مقالاتمقالات مختارة

عودة الصراع الدولي لأفغانستان

عودة الصراع الدولي لأفغانستان

بقلم حسن الرشيدي

“مبلغ تريليون دولار الذي أنفقته أميركا خلال السنوات الـ15 الماضية، قد ذهب في أدراج الرياح”

هذا تصريح للسفير الروسي الأسبق في أفغانستان كابولوف، يعكس به الشماتة الروسية من الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، كما يعكس الارتياح من الفشل الأمريكي في انهاء جماعة طالبان، وفي ظل فشل المشروع الأمريكي بشكل عام في إعادة بناء أفغانستان.

ولكن هذه التصريحات تبين أيضا أن التنافس الدولي في أفغانستان لا يزال مستعرا.

قفي أعقاب مجيء إدارة بادين إلى سدة الرئاسة الأمريكية بات الاتفاق الذي كانت تسعى اليه إدارة ترامب السابقة في مهب الريح، والذي كان بمقتضاه أن تنسحب القوات الأمريكية من الأراضي الأفغانية، وتعهد طالبان بعدم وجود أنشطة معادية للولايات المتحدة على أراضيها، وفي نفس الوقت فإن اتفاق ترامب ترك ترتيبات هشة بين طلبان والحكومة الأفغانية، بحيث بات التقدير الدولي أن أفغانستان ستسقط بأيدي طالبان في خلال شهر إذا انسحبت القوات الغربية من أفغانستان.

وفجأة في ظل الارتباك في مشهد السلام بين طالبان والولايات المتحدة، ومع تعدد اللاعبين الإقليميين والدوليين تعددت المبادرات الدولية والإقليمية لحل الأزمة الأفغانية، ولكن عجزت تلك المبادرات عن إيجاد مخرج للدولة الأفغانية من أزمتها المتفاقمة، وهنا ظهرت روسيا على خط المفاوضات مرة أخرى.

حيث وجهت الحكومة الروسية دعوة الى أطراف النزاع لحضور اجتماع في موسكو قبل نهاية الشهر الجاري، وهي دعوة لم تبحثها مسبقاً مع الراعيين الأمريكي والقطري بحجة أنها تندرج في صميم مسارات اجتماعات الدوحة، وتشكل تكملة لمبادرتين سابقتين لكل من تركيا وروسيا، وعلل سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي تلك الدعوة، بكون المبادرة تعد تكملة لجهود مبادرة روسية صينية باكستانية لزحزحة الركود الذي توقفت عنده مباحثات السلام.

وهنا يتم طرح السؤال لماذا هذا الاهتمام الروسي بأفغانستان؟

تكمن الإجابة عن هذا السؤال في عدة أمور:

أولا/ اعادة ترتيب النظام الدولي

فمع التراجع الأمريكي في العالم برزت قوى كبرى تحاول أن توجد لها موطئ قدم في النظام الدولي وتستغل المناطق والبؤر العالمية لتنفذ منها وتحقق غاياتها، وفي القلب من تلك المناطق برزت أفغانستان.

يشدد زبيغنيو برجينسكي الاستراتيجي الأمريكي ومستشار الأمن القومي الأسبق في كتابه رقعة الشطرنج الكبرى الصادر في عام 1997، على تلك النظرة الاستراتيجية الهامة لأفغانستان بقوله: تمثل كل من أفغانستان ومنطقة آسيا الوسطى محورا جيوسياسيا، والمحاور الجيوسياسية هي الدول التي لا تَستمد أهميتها من قوتها ودوافعها بل من موقعها الحساس، ومن عواقب ظروفها الضعيفة التي تجعلها عُرضة لسلوك اللاعبين الجيواستراتيجيين.

وتاريخيا تنافست كل من بريطانيا وروسيا في فرض سيطرتها على الأراضي الأفغانية في القرن التاسع عشر، وفي خلال فترة الحرب الباردة عاد الروس بغزو عسكري كامل لأفغانستان عام 1979، وما لبث أن تحطم هذا الاحتلال ورفع رايات الفشل على صخرة المقاومة الباسلة التي أبداها الشعب الأفغاني والتي ساندته أمريكا وأمدته بالسلاح، لينتهي الاحتلال السوفيتي الذي استمر زهاء تسع سنوات بالانسحاب الذي خلف ما لا يقل عن 15 ألف قتيل، أعقبه انهيار الدولة السوفيتية لتعاني روسيا عقدا كاملا من آثاره.

ولكن منذ أوائل القرن الحالي ومع صعود بوتين إلى سدة الحكم في روسيا، بدأت هذه الدولة محاولتها للصعود مرة أخرى في النظام الدولي، واستعادة مكانتها الدولية حينما كانت قطبا منافسا للقطب الأميركي في فترة الحرب الباردة.

لذلك فإن أفغانستان كجزء من منطقتي آسيا الوسطى وجنوب آسيا تمثل لدى الروس شريطا جغرافيا يمتد جنوب روسيا كجزء من محيطها الإقليمي ومحددا بارزا للأمن القومي الروسي.

البعد الأمني

أما المحدد الثاني من محددات الاهتمام الروسي بأفغانستان فيتمثل في أن أفغانستان بعد سقوط طالبان أصبحت مصدرا للتهديدات الأمنية الموجهة لروسيا وحلفاءها.

ففي إطار الحرب على الإرهاب يقول زامير كابولوف السفير الروسي الأسبق لدى أفغانستان والمبعوث الخاص للرئيس بوتين: إن ما يثير قلقنا هو أن داعش يهدد أفغانستان وكل دول آسيا الوسطى وباكستان والصين والهند وحتى روسيا.

وقد أعلنت الاستخبارات الروسية مؤخرا أن 2400 شخص من القوقاز قد التحقوا بصفوف داعش فيما هناك تقديرات أخرى تتحدث عن انضمام 5 آلاف إلى 7 آلاف شخص من روسيا وآسيا الوسطى إلى صفوف هذه الجماعة.

ولذلك في السنوات الماضية سعت روسيا إلى التعاون مع الحكومة في كابول لوقف امتداد وعلاج تداعيات انتشار تلك الجماعات المسلحة.

والبعد الأمني الروسي الآخر فيتمثل أن أفغانستان أصبحت مصدرا لترويج المخدرات في روسيا، فوفقا لإدارة مكافحة المخدرات في روسيا الاتحادية يعمل على أراضي أفغانستان اليوم، حوالي 50 مختبراً لمعالجة الهيرويين، تبلغ طاقتها الإنتاجية مجتمعة حوالي 30 كيلوغراماً في اليوم.

ويشير مدير معهد الشرق الأوسط وآسيا الوسطى سيميون باغداساروف، بأن أفغانستان تشكل تهديدا لروسيا من وجهة نظر الاتجار بالمخدرات، فحوالي 50 في المائة من المخدرات المتداولة في روسيا تُنتج في أفغانستان، وبسبب ذلك يموت سنوياً حوالي 60 ألف إنسان.

الدافع الاقتصادي:

تتمتع أفغانستان بثروات طبيعية كالنفط والغاز والذهب، والتي قدرها الرئيس السابق حامد كرزاي بحدود تريليون دولار، وفقاً لعمليات مسح طوبوغرافي نفذتها شركات أمريكية، فإن لعاب الدول الكبرى المجاورة يسيل لاستغلال مناجم الليثيوم الأفغانية المستخدمة في صناعة البطاريات الفائقة الجودة المستعملة في صناعة الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر وغيرها من أدوات التكنولوجيا المعقدة، ويتكهن تقرير داخلي للبنتاغون نشر في عام 2007، بأن تصبح أفغانستان مستقبلاً بفضل الليثيوم في نفس مستوى السعودية.

وتقريبا بنفس النظرة تتطلع روسيا الى أفغانستان، فيقول الخبير في مركز دراسة أفغانستان المعاصرة ديمتري فيرخوتوروف: إن أفغانستان بحاجة الآن إلى مساعدة لتطوير اقتصادها وهي عملياً شريك تاريخي افتراضي لنا وتطويرها اقتصادياً مربح لنا، وعبر هذا البلد يمر الطريق الأقصر إلى باكستان والهند السوقين الكبيرتين لتصريف السلع، وفي أفغانستان كثير من الثروات الباطنية ومكامن طاقة واعدة وذلك كله يمكن استغلاله.

كذلك فإن أفغانستان تعد معبرا هاما في تأمين موارد آسيا من النفط، ومد خطوط نفط آسيا الوسطى نحو أسواق جنوب آسيا، والصين تتطلع إلى أفغانستان كجزء حيوي ومهم في مشروعها الشهير (مبادرة الحزام والطريق) وهو باختصار يقوم على انشاء شبكة معقدة من الممرات الاقتصادية والتجارية وشبكات السكك الحديدية، وطرق نقل الغاز والنفط العابرة للأقاليم.

فالصين وبمساعدة باكستانية تحاول دمج أفغانستان في مبادرة الحزام والطريق من خلال إلحاقها بأحد أهم الممرات الاقتصادية ضمن المبادرة، وهو ممر الصين- باكستان، والذي يتضمن ربط إقليم شينجيانج (شمال غرب الصين) ببحر العرب والمحيط الهندي عبر شبكة من السكك الحديدية والطرق البرية داخل باكستان وصولا إلى ميناء جوادر الباكستاني على بحر العرب، وقد عبر عن هذا التوجه وزير الخارجية الصيني عندما قال: إن الصين وباكستان ستدرسان توسيع نطاق الممر الاقتصادي بين البلدين ليضم أفغانستان.

كما ان الصين لا تنظر فقط الى أفغانستان كمشروع اقتصادي ولكن أيضا تخشى من تحول أفغانستان إلى ممر مهم للمقاومة الأغورية المسلمة في مقاطعة شينجيانج غربي الصين والذين يتعرضون لحملات القمع والاضطهاد والابادة من جانب السلطات الصينية.

التعاون بين روسيا وطالبان:

بدأت الصلات بين طالبان وروسيا في نهاية عام 2007 حسب تصريحات بعض قيادات طالبان، وتطورت العلاقات إلى أن وصلت إلى شبه اعتراف رسمي من قِبَل روسيا، ففي عام 2016 صرح ضمير كابلوف المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلادمير بوتين في حديثه لبعض وسائل الإعلام، بأن روسيا تعترف رسميا بحركة طالبان تنظيما مسلحا سياسيا صادقًا.

وتتحدث حركة طالبان في مواقعها الرسمية عن هذه العلاقات، وتعتبرها اعترافا رسميا من دول المنطقة.

يقول أحد قادة طالبان وهو سيد محمد أكبر آغا، في مقابلة مع جريدة موسكو تايمز في فبراير 2017: نحن مستعدون لمصافحة روسيا من أجل تخليص أنفسنا من ويلات أميركا، وقد أثبت التاريخ أننا أقرب إلى روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق منا إلى الغرب.

ويؤكد قائد آخر للحركة على أن الجماعة تجري اتصالات مهمة مع موسكو منذ 2007 على الأقل، ولكنه يشرح طبيعة هذا الدور الروسي أنه لم يتجاوز الدعم المعنوي والسياسي.

فطالبان تبحث على أي دعم من أي نوع للتخلص من الوجود الأميركي، وهو ما عبر عنه بعض قادة طالبان بقولهم: لنا عدو مشترك. كنا نحتاج الدعم للتخلص من الولايات المتحدة وحلفائها في أفغانستان وكانت روسيا تريد خروج كل القوات الأجنبية من أفغانستان بأسرع ما يمكن.

أما روسيا فترى أن وجود طالبان أقل خطورة من استمرار الفوضى في أفغانستان، حيث في ظل وجود حكومة ضعيفة تنجح الجماعات التي تقاتل روسيا او حلفاءها في وسط آسيا في التسلل إلى تلك الدول وتقويض نظم الحكم هناك.

وبعد مرور ما يقرب من عشرين عاما من احتلال أفغانستان وسقوط طالبان، تبدو الحركة الآن وقد عركتها الأيام فازدادت خبرتها السياسية ونضجت في التعاطي مع التطورات الاستراتيجية فضلا عن صمودها العسكري الأسطوري، فإنها بتعبيرها الصادق عن الشعب الأفغاني وتطلعه للحرية أصبحت قاب قوسين أو أقرب من تحقيقها النصر الموعود.

(المصدر: مجلة البيان)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى