مقالاتمقالات مختارة

غلق أبواب التنظيم..وفتح أبواب الدعوة

غلق أبواب التنظيم..وفتح أبواب الدعوة

بقلم نور الدين محمود

التنظيم في ذاته فضيلة لأي مجتمع وأي حركة وذلك حينما يكون وسيلة لتحقيق أفكار ذلك المجتمع أو تلك الحركة، فالتنظيم في عرف علم الاجتماع كالجهاز الإداري الذي صُمم من أجل أن يسهل العمل وييسره للعاملين فيه، ومن ثم أنشئ التنظيم والنظام في المجتمعات ليقوم بدور “الوسيلة” لتحقيق الغاية سواء كان ذلك في المجتمعات الصغيرة أو الكبيرة أو المؤسسات.

إلا أن تمكن التنظيم من حياة المجتمع والمؤسسة بصفة عامة واعتبار التراتبية فيه مثل التراتبية الدينية في العصور الوسطى، فهذا يؤدي إلى خلل وظيفي بين دور “الفكرة” باعتبارها الرائدة في حركة المجتمع والمؤسسة و”التنظيم” باعتباره وسيلة لنفاذ هذه الفكرة. فهذا الاختلال الذي يجعل من التنظيم غاية، ومن الفكرة وسيلة لتضخم التنظيم في المجتمع أو المؤسسة يؤدي إلى وظيفي كامل، ويؤدي إلى اضطراب في المباني والأصول التربوية عند الأشخاص، الذين يتحولون بفعل هذا الخلل إلى “مقدسين” للتنظيم حيث يرون فيه حياتهم وغايتهم، وأن الفكرة لا تستطيع أن تبقى بدون هذا التنظيم.

   والحقيقة ومن خلال استقراء التحولات التي شهدتها الحركة الإسلامية –على الأقل في العقود الأربعة الأخيرة-نلاحظ بوضوح هذا التحول في وظيفية “التنظيم” داخل الحركة الإسلامية ، وهذا التحول ظهر خمسة أمور أساسية: الأول، هو هذا التضخم الكبير من حيث العدد الذي يعمل داخل التنظيم وما صحب ذلك –ونتج عنه بالضرورة سواء أكانت مقصودة أو غير مقصودة وهو “التراتبية الإدارية” التي تحولت إلى ما يشبه التراتبية العسكرية أو التراتبية الدينية في العصور الوسطى، والأمر الثاني: هو تكوين ديماجوجية فكرية لهذا التنظيم تحكم عمله وتوجه أفراده ربما تختلف أو بالفعل تختلف عن طبيعة عمل الدعوة فالأولى تحكمها (الأمر والطاعة) والثانية تحكمها (الحرية والمراجعة والنقاش…) وهذا أدى إلى أن يقع التنظيم في أخطاء أشبه بالكارثية نتيجة لتشبثه بتلك التراتبية –التي فقدت وهذا ليس مجاله الآن- الأعلمية في مجال التخطيط والتفكير وصناعة القرارات المصيرية، والأمر الثالث: تحول عمل الحركة –وفقًا للنظرة الجديدة للتنظيم – من عمل علني إلى عمل سري حفاظًا على الأعضاء التنظيميين الذين يسيرون العمل، وهو ما أحاط بكثير من الغموض لدى العامة، وسهل الاتهامات الإعلامية التي وجهتها لهم الأنظمة المستبدة فيما بعد.  الأمر الرابع والأخطر – من وجهة نظري- هو تحويل التنظيم إلى غاية من الدعوة، وكأن الغاية كلها أن تعمل كل أفراد الحركة من أجل المحافظة على التنظيم وليس الفكرة أو الدعوة، أو تحول –وفقًا- لهذه الديماجوجية الفكرية التنظيم كمفهومًا بديلًا للدعوة( ولعل ذلك يفسر لنا هذا التناقض الكبير في موقف بعض التنظيميين الذين خرجوا أو انشقوا عن التنظيم أيام ما كانوا عاملين فيه، وبعدما خرجوا عنه فهم يتصورون أنهم خرجوا عن التنظيم وليس عن الحركة أو الدعوة-ومهاجمتهم لأقرانهم في التنظيم هو مهاجمة عامل أو موظف طرد من عمله -، أما الأمر الخامس فهو: تضخم الطاقات الموجودة داخل الحركة وتراجع العمل الدعوي والفكر الدعوي الذي قامت الحركة أساسًا من أجله، ومن ثم تحولت الحركة كلها لخدمة التنظيم لا خدمة الدعوة، ولذلك يقاس حجم ما قدمته الحركة بالنسبة إلى حجمها العددي بأنه قليل، وأقل من المتوقع منها، كما أنها لم تستطع أن تطور قدرات أعضائها في المجال الفكري الدعوي كما طورته في مجال العمل التنظيمي.

(المصدر: مجلة المجتمع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى