مقالاتمقالات مختارة

غزة.. الوجه الآخر للحرب!

غزة.. الوجه الآخر للحرب!

بقلم أحمد سمير قنيطة

انتهى العدوان العسكري الصهيوني على قطاع غزة عام 2014م بعد اثنين وخمسين يوماً من الجرائم القذرة بحق الشعب الفلسطيني المجاهد، خلّفت ما يزيد عن 1740 شهيداً وما يقارب الـ 9000 جريحاً ودمار هائل في منازل المواطنين والبني التحتية للمؤسسات الحكومية والخدمية، لكن جبهاتٍ أخرى تخوض المقاومة الفلسطينية غمارها مع العدو ما زالت فيها المعركة مفتوحة على مصراعيها دون توقُّف، فالمجاهدون في غزة لا يعرفون معنىً للهدوء ولا الراحة كما يعتقد البعض.

حالة الهدوء الحذر التي تعيشها غزة منذ انتهاء العدوان الأخير تخفي خلفها معارك ضارية على عدة جبهات، حيث تواصل المقاومة الليل بالنهار اعداداً وتدريباً للارتقاء بالمجاهدين ورفع كفاءتهم القتالية، وتصنيعاً للأسلحة والصواريخ، وتطويراً للقدرات والإمكانيات التقنية والتكنولوجية، وحفراً للأنفاق الدفاعية والهجومية، وغيرها من ساحات الصراع المختلفة، في محاولاتٍ حثيثة ومتواصلة لتضييق الفجوة الهائلة على صعيد الإمكانيات والقدرات بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال.

العدو الصهيوني لم يدخر جهداً في توجيه ضرباتٍ متتالية لفصائل المقاومة سعياً لإشغالها بنفسها وتقويضاً لإمكاناتها وقدراتها كي تبقى قوة غزة في دائرة الاحتواء والسيطرة، فما بين العدوان الأخير عام 2014م وحتى يومنا هذا وجّه العدو العديد من الضربات الأمنية الاستخباراتية لقطاع غزة كان أبرز تجلياتها اغتيال القائد القسامي المحرر في صفقة وفاء الأحرار “مازن فقهاء” بغزة في مارس 2017م والذي يتهمه العدو بإدارة وتوجيه العمل العسكري في الضفة المحتلة انطلاقاً من غزة.

كذلك نفذ سلاج الجو الصهيوني عدداً كبيراً من الغارات الجوية ادّعى الاحتلال أنها كانت تستهدف منشآتٍ عسكرية وتقنية ومراكز للتصنيع الحربي والعسكري وعيون للأنفاق، لكن اللافت في التصعيد الأخير الذي نشب خلال شهر مايو الماضي أن العدو قصف بناية سكنية “مدنية” زعمَ بأنها تستخدم كمركز لوحدات “السايبر” التابعة لكتائب القسام، ما أزاح الستار عن المعركة الخفيّة “الصامتة” التي تدور رحاها بين الوحدات التقنية والأمنية للمقاومة وبين العدو الصهيوني الذي بات يشكو مؤخراً من كثرة الهجمات “السيبرانية” التي تنفذها جهات فلسطينية وعربية ضد مواقع إلكترونية حكومية ومالية في الكيان.

في المقابل، سددت المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها كتائب القسام أيضاً ضرباتٍ جريئة فاجأت المستوى الأمني والعسكري لدى الاحتلال، وكان لها بالغ الأثر في توجيه الرأي العام في المجتمع الصهيوني في عدة قضايا، سواء في السلم أو الحرب، بهدف ضرب الروح المعنوية للمجتمع الصهيوني، والضغط على قادة الاحتلال من خلال تحريك المياه الراكدة لبعض الملفات التي يسعون جاهدين لصرف أنظار مجتمعهم عنها، فقيادة العدو كثيراً ما تحظر النشر في قضايا وأحداث مهمة، كحظر النشر في قضية الجنود الصهاينة الأسرى لدى كتائب القسام هروباً من دفع الثمن في أي صفقة تبادل قادمة.

لذلك اتجهت الكتائب لفكرة إنتاج أعمال فنية باللغة العبرية وتوجيهها لعائلات الجنود الأسرى على فترات زمنية متباعدة وفق الحاجة، ما دفعهم للتحرك والنزول للشوارع احتجاجاً على تقصير حكومة الاحتلال في العمل على استعادة أبنائهم، وكذلك حظر النشر في تفاصيل بعض العمليات الفلسطينية النوعية، وآخرها عملية التصدي للقوة الصهيونية الخاصة شرق خانيونس التي كانت تحاول زرع أجهزة تنصت خطيرة في القطاع، إلا أنها فشلت في ذلك فشلاً ذريعاً وخسرت ضابطاً رفيع المستوى ومعدات تقنية وكنز معلوماتي خطير سقط في أيدي مجاهدي القسام.

 

وحدات “السايبر” التابعة للمقاومة أبلت بلاءً حسناً ونفذّت عمليات تقنية حساسة طالت العديد من المؤسسات الأمنية والعسكرية والحكومية والمجتمعية في كيان الاحتلال، فخلال العدوان الصهيوني عام 2012م، وفي غمرة التهديدات الصهيونية بتنفيذ عملية برية واسعة لإنهاء حكم حركة حماس، استطاعت وحدات “السايبر” القسامية اختراق البث الفضائي للقناتين “الثانية والعاشرة” الأكثر انتشاراً ومتابعة لدى جمهور الكيان، تضمنت توجيه رسالة تهديد باللغة العبرية لسلاح المدرعات الصهيوني تحذره من مغبّة اجتياح قطاع غزة، ظهر فيها مقطع فيديو لاستهداف دبابة بصاروخ موجّه، حيث كان ذلك بمثابة إعلان عن امتلاك القسام لصواريخ “الكورنيت” الروسية المتطورة لأول مرة، وقد علّق أحد كبار الصناعة الإعلامية في الكيان الصهيوني حينها “ايرز طال” على حادثة الاختراق بقوله: “أن الحديث يدور عن حادثة خطيرة وليس مجرد اختراق أو تشويش، وآمل أن تفهم المنظومة الأمنية إلى أي حد هذا الأمر خطير” وأضاف:  “ما تم أمس هو عرض للقوة، ومع القليل من الإبداع والتخطيط يمكن أن يخلق هذا الأمر حالة من الذعر الخطير”

وفي العدوان على غزة عام 2014م تمكنت قوة بحرية من “كوماندوز القسام” من تنفيذ عملية نوعية جريئة وغير متوقعة باقتحام موقع “زيكيم” البحري، وقد فرض الاحتلال على العملية حينها تعتيماً إعلامياً كبيراً، وأعلن عن فشلها وقتل المُهاجِمين فور خروجهم من البحر، لكن قيادة القسام أكّدت نجاح العملية كما كان مخططاً لها، وأن العدو كالعادة يعمل على إخفاء خسائره كي لا تؤثر مثل تلك العمليات على الروح المعنوية والقتالية لدى جنوده، الأهم من ذلك كله أن “سايبر” القسام نجح بعد عدة أسابيع من انتهاء الحرب في اختراق كاميرات الموقع العسكري والحصول على تصوير يُظهر بطولة وبسالة المجاهدين الذين استطاعوا الاشتباك مع حامية الموقع، ومهاجمة دبابة صهيونية من “نقطر صفر” بعبوة لاصقة انفجرت على جسم الدبابة، قبل أن تستهدفهم طائرات الاحتلال فيرتقوا شهداء، وهو أشبه بما حدث في عملية “موقع أبومطيبق العسكري” حين أجهز مقاتلي القسام على الجنود في الموقع وعادوا بسلام، ما أنكره العدو الذي زعم بفشل الهجوم، لينشر القسام بعد الحرب بأسابيع تسجيلاً مصوراً تم الحصول عليه من كاميرات الموقع يُظهر عودة مجاهدي القسام بعد تنفيذ العملية ويحملون بأيديهم أسلحة خفيفة اغتنموها من الموقع، ما يؤكد مصداقية رواية القسام ويدحض رواية العدو.

تنوّعت أساليب المقاومة الفلسطينية في الوصول إلى المجتمع الصهيوني الذي تفرض عليه قيادته سياجاً أمنياً وإعلامياً كي لا يتأثر بالعمليات النفسية والدعاية الموجّهة من قبل المقاومة، فـ “مقص الرقيب العسكري” حاضر بقوة للتوجيه بحظر النشر في أي قضية يرى فيها المستوى السياسي والأمني ضرراً على الكيان، لكن المقاومة بما تملكه من أدواتٍ بسيطةٍ وعقولٍ جبارة، استطاعت أن تبدع في استخدام التقنية الحديثة والتكنولوجيا المدنية وتطويعها لخدمة أهدافها لإيصال رسائلها بطرق مختلفة ومتنوعة.

فقد تمكّن “سايبر” القسام مؤخراً – وفق ما أعلن الإعلام العبري – من تضليل جنود وضباط صهاينة عن طريق عمل حسابات “مزيفة” بأسماء فتيات واقناعهم بتحميل تطبيقات “خبيثة”، تمكّن من خلالها رجال “السايبر” من الحصول على معلومات أمنية حساسة وخطيرة والتقاط صوراً لمواقع عسكرية، والتنصت على مكالمات ومراسلات بين بين الجنود وقياداتهم في الجيش، وفي في إطار حربها النفسية ضد الاحتلال إبان عدوان عام 2014م، أرسلت كتائب القسام رسائل نصية إلى الصهاينة مفادها: “كتائب القسام تحذركم من اليد الطولى لصواريخها”، “وأنه إذا تعرضت غزة لهجوم فستصبح حياتكم جحيماً” وغيرها من الرسائل، ناهيك عن خداع “سايبر القسام” لجنود ومغتصبين صهاينة قاموا بتثبيت تطبيق “خبيث” على هواتفهم لحضور مباريات كأس العالم وفق ما أعلن إعلام الاحتلال.

المعركة بين قوى الجهاد والمقاومة  والأعداء على أشدها في مختلف جغرافيا ساحات الصراع في المنطقة، وعدونا في حربه علينا يستخدم جميع الأساليب والطرق التكنولوجية لتحقيق التفوق العسكري التقني، وتعويض عجز وجبن جنوده أمام شراسة وإقدام مجاهدينا الأبطال ومقاتلينا الأشاوس، في المقابل فإن ضعف الاهتمام بالعلوم التقنية والأمنية لدى القوى الجهادية يترك الثغر مكشوفاً أمام العدو ليستفرد بمجاهدينا ويفتك بهم بكل سهولة دون أن يلحق به وبجنوده الجبناء أي أذى، لذلك وجب على قادة الثورة والجهاد أن يبذلوا قصارى جهدهم وأن يعملوا بجدية ومسؤولية للاستفادة من العقول العربية والإسلامية لخدمة مشاريع الثورة والتحرر في الأمة، وأن يعلموا أن عقول شبابنا الفذة -برغم ضعف الإمكانات- قادرة بعون الله على توجيه ضربات قاصمة للعدو حتى دحره من بلادنا يجر أذيال الخيبة والهزيمة.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى