مقالاتمقالات مختارة

“عرب آيدول” و”إسلام آيدول”

(بقلم أدهم شرقاوي – مدونات الجزيرة)
الفرق بين “عرب آيدول” و “إسلام آيدول” كالفرق بين عمر بن الخطاب في الجاهلية وعمر بن الخطاب في الإسلام! في الجاهلية كان يصنع صنمًا من تمر، يعبده أول النهار، ويأكله آخره! وفي الإسلام كان يكسر صليب الروم، ويُطفئ نار المجوس، ويجلي اليهود، ويضع التاريخ الهجري، وينشئ الدواوين، ويحاسب الولاة، ويخشى أن تتعثر دابة عند شاطئ الفرات فيسأله الله: لِمَ لم تُصلح لها الطريق يا عمر!

لتشترك في “عرب آيدول” يجب أن تكون وسيمًا نوعًا ما، فمهما كان صوتك جميلًا، إلا أن الفاكهة في النظر، وسيمًا كمصعب بن عمير إذا رأته فتاة من قريش في الطريق افتخرتْ ذلك اليوم على رفيقاتها، وسيمًا كدحية الكلبيّ إذ يأتي جبريل عليه السلام على هيئته! ولكن مصعب الوسيم ذاك اختار أن يخوض مسابقة من نوع آخر، فكان أول سفير في الإسلام، ليس بالتصويت إنما بالتزكية، زكّاه محمد صلى الله عليه وسلم، لمّا علم أن رغبته هي الفوز بالجنة، ويوم أُحد كان الوسيم يُقدم عرضه الأخير في مسرح المعركة، حيث يُقدّم الرجال الحقيقيون عروضهم، فنال وسام الشهادة، وصوتت له الملائكة بالإجماع!

لتشترك في “عرب آيدول” يجب أن تكون صغيرًا في السِّنّ،  لا بأس أن تكون في الرابعة عشرة كمعاذ بن الجموح ومعوذ بن عفراء يوم قتلا أبا جهل في معركة بدر!

ولا بأس أن تكون في الخامسة عشرة كالزبير بن العوام يوم سلّ أول سيف في الإسلام!  ولا بأس أن تكون في السادسة عشرة كالأرقم بن أبي الأرقم يوم فتح بيته ملاذًا للدعوة السرّية في مكة!  ولا بأس أن تكون في السابعة عشرة كسعد بن أبي وقاص يوم رمى أوّل سهم في الإسلام فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارمِ فداك أمي وأبي!

ولا بأس أن تكون في الثامنة عشرة كأسامة بن زيد إذ يوليه النبيّ صلى الله عليه وسلم على جيش فيه أبو بكر وعمر!  أو كعتاب بن أُسيد إذ يولّيه رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة!  ولا بأس أن تكون أكبر من هذا قليلًا، في الثانية والعشرين مثلًا كمحمد الفاتح يوم فتح القسطنطينية فنال وسام الشرف من رتبة: نعم الجيش جيشها ونعم الأمير أميرها!

لتكون في لجنة التحكيم في “عرب آيدول” يجب أن تكون شهيرًا، يعرفك الجميع، كسعد بن معاذ سيد الأوس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر أشيروا عليّ أيها الناس، فيتكلم الأول، والثاني، والثالث، وكلهم من قريش، وما زال النبي يقول أشيروا علي أيها الناس، فيقف سيد قومه ليقول: كأنك تريدنا يا رسول الله؟ فقال له: أجل، فقال: والله لو خضتَ بنا برك الغمام لخضناه معك وما تخلف منا رجل واحد!

ولأن لجنة التحكيم تتقاضى مبالغ خيالية، كان لا بُدّ لأجر سعد أن يكون خياليًا، فاهتزَّ لموته عرش الرحمن!

لتنتج برنامج “عرب آيدول” يجب أن تكون كبيرًا في السن نوعًا ما، فلا بُدّ لهذا الأمر من خبرة،
وربما في الواحدة والستين كأبي بكر يوم أعاد المرتدين إلى حظيرة الإسلام!

أو في السبعين كحسان بن ثابت يوم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اهجهم وروح القدس معك!
ولا أعتقد أنك إذا كنت أكبر من هذا يمكنكَ أن تقوم بأعباء البرنامج، فلا يصح أن تكون كيوسف بن تاشفين في الصف الأول من المعركة وهو ابن ثمانين، ولا كأبي أيوب الأنصاري يوم استشهد على مشارف القسطنطينية وهو ابن مئة عام!

انظروا أين كنا، وأين يحاول أن يأخذنا هؤلاء، وأي قدوات يقدمونها لأولادنا، وأية أحلام يزرعونها في رؤوسهم، وكأنه لا يكفينا قصف المدافع على رؤوسنا من أعدائنا، حتى يأتينا عزف المزمار من أبناء جلدتنا، والحكومات تشجع وتموّل وتصوت، يجعلون الأمر مسألة وطنية، يا أخي تبًا لوطن مجده في حنجرة مطرب، وخاصرة راقصة!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى