَ لَكُمُ الخيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الخيْطِ الأسْوَدِ منَ الفجْرِ، ثمَّ أتِمُّوا الصّيَامَ إلى الليْلِ ” [ سورة البقرة: الآية 178 ].
ومن عجز عن إتمام صوم يوم لطوله أو علم بالأمارات والتجربة أو إخبار طبيب أمين حاذق، أو غلب على ظنّه أن الصوم يُفضي إلى إهلاكه أو مرضه مرضاً شديداً أو يفضي إلى زيادة مرضه أو بطء برئه أفطر ويقضي الأيام التي أفطرها في أي شهر تمكّنَ فيه من القضاء. قال تعالى: ” فَمنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَريضَاً أو على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ منْ أيّامٍ أُخَرَ ” [ سورة البقرة: الآية 185 ]. وقال تعالى: ” لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسَاً إلا وُسْعَهَا ” [ سورة البقرة: الآية 286]، وقال تعالى: ” وَمَا جَعَلَ عليْكُمْ في الدِّينِ منْ حَرَجٍ ” [ سور الحج: الآية 78 ].”
ويرى المجلس أن المشقة التي تؤدي إلى عجز أصحاب المهن عن القيام بعملهم تجيز لهم الفطر.
كما يرى أن هناك توسعة في تحديد بداية الإمساك وبخاصة أن علامة الفجر الصادق مفقودة في هذه البلدان في أوقات معينة من السنة، فقد يكون في هذا تخفيف للمشقة الواقعة على المسلمين في تحديد أوقات صيامهم.
ويوصي المجلس بأن تفصّل الفتوى بحسب أحوال المسلمين في أوروبا من ناحية الأعمال والوظائف والمهن وأثر طول الصيام على ذلك وأثرها على حدوث المشقة للصائم.
كما يوصي المجلس بأن يتجه المسلمون في هذه البلدان لسؤال أهل الفتوى في بلدانهم عن مقدار المشقة المبيحة للإفطار بسبب طول النهار .)
ثالثاً: صدر قرار آخر من المجلس الأوروبي للافتاء والبحوث (قرار رقم 2/12) معتمداً في معظمه على المجامع الفقهية أيضاً، نذكره لأهميته :
تداول أعضاء المجلس في موضوع مواقيت الصلاة والصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية واستمعوا إلى الدراسات الشرعية والفلكية المقدمة من بعض الأعضاء، والعروض التوضيحية للجوانب الفنية ذات الصلة التي تمت التوصية بها في الدورة الحادية عشرة للمجلس وبناءً على ذلك قرر ما يلي:
أولاً: تأكيد القرار السادس الصادر عن المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي بشأن مواقيت الصلاة والصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية ونصه: (الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم.أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 12 رجب 1406 هـ إلى يوم السبت 19 رجب 1406هـ قد نظر في موضوع ” أوقات الصلاة والصيام لسكان المناطق ذات الدرجات العالية “.
ومراعاة لروح الشريعة المبنية على التيسير ورفع الحرج وبناءً على ما أفادت به لجنة الخبراء الفلكيين، قرر المجلس في هذا الموضوع ما يلي:
أولاً- دفعاً للاضطرابات الناتجة عن تعدد طرق الحساب، يحدد لكل وقت من أوقات الصلاة العلامات الفلكية التي تتفق مع ما أشارت الشريعة إليه، ومع ما أوضحه علماء الميقات الشرعي في تحويل هذه العلامات إلى حسابات فلكية متصلة بموقع الشمس فوق الأفق أو تحته كما يلي:
(1) الفجر : ويوافق بزوغ أول خيط من النور الأبيض وانتشاره عرضاً في الأفق “الفجر الصادق” ويوافق الزاوية ( 18º) تحت الأفق الشرقي.
(2) الشروق: ويوافق ابتداء ظهور الحافة العليا لقرص الشمس من تحت الأفق الشرقي ويقدر بزاوية تبلـغ ( 50´) دقيقة زاوية تحت الأفق.
(3) الظهر: ويوافق عبور الشمس لدائرة الزوال ويمثل أعلى ارتفاع يومي للشمس يقابله أقصر ظل للأجسام الرأسية.
(4) العصر: ويوافق موقع الشمس الذي يصبح معه ظل الشيء مساوياً لطوله مضاف إليه فيء الزوال، وزاوية هذا الموقع متغيرة بتغير الزمان والمكان.
(5) المغرب: ويوافق اختفاء كامل قرص الشمس تحت الأفق الغربي، وتقدر زاويته بـ (50) دقيقة زاوية تحت الأفق.
(6) العشاء: ويوافق غياب الشفق الأحمر حيث تقع الشمس على زاوية قدرها (17º) تحت الأفق الغربي.
ثانياً- عند التمكين للأوقات يكتفى بإضافة دقيقتين زمنيتين على كل من أوقات الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وإنقاص دقيقتين زمنيتين من كل من وقتي الفجر والشروق.
ثالثاً. تقسم المناطق ذات الدرجات العالية إلى ثلاثة أقسام:
المنطقة الأولى: وهي التي تقع ما بين خطي العرض (45º) درجة و(48º) درجة شمالاً وجنوباً، وتتميز فيه العلامات الظاهرة للأوقات في أربع وعشرين ساعة طالت الأوقات أو قصرت.
المنطقة الثانية: وتقع ما بين خطي عرض (48ºْ) درجة و(66º) درجة شمالاً وجنوباً، وتنعدم فيها بعض العلامات الفلكية للأوقات في عدد من أيام السنة، كأن لا يغيب الشفق الذي به يبتديء العشاء وتمتد نهاية وقت المغرب حتى يتداخل مع الفجر.
المنطقة الثالثة: وتقع فوق خط عرض (66ºْ) درجة شمالاً وجنوباً إلى القطبين، وتنعدم فيها العلامات الظاهرة للأوقات في فترة طويلة من السنة نهاراً أو ليلاً.
رابعاً: والحكم في المنطقة الأولى: أن يلتزم أهلها في الصلاة بأوقاتها الشرعية، وفي الصوم بوقته الشرعي من تبيّن الفجر الصادق إلى غروب الشمس عملاً بالنصوص الشرعية في أوقات الصلاة والصوم، ومن عجز عن صيام يوم أو إتمامه لطول الوقت أفطر وقضى في الأيام المناسبة.
خامساً-: والحكم في المنطقة الثانية أن يعيّن وقت صلاة العشاء والفجر بالقياس النسبي على نظيريهما في ليل أقرب مكان تتميّز فيه علامات وقتي العشاء والفجر، ويقترح مجلس المجمع خط عرض (45º) باعتباره أقرب الأماكن التي تتيسر فيها العبادة أو التمييز، فإذا كان العشاء يبدأ مثلاً بعد ثلث الليل في خط عرض (45º) درجة يبدأ كذلك بالنسبة إلى ليل خط عرض المكان المراد تعيين الوقت فيه، ومثل هذا يقال في الفجر.
سادساً: والحكم في المنطقة الثالثة أن تقدر جميع الأوقات بالقياس الزمني على نظائرها في خط عرض (45º) درجة، وذلك بأن تقسم الأربع والعشرين ساعة في المنطقة من (66º) درجة إلى القطبين، كما تقسم الأوقات في خط عرض (45º) درجة.
فإذا كان طول الليل في خط عرض (45º) يساوي (8) ساعات، وكانت الشمس تغرب في الساعة الثامنة، وكان العشاء في الساعة الحادية عشرة جعل نظير ذلك في البلد المراد تعيين الوقت فيه، وإذا كان وقت الفجر في خط عرض (45º) درجة في الساعة الثانية صباحاً كان الفجر كذلك في البلد المراد تعيين الوقت فيه وبُدئ الصوم منه حتى وقت المغرب المقدّر.
وذلك قياساً على التقدير الوارد في حديث الدجّال الذي جاء فيه: ” قلنا يا رسول الله وما لبثه في الأرض – أي الدجال – قال: أربعون يوماً، يوم كسنة ويوم كشهر، ويوم كجمعة… إلى أن قال: قلنا يا رسول الله: هذا اليوم كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ قال: لا، اقدروا له قدره” [ أخرجه مسلم وأبو داود في كتاب الملاحم]. والله ولي التوفيق. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ثانياً: نظراً إلى أن هذه القضية اجتهادية وليست فيها نصوص قطعـية فلا يرى المجلس حرجـاً في الاعتماد على تقديرات أخرى صـادرة من هيئات فتوى إسـلامية مثل الاعتماد على درجـة انحطاط الشمس بدرجة (12)º الموافقة لصلاتي الفجـر والعشاء ومثل تحديد الفارق الزمني بين وقتي المغرب والعشاء ووقت الفجر وشروق الشمس بساعة ونصف.
وينصح المجلس الجهات الإسلامية المسؤولة في المساجد والمراكز الإسلامية باتباع الطريقة التي ذكرها المجلس والمتفقة مع ما انتهى إليه المجمع الفقهي الإسلامي في مكة المكرمة كما ذكر أعلاه.
ثالثاً: يؤكد المجلس قراره السابق المتخذ في الدورة الثالثة بشأن مشروعية الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء عند ضياع علامة العشاء أو تأخر وقتها، رفعاً للحرج وتيسيراً على المسلمين المقيمين في ديار الغرب، والله أعلم) انتهى قرار المجلس.
رابعاً – والخلاصة أن بلاد الأقليات الإسلامية في أوروبا لها ثلاثة حالات :
الحالة الأولى : من يعيش في البلاد القطبية التي يستمر فيها الليل ، أو النهار حوالى ستة أشهر مثلاً ، أو طوال الشهر الفضيل ، فإنهم يقدّرون صومهم بصوم أقرب البلاد ، أو بصوم مكة المكرمة على الراجح.
الحالة الثانية : الذين يعيشون بقرب البلاد القطبية بحيث يوجد فرق بين الليل والنهار في الظاهر ولكن الليل مظلم كما وصفه الله تعالى بل قد يغيب قرص الشمس ولكن أشعته باقية فهذه تلحق بالحالة الأولى التي ذكرتها الندوة قبل قليل .
وهذه الفتوى التي صدرت منها تحل لنا مشاكل المناطق التي ليلها أقل من ساعة ، حيث لا تعد ليلاً على التحقيق.
الحالة الثالثة : من يعيشون في بلاد يظهر فيها الليل والنهار ، ولكن النهار والليل طويل جداً ، والراجح هو أن ما دام وقتا الليل والنهار مميزين فإن وقت الصوم هو من الفجر إلى الليل كما دلت عليه آيات الصوم الكريمة في سورة البقرة ، والأحاديث الصحيحة الواردة في هذا الموضوع ، وهذا هو المبدأ العام والأصل والقاعدة الكلية ، غير إنه إذا كان وقت الليل قصيراً جداً مثل عشرين دقيقة وأقل بحيث لا يسع لأكل لقيمات يقمن صلب الصائم ، فإن هذا الوقت القصير ليس الليل المراد في آيات الصوم والأحاديث الذي يسع للأكل والشرب والجماع حيث يقول الله تعالى : ( وكلوا واشربوا حتى يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل )[62] ويقول : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم )[63] ، ومن هنا فالقول بالتقدير بأقرب البلاد هو الأرجح ، لأن الأحكام التكليفية منوطة بالامكان المعتاد والطاقة ومبنية على اليسر وعدم الحرج الشديد ، وقد أكدت آيات الصيام نفسها : اليسر وعدم العسر والحرج فقال تعالى في الآية التي تتحدث عن فريضة صيام رمضان : (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة وتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون )[64] ويدل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم )[65] وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلى غلبه ، فسددوا وقاربوا وأبشروا …)[66] فقد بنيت التشريعات الاسلامية عامة على السماحة واليسر والطاقة والرفق بالناس دون عنت ولا ارهاق ، وظهرت هذه السماحة وهذا اليسر في فريضة الصوم في الترخيص للمريض أي مرض والمسافر بالافطار وكذلك للحامل والمرضع ، وذلك لأن القول باعتماد ذلك الوقت القصير لليل يؤدي إلى وجوب الصوم عليهم دون التمكن من الأكل ، وبالتالي يؤدي إلى نوع من الوصال المنهي عنه ، وتترتب عليه النتيجة التي تترتب على الوصال وهي الضعف والضغط على النفس ، وتعذيب النفس والتشديد عليها ، وكل ذلك كان مكروهاً أو محرماً في هذه الشريعة التي تقر بأن للنفس حقاً ، وللبدن حقاً .
بل إن القول بوجوب الصيام عليهم من الاكتفاء بتلك الدقائق لليل يؤدي إلى نوع من الهلاك ، إذ أن ذلك فوق الوصال ليومين أو ثلاثة ، وإنما هو لثلاثين يوماً أو تسعة وعشرين يوماً ، فلذلك ، فاعتبار هذا الاحتمال متعارض مع مقاصد الشريعة الاسلامية ومبادئها وأحكامها ، فلا ينبغي اعتماده .
لذلك فنحن أمام مجموعتين من النصوص الشرعية :
مجموعة منها تدل على وجوب الصيام على من شهد شهر رمضان إلاّ من كان مريضاً أو على سفر ، فعلى ضوء ذلك يجب عليهم أن يصوموا فوراً ولكنهم بما أن ليلهم ليس ليلاً يؤدي فيه الأكل والشرب ونحوهما ولا يسع ذلك ، وبما أنه يترتب على عدم الأكل والشرب الهلاك ، أو نوع من الهلاك فلا بدّ من مخرج ، وهذا المخرج هو إما أن يقال : يعطى لهم من الوقت بمقدار ما يسع أكلهم أو شربهم ، لكن هذا القول لا يقوم على معيار منضبط ، إذ أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والشعوب ، ولذلك فهو قول لا يمكن اعتماده ، لأن الأمور الشرعية منضبطة بالعلل والأسباب المحددة وبالمقادير المحددة .
وإما أن يقال إن أهل تلك البلاد يعتمدون على أوقات أقرب بلد إليهم يكون الليل فيه يسع للأكل والشرب ونحوهما ، أو بعبارة الفقهاء يقدرون ليلهم ونهارهم بأقرب بلد إليهم ، فهذا القول هو الراجح المعتمد ، لأنه يعتمد على معايير منضبطة قال به الفقهاء في تقدير أوقات الصلوات عندما تتداخل كما سبق ، وقد أفتى بذلك الشيخ شلتوت في فتاويه ولا ضير في كون إفطارهم قبل الليل ، لأن ذلك الوقت هو وقت الضرورات وكما هو الحال لصيام أهل القطبين حيث يصومون في الليل مثلاً .
ومجموعة من النصوص الشرعية تدل على أن الصيام محدد بالفجر إلى الليل ، فعلى ضوء ذلك لا يجوز التقدير بأقرب البلاد ، ولأنه يؤدي إلى أن يفطروا في النهار قبل دخول ليلهم القصير جداً .
فعلى ضوء ذلك فما دام صيامهم غير ممكن لما ذكرنا من الهلاك فيكون الواجب هو القضاء في أيام يكون ليلها مناسباً قياساً على صيام المريض والمسافر .
وهذا القول في الظاهر له وجاهته لكنه يؤدي إلى أن يكون الواجب عليهم أساساً هو القضاء دون الأداء ، وأن يحرموا من بركة شهر رمضان ، وان يختلف حالهم عن بقية المسلمين ، لذلك قلنا : الأفضل هو القول الأول ..
والخلاصة أن كلا القولين مقبول له أدلته ووجاهته ، وعلى أي حال فإنه إذا أدى صيامهم إلى الاضرار بهم ، فإنه يجوز للمتضرر أن يفطر ثم يقضي ، ولكن هذا الحكم يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والظروف ، ولا يختلف الحكم فيما لو كان نهارهم قصيراً جداً بأن يكون نصف ساعة أو أقل أو أكثر بقليل ، ولكن في هذه الحالة فالقول بالتقدير هو الراجح ، لأنه يجمع بين المجموعتين من النصوص والله أعلم .
أما البلاد التي يكون نهارها طويلاً بأن يصل مثلاً إلى عشرين ساعة أو أكثر كما هو الحال بالنسبة لبعض بلاد أوروبا التي يصل فيها النهار في بعض الأوقات إلى 22 ساعة أو أكثر فإن صيام شهر رمضان واجب عليهم بدون خلاف ، وذلك لوجود الليل وتمايزهما تمايزاً واضحاً ووجود زمن مناسب للأكل والشرب وهو الأكثر من ساعة ، فالصوم الشرعي يبتدئ بنص القرآن الكريم من الفجر إلى الليل دون النظر إلى مدة الليل أو النهار ، فإن مجرد طول النهار لا يعدّ عذراً شرعياً يبيح الفطر ، وإنما يباح الفطر إذا غلب على ظن الإنسان بأمارة ظهرت أو تجربة وقعت أو بإخبار طبيب حاذق عادل أن صومه في هذه المدة يفضي إلى المرض ، أو إلى اعياء شديد يضره فيكون حكمه حكم المريض الذي يخشى التلف ، أو يزيد مرضه ، أو يبطئ شفاؤه إذا صام ، ومن هنا فإذا كان صومه في المدة الطويلة يؤدي إلى إصابته بمرض أو ضعف أو إعياء يقيناً أو في غالب الظن بإحدى الوسائل العلمية التي ذكرناها آنفاً حلّ له الترخيص بالفطر ، وإذا كان لا يؤدي إلى ذلك حرم عليه الفطر ، علماً بأن هذا الحكم ليس عاماً لأهل تلك البلاد من المسلمين وإنما يختلف الحكم حسب قدراتهم وحالاتهم ، وقد أفتى بمثل ذلك فضيلة الشيخ حسنين مخلوف حيث قال : ( وأما البلاد التي تطلع فيه الشمس وتغرب كل يوم إلاّ مدة طلوعها تبلغ نحو عشرين ساعة بالنسبة للصلاة التي يجب عليم أدؤها في أوقاتها لتميزها تميزاً ظاهراً ، وبالنسبة للصوم يجب عليهم الصوم في رمضان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس هناك إلاّ إذا أدى الصوم إلى ضرر بالصائم وخاف من طول مدة الصوم الهلال أو المرض الشديد فحينئذ يرخص له الفطر ، ولا يعتبر في ذلك مجرد الوهم والخيال ، وإنما المعتبر عليه الظن بواسطة الامارات او التجربة أو إخبار الطبيب الحاذق بأن الصوم يفضي إلى الهلال أو المرض الشديد أو زيادة المرض ، أو بطء البرء ، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص ، فلكل شخص حالة خاصة ، وعلى أن أفطر في كل هذه الأحوال قضاء ما أفطره بعد زوال العذر الذي رخص له من أجله الفطر … )[68] وقد أيدّ هذه الفتوى قرار لهيئة كبار العلماء بالسعودية[69] .
وقد خالفتهم دار الافتاء المصرية حيث أجازت لمسلمي النرويج وغيرهم مما هو على وضعهم من طول النهار في شهر رمضان ان يقدروا زمن صومهم بصوم أهل مكة ، او المدينة ، أو أن يقدروا بأقرب البلاد المعتدلة إليهم ، وأن يبدؤا بالصوم مرتبطين بفجر تلك البلاد وليلها ولا يتوقفون على غروب الشمس ، فقد قال الشيخ شلتوت : ( صيام ثلاث وعشرين ساعة من أصل أربع وعشرين تكليف تأباه الحكمة من أحكم الحاكمين والرحمة من أرحم الراحمين )[70] .
والراجح هو القول الأول ، لأن النصوص الشرعية قد حددت فترة الصيام بالنهار من الفجر إلى الليل فقال تعالى : ( وكلوا واشربوا حتى يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل )[71] وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم )[72] فما دام الليل والنهار مميزين فيجب الالتزام بهما ، ولا ينبغي الخروج إلاّ للضرورة ، ولا ضرورة ههنا ، إذ أن غير القادر على هذا الصيام الطويل لمرضه ، أو ضعفه أو لأنه يؤدي إلى اعياء شديد أو نحو ذلك مما ذكرناه آنفاً يجوز له الافطار ، ثم يجب عليه القضاء في وقت آخر مناسب.
خامساً – لا مانع شرعاً من الجمع بين صلاتي العشاء والمغرب تقديماً او تأخيراً رفعاً للحرج في هذه الظروف الحرجة، كما أنه لا مانع أيضاً شرعاً من تقديم صلاة التراويح على العشاء ، لأن وقتها يبدأ من بداية الليل عند جماعة من السلف الصالح ، والخلاصة أن ديننا دين يسر وليس بعسر ، ودين رحمة يسع كل هذه الاجتهادات ونحوها ما دامت صادرة من أهل الاجتهاد وفي مجل الاجتهاد .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم