مقالاتمقالات مختارة

“فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم”.. هكذا حكم أبو بكر الصديق أول خلافة إسلامية

“فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم”.. هكذا حكم أبو بكر الصديق أول خلافة إسلامية

بقلم د. محمد نور حمدان

(يا أيُّها الناس، قد وُلِّيت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني على حقٍّ فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فسدِّدوني. أطيعوني ما أطعتُ الله فيكم، فإذا عصيتُه فلا طاعة لي عليكم. ألا إنَّ أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحقَّ له، وأضعفكم عندي القويُّ حتى آخذ الحقَّ منه. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم)، كلمات قالها أول رئيس مسلم منتخب بإرادة الأمة هذه الكلمات التي قالها سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه عند توليه الخلافة والحكم هي بمثابة خطاب القسم الذي يؤديه الرؤساء اليوم عند استلامهم الحكم.

أبو بكر الصديق هو أول حاكم في الدولة المسلمة وهو الوزير الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد صاحب الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع مراحل الدعوة الإسلامية لذلك استمد منه الخبرة في الإدارة والحكم وفهم الإسلام المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لذلك فإن قوله في أول خطبة له تعتبر حجة على المسلمين في فهم السياسة، فهو يؤكد في أول خطاب له أمام الناس أن حكمه سيكون امتداداً لحياة النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقرر قواعد عامة ومنهج عام في حكمه سيلتزم به في تعامله مع الناس، وهذه القواعد تصلح أن تكون قواعد سياسية في الإسلام يجب على الحكام أن يسيروا عليها.

القاعدة الأولى: (وليت عليكم ولست بخيركم)، فهو يقرر أنه تمت توليته من قبل المسلمين وباختيارهم ورضاهم وأن المسلمين هم أصحاب الحق في التولية وهم أصحاب السلطة الذين ينصبون الحاكم ثم يؤكد أنه جزء من هذا الشعب الذي ولاه وليس فوقه أو أعلى منه أو أن الحكم أعطاه شرف الاختصاص عن باقي أفراد الأمة وإنما هو جزء من هذا الشعب يخطئ ويصيب.

القاعدة الثانية: (فإن رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فسددوني) يقرر في هذه القاعدة حق رقابة الشعب على الحاكم فالشعب هو الرقيب على الحاكم الذي يجب ألا يغفل عن تصرفات الحاكم وإنما يجب أن يبقى متيقظا حتى لا يجور الحاكم أو يظلم أو يستبد فهو يذكرهم بهذا الواجب الذي عليهم فإن رأوا الحاكم مصيبا من واجبهم إعانته وإن رأوه على باطل من واجبهم تسديده ومنعه من التمادي في الباطل من خلال الاعتراض عليه والاحتجاج وكم من ملك ظالم تمادى اليوم في ظلمه ثم يأتي المرقعون والمطبلون والمصفقون ليحيوه ويبرروا له ظلمه فسيدنا أبو بكر يعتبر أن الأمة هي المسؤولة عن مراقبته وأنه قد يخطئ ويحيد عن الحق وهنا يأتي دور الأمة في منعه من الباطل وأن إعانته على الباطل هو خيانة له وخيانة للمهمة التي وكلوه بها وخيانة للمجتمع.

القاعدة الثالثة: (أطيعوني ما أطعتُ الله فيكم، فإذا عصيتُه فلا طاعة لي عليكم) وهذه القاعدة هي بمثابة الدستور الذي يبينه لهم والوثيقة التي يحتكمون إليها والمرجع الذي يجب أن يرجعوا إليه فالميزان الذي تضبط به تصرفات الحاكم هو الدستور والمرجع الذي يرجع إليه الشعب والحاكم عند الاختصام هو الدستور وليس آراء الحاكم أو أفكاره أو مزاجه مهما بلغ من رجاحة عقل ورأي وتدبير واجتهاد ففي هذه القاعدة يبين سيدنا أبو بكر رضي الله عنه للناس أن مقياس الأوامر التي أصدرها هي شرع الله تعالى فإن كانت أوامري موافقة لشرع الله يجب عليكم الطاعة باعتباره الدستور المتفق عليه وإن كانت أوامري مخالفة لشرع الله فلا طاعة لي عليكم باعتبارها أوامر لا دستورية وخارجة عن الدستور وكم من حاكم اليوم يطيعه أتباعه سواء كانت أوامره موافقة للدستور أو خارجة عنه و هذه النقطة رد على كثير من الدعاة الذين يوهمون الشعوب أن طاعة الحاكم مطلقة وأن طاعته فرض على الأمة وإن هتك عرضك وجلد ظهرك وأخذ مالك فطاعة الحاكم ليست طاعة مطلقة استبدادية وإنما هي طاعة مقيدة محدودة بحدود الدستور.

القاعدة الرابعة: (ألا إنَّ أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحقَّ له، وأضعفكم عندي القويُّ حتى آخذ الحقَّ منه) وهذه القاعدة تقرر أهم مبدأ يجب أن تسير عليه الدول وهو مبدأ العدل فبالعدل تحيا الأمة وتدوم وبالظلم تنهار الأمة وتنتهي ولو كانت هذه الأمة صائمة قائمة فأبو بكر رضي الله عنه يقرر أنه لا جاه ولا منصب ولا حصانة لقريب أو صديق أو مسؤول أو قوي أو رئيس عشيرة وإنما الجميع متساوون أمام القانون فالمجرم يجب أخذ الحق منه مهما بلغ من قوة وحصانة والمظلوم يجب أن تعود إليه الحقوق مهما بلغ من الضعف والذل والمهانة وعلى هذا المبدأ يجب أن تسير الأمة.

بهذه القواعد السياسية الأربعة قرر أبو بكر الصديق رضي الله عنه مسؤوليته ومسؤولية الأمة وكيف يجب أن يدار الحكم وبهذا الخطاب الدستوري يعتبر سيدنا أبو بكر الصديق أول حاكم يطبق بشكل فعلي مبدأ مسؤولية الأمة في تولية الحاكم ومسؤولية الأمة في مراقبة الحاكم وأن طاعة الحاكم مقيدة وأن المرجع للحاكم والأمة هو الدستور وأن العدل هو الذي يجب أن يسود وقد لخص بهذه المبادئ الأربعة مبادئ الإسلام في السياسة والحكم فهذه المبادئ هي المبادئ المستقاة من روح الشريعة الإسلامية ومما فهمه أبو بكر الصديق من ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث وعشرين سنة فمن سار على هذه المبادئ طبق حكم الله في الأرض ومن ابتعد عن هذه المبادئ ابتعد عن حكم الله في الأرض.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى