مقالاتمقالات مختارة

عبد القادر الجيلاني إمام من أئمة أهل السنة وليس كما قال عبد الله الشريف!

عبد القادر الجيلاني إمام من أئمة أهل السنة وليس كما قال عبد الله الشريف!

بقلم د. أكرم كساب

سألني عدد من الشباب عن الحلقة الأخيرة للإعلامي (عبد الله الشريف)، وذكروا لي بعض ما جاء فيها، فاستمعت إلى الحلقة، وأقول باختصار شديد:

  1. عبد الله الشريف مبدع في المجال الإعلامي، واستطاع في سنوات معدودة أن يكون له جمهور عريض، وهو مؤثر في قطاع من الشباب، كما أن له جهدا رائعا في الدفاع عن القضية المصرية وغيرها، وهو مشكور على هذا الجهد.
  2. لم يكن عبد الله الشريف موفقا في حديثه عن الصوفية عموما، ولا عن الإمام عبد القادر الجيلاني خصوصا.
  3. والحق أن الصوفية: التصوف حركة دينية انتشرت في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري كنزعات فردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة كرد فعل الانغماس في الترف الحضاري، ثم تطورت بعد ذلك حتى صارت طرق مميزة معروفة باسم الصوفية… (الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (1 / 253 ).
  4. وإذا كان المتصوفة يدعون إلى الأنس بالله والقرب منه، والإكثار من الطاعات وفعل الخيرات، فهذا ما يطلق عليه الإسلام (الزهد) أو (الورع) ولا مانع من كل فعل يقرب العبد من الله ما لم يكن مخالفا للشرع.
  5. والصوفية ليست فرقة ولا مذهبا، بل إن عددا من أتباع المذاهب وأتباع الفرق ينتمون إليها، حتى من أهل السنة، سواء في القديم أو الحديث.
  6. ففي القديم منهم: الحارث المحاسبي، الذي قال عنه الذهبي: المحاسبي: هو الزاهد، العارف، شيخ الصوفية… (سير أعلام النبلاء) ومنهم الجنيد: قال عنه أبو نعيم الحافظ: كان الجنيد رحمه الله ممن أحكم علم الشريعة… (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (10/ 281)، وقال عنه ابن تيمية: كان الجنيد رضي الله عنه سيد الطائفة ومن أحسنهم تعليما وتأديبا وتقويما… (مجموع الفتاوى (10/ 686). ومنهم أبو إسماعيل الهروي… الذي وصفه ابن القيم بـــــ (شيخ الإسلام).
  7. وفي الحديث كان منهم شيخ الأزهر عبد الحليم محمود، والشيخ الشعراوي… وغيرهم كثير، ونحن مع الجميع في إطار هذه القاعدة: كل يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم.
  8. وقد كان ابن تيمية منصفا حين تحدث عن الصوفية وأهلها فقال: ولأجل ما وقع في كثير منهم من الاجتهاد والتنازع فيه تنازع الناس في طريقهم؛ فطائفة ذمت الصوفية والتصوف، وقالوا بأنهم مبتدعون خارجون عن السنة، ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف، وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام. وطائفة غلت فيهم وادعوا أنهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء وكلا طرفي هذه الأمور ذميم. والصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله:
    أ‌. ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده.
    ب‌. وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين وفى كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ.
    ت‌. وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب.
    ث‌. ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه عاص لربه.
    ج‌. وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة… (مجموع الفتاوى / ابن تيمية / 11 / 17).
  9. أما ابن تيمية فبينه وبين عبد القادر الجيلاني 100 عام؛ نعم مئة عام، فعبد القادر الجيلاني توفي عام 561، وابن تيمية ولد عام 661، فالرجلان لم يلتقيا قط.
  10. وإذا أردنا أن نعرف عبد القادر الجيلاني، فهو كما قال الإمام الذهبي: الشيخ، الإمام، العالم، الزاهد، العارف، القدوة، شيخ الإسلام، علم الأولياء، محيي الدين، أبو محمد عبد القادر الجيلي الحنبلي، شيخ بغداد… (سير أعلام النبلاء ط الرسالة (20/ 439).
  11. ومع هذا فابن تيمية تحدث عن عبد القادر الجيلاني فأنصفه أيما إنصاف حيث قال: ولهذا كان الشيخ عبد القادر الجيلاني ونحوه من المشائخ المستقيمين يوصون في عامة كلامهم بهذين الأصلين المسارعة إلى فعل المأمور والتقاعد عن فعل المحظور والصبر والرضا بالأمر المقدور… (دقائق التفسير (2/ 295).
  12. وأما قصة أن الشيخ عبد القادر الجيلاني قال:إن الله أتاني في المنام وأسقط عنه التكليف.. فهذا كذب وافتراء على الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله… بل الذي ذكره ابن تيمية هو التزام عبد القادر الجيلاني بالشرع والدين، يقول ابن تيمية: قال الشيخ عبد القادر: كنت مرة في العبادة فرأيت عرشا عظيما وعليه نور فقال لي: يا عبد القادر أنا ربك وقد حللت لك ما حرمت على غيرك. قال: فقلت له أنت الله الذي لا إله إلا هو اخسأ يا عدو الله. قال: فتمزق ذلك النور وصار ظلمة وقال يا عبد القادر نجوت مني بفقهك في دينك وعلمك وبمنازلاتك في أحوالك. (مجموع الفتاوى (1/ 172).
  13. وأخيرا فإن كثيرا من المجاهدين الكبار كانت لهم توجهات صوفية، لكنها كانت الصوفية المعتدلة، فعمر المختار، ومحمد بن علي السنوسي في ليبيا، وعبد الكريم الخطابي في المغرب، وعبد القادر الجزائري في الجزائر، وعز الدين القسام صاحب الجهاد في فلسطين، كل هؤلاء كل هؤلاء كان لهم دور فعال في تحرير الدول الإسلامية، ولهم ميولات صوفية معتدلة لا جنوح فيها، وهو ما يمكن أن نسميه (الزهد).
    وختاما: فواجب محو ما كان من كلام يسيء إلى هذا العلم الفذّ، والإمام الجهبذ، والعلم الأمة (عبد القادر الجيلاني) رحمه الله.

المصدر: رسالة بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى