عنوانٌ جديدٌ لافتٌ يشدُّكَ لبناء صحبةٍ مع كتابٍ دافئٍ .. عن كتاب (الاكتفاء العلمائي) للدكتور محمد علي بلاعو
بقلم الأستاذة الداعية: ليلى مصطفى مواسي
وجدت في نفسي عاطفة ما تجبرني أن أرجع لـــــ : ” إهداء” الكتاب كلما ثوّرت السطور أمامي معانٍ وبصائر طالما احتجت أن يحدّثني بها أحد.. أرجع للإهداء لأترحّم على ( الجدَّة فاطمة) وسيدنا مالك و( ستنا عيشة) ومولانا( زُرُّوق)..
أكثر ما لفت نظري في الكتاب:
١) لغة الكتاب رقراقة جميلة، جمالها بروحها وببعدها عن التّكلف..ويطيب لي كثيرا أن أسميها ( لغة تربوية)..
لأنكَ ستشعر أن المضمون منسوج على مغزل التجربة الميدانية والتمرس غير القليل في ميداني العلم والعمل مما كشف للكاتب منزلقات السالكين لتلكم الميادين والدّخن الذي كدّر صفاءها..وبالرغم من حجم مزلات الأقدام وفداحة الاغلاط جاء نقد الكاتب توجيهيًّا مؤدباً، ونصحه ليّنا خالصًا، وابتعد عن لغة التعالي والترفّع وتجنّب الهجوم الشرس فكان أدعى لإيقاظ البصيرة ودفعها نحو البدء بعملية ثورية إصلاحية للنفس وللغير من أهل الصفّ الإسلامي.. والذي سبق له الانكشاف على الخطاب النقدي في الساحات العملية والدعوية يدرك كثيرا أن هذه اللغة النقدية الصادقة في التشخيص والوصف والتوجيه والمهذبة بنفس الوقت ليست مفهومة ضمنا..
٢) الكتاب منصبغ بــــ( الواقعية ) وبالــــــ (عملية): فهو لا يحلق بكَ في عالم من المثالية الزائدة ولا يسرفُ في إملاءاته على واقع العلم والدعوة بلسان المرتفع أو الراصد المتصيّد.
ولا يكتفي بأن يبصرك بمكمن الخلل أو بتشخيص المرض أو برسم الصورة النموذجيه ثم يحملك وحدك مسؤولية صناعة اللوحة دون توجيه ومعونة..
ولا يهدف فقط لإيلام قلبك ثم يترك آلامك وأفكارك يموج بعضها في بعض..
إنما يبين لك الطريق ويوضح لك معالمه ويرسم لك الخطوات الراشدة في سبيل معالجة الإشكال أو الخروج من المأزق التربوي أو العلمي. وهذه ميزة نادرة تميّز الناقد النّاقض الذي يريد بنقده أن يهدم النفوس ويحبط العاملين..وبين من يرى بذرة صالحة في التربة المبعثرة ويبذل لك عصارة معرفته ويشد أزرك لتستطيع العناية بها وإنباتها نباتا حسنا..
٣) أبرز المؤلف للقارئ مصطلحات جديدة أو يندر استعمالها، ومثاله عنوان الكتاب: ( الاكتفاء العلمائي)، إلا أنه لم يقف عند حدّ المصطلحات بل كان للكتاب عملٌ واضحٌ في تثوير معان جديدة غائبة وإبراز نماذج مغيّبة من فصول السلف..خصوصا لما تحدث عن أنواع الاكتفاء؛ أذكر على سبيل التمثيل حديثه عن (الاكتفاء المعاشي) للعلماء والدعاة، فنراه يطرح عن عقولنا فكرة التلازم بين العالم والداعية وبين الفقر والحاجة. ويبرز لنا نماذج جميلة من علماء السلف الذين حرصوا على الاكتفاء المالي وخوض معترك الحياة التجارية والمهنية؛ حتى لا يتمندل بهم حاكم، ولا تدفعهم ضرورة الحاجة لمدّ اليدّ..وهكذا فعل الكاتب في تصحيح التصورات النمطية غير المتكاملة في أذهان الناس في كثير من موضوعات كتابه.
ومن باب الأمانة في الشهادة فإنني أقول حينما قرأت الكتاب الرائع في بابه (معالم إرشادية لصناعة طالب العلم ) للعلامة محمد عوامة حفظه الله لمستُ أن هنالك حاجة لإضافة بعض الموضوعات والإضافات والتوحيهات من وحي ميدان العلم والدعوة المعاصرة ولما وقع كتاب ( الاكتفاء العلمائي ) لفضيلة الشيخ الدكتور محمد علي بلاعو في يدي وأتممت قراءته أدركت أن الله عز وجل سخره -دون قصد منه ودراية – ليستدرك ما فات الشيخ عوامة ويكمل ما نقص من كتابه ويؤكد على كثير من أفكاره بروحٍ شبابيةٍ، ولغةٍ تجريبيةٍ ميدانيةٍ جديدةٍ.
(خاص بمنتدى العلماء)