بقلم سليمان بن محمد الدبيخي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
جميل أن يمارس الإنسان الدعوة إلى الله تعالى، ويستغرق فيها أوقاته، فتكون هي وظيفته وديدنه وهجيراه, وجميل أن يكون له جمهور يستمعون له، ويتأثرون به, يربيهم على مائدة الكتاب والسنة, فيستثمر هذا القبول في ترسيخ الإيمان في قلوبهم, وتثبيتهم على مبادئ دينهم، فلا غلو ولا تقصير، ولا إفراط ولا تفريط، بل وسطية الكتاب والسنة.
لكن المشاهد في الواقع الذي نعيشه اليوم أن ثمة مجموعة من الدعاة انحرفوا عن المقصد الأسمى، والهدف الأعلى -وهو الدعوة إلى الله تعالى- إلى الجمهور نفسه، رغبة في زيادته، أو عدم هروب بعضه, أو محاولة استقطاب نوعيات أخرى، أو أطياف أخر, …الخ، مما نتج عنه محاولة تلبية رغبة الجمهور، عبر تطويع الشرع ولي نصوصه، لكي تتفق مع أهواء الجمهور ورغباته، فصار هم أحدهم ما يطلبه المستمعون أو المشاهدون، وكم وصل عددهم, وكم هي الزيارات لموقعه أو صفحته, وكم عدد الأصدقاء والمعجبين والمتابعين، …إلخ فما الداعي لكل هذا؟!.
وهل هذا شأن المخلصين وورثة الأنبياء والصالحين؟!.
وربما وجدتَ أحدهم عنيفاً في طرحه، متشدداً في رأيه، متحمساً في خطابه، تجاه كثير من النوازل والقضايا، والمذاهب والأفكار المخالفة، بسبب نوعية الجمهور.
وربما تحول جذرياً -بسبب تغير الجمهور، أو استبداله بجمهور آخر- فأصبح يغازل أصحاب المذاهب والأفكار والتوجهات المخالفة، ويخطب ودهم ، بفتاوى وأطروحات، ورؤى وتنازلات، تناسبهم وترضيهم، وتظهره في مظهر المسالم المتسامح.
فإلى هؤلاء: إن القبول وكثرة الجمهور وقلته من الله وحده, فإذا شاء جعل لدعوتك قبولاً وأثراً, وإذا شاء صرف الناس عنك ولو فعلت ما فعلت.
كما أن الدين لله وحده, فليس من حق أي أحد أن ينصب نفسه بديلاً عن الله تعالى، أو رسوله صلى الله عليه وسلم, فيلغي منه ما شاء, ويؤجل منه ما شاء، ويفسر منه ما شاء بناء على الواقع أو رغبة الجمهور، فذلك شأن الأحبار والرهبان وملالي الرافضة، أما في شرع محمد صلى الله عليه وسلم فطاعة واتباع، فالواجب أن نُخضِع الواقع للشرع لا الشرع للواقع.
وقد قال صلى الله عليه وسلم (من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه، وأرضى عليه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس..).
ولأن بعض هؤلاء الدعاة ربما مارسوا الأسلوب نفسه مع الحاكم وولي الأمر، فاضطرب منهجهم معه، لأنهم لم يلتزموا منهج الكتاب والسنة وسلف هذه الأمة، أقول: إن علاقة المحكوم بالحاكم، والرعية بولي أمرهم ثابتة راسخة، واضحة بينه، لا لبس فيها ولا غموض، بيعه ثابتة، ونصيحة واجبة، وطاعة في غير معصية الله في المنشط والمكره، والعسر واليسر, وإن جاروا وظلموا واستأثروا ما لم يَظهروا بكفر بواح.
فهذه العقيدة لا تتغير بتغير الأحداث، وتنوع الجمهور وحجمه، لأنها مستمده من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.
(المصدر: موقع مداد)