ضم الضفة وغور الأردن في الفكر الصهيوني
بقلم سالم عبد النبي
“لا عودة لحدود 1967، ونهر الأردن هو حدود إسرائيل الشرقية، والكتل الاستيطانية الثلاث الكبرى في شمال ووسط وجنوب الضفة الغربية ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية”، بهذا القول اختصر رئيس وزراء “إسرائيل” الأسبق، إسحاق رابين، الأمر غداة توقيعه لاتفاق أوسلو عام 1993، كان رابين يريد الاحتفاظ بثلاث كتل استيطانية قائمة، ولكن خلفه “بنيامين نتنياهو” نجح بإضافة كتلة استيطانية كبرى رابعة هي كتلة “بيت إيل”، ومضى في الوعود القديمة الجديدة بفرض السيادة الإسرائيلية على منطقة الأغوار وشمال البحر الميت، وضم جميع المستوطنات.
لم يكن ما قاله نتنياهو مجرد وعد انتخابي؛ لأن الضم في فكر وفي ممارسة الليكود أيديولوجية وعقيدة وركن ركين في برنامج الحزب، القائل “سلطة واحدة بين البحر والنهر”. فحزب الليكود هو سليل حركة حيروت التي رفضت قرار التقسيم، عام 1947، وتبنت شعار “للأردن ضفتان أولاهما لنا، وثانيتهما لنا”، مثلما أن حزب العمل هو سليل حزب ماباي الذي لم يكن اعترافه بقرار التقسيم أكثر من حيلة لكسب اعتراف هيئة الأمم بإسرائيل.
إن أصل الضم في فكر الأحزاب الصهيونية عماده ومرجعيته مشروعان أساسيان الأول وضعه “إيغال آلون”، عام 1967، واعتمده حزب العمل، بينما وضع الثاني “متتياهو دروبلس”، عام 1977، واعتمده حزب الليكود، والفرق بين المشروعين، يتمثل في أن المشروع الأول اعتمد على ضم أكبر مساحة من الأرض وعدد أقل من السكان، فيما يعتمد المشروع الثاني على زيادة عدد المستوطنين في الضفة الغربية و”القدس الشرقية” المحتلتين. بينما ضم القدس وتهويدها وتفريغها من أهلها، واعتبارها العاصمة الأبدية لإسرائيل اليهودية، فهذا محط إجماع بين جميع الأحزاب الإسرائيلية اليهودية.
مؤخرا بدأت سياسة الضم أو ما يتداول إعلاميا بالضم الزاحف يتجسد في مشاريع وبرامج الأحزاب اليمينية كلها، وخاصة تيار الصهيونية الدينية، الذي بدأ يجتاح الضفة الغربية عبر المستوطنات والبؤر الاستيطانية التي تُفتّت الضفة الغربية إلى مناطق منعزلة عن بعضها البعض. ووفق معتقدات تيار اليهودية الصهيونية، فإن أرض الضفة الغربية يجب أن تبقى تحت السيطرة الإسرائيلية، لما في ذلك من تقريب لعودة المسيح، والأبعد من ذلك، فإن السيطرة على الضفة الغربية يجب أن تؤدي إلى بناء الهيكل مكان المسجد الأقصى.
ووفق فتاوى الحاخامات، فإن التنازل عن مناطق الضفة الغربية، لا يجوز شرعًا، وقد أوضح “اليعيزر ملماد”، وهو من رجال الدين المنتمين للصهيونية الدينية، أن ترك الضفة الغربية خارج السيطرة الإسرائيلية ممنوع وفق الشريعة اليهودية، وأن إعطاء العرب الموجودين فيها، مواطنة شبيهة بتلك التي يتمتع بها اليهود، ممنوع أيضًا.
كان التطور الأبرز في “تقنين الضم” ففي 31/12/ 2017 صادقت اللجنة المركزيّة لحزب الليكود على قرار بفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات بالضفة الغربية، ويُطالب القرار أعضاء كتلة الحزب البرلمانية بالالتزام بالتصويت لصالح قانون بهذا الشأن. رغم أن حزب الليكود، بقيادة “بنيامين نتنياهو”، يَعتبر نفسه حزبًا يمينيًّا برؤية سياسية، إلا أنه بات في الآونة الأخيرة منساقًا وراء يمين اليمين، والذي بات الحاكم الفعلي فيما يتعلق بمصير الضفة الغربية، والاستيطان فيها.
ومنذ أواخر العام 2015 فقط، تم تقديم 22 مشروع قانون، كلها تدعو إلى فرض السيادة الكلية أو الجزئية على المستوطنات، والمناطق المسماة (ج) من قِبَلْ أحزاب اليمين، سبق ذلك مشاريع استيطانية استراتيجية عدة منذ بداية الاحتلال، تقوم على ضم أجزاء من الضفة الغربية، مثل: مشروع “آلون”، ومشروع “جاليلي”، ومشروع “فوخمان”.
وفي 25 /2 /2018 أقرت اللجنة الوزارية للتشريع، مشروع قانون تقدمت به إيليت شاكيد، وزيرة العدل من حزب البيت اليهودي سابقا. ويقود هذا المشروع إلى توسيع نطاق صلاحيات المحاكم المدنية الإسرائيلية على مناطق (ج) بالضفة الغربية، ويعتبر حزب البيت اليهودي الأكثر مبادرةً للتسريع بتطبيق الضم.
وفي ظل استمرار الواقع على الأرض على حاله، فمن المتوقع أن يستطيع حزب شاكيد الجديد تحالف “يمينا”، الضغط لتطبيق برنامجه بضم مناطق “ج” وما فيها من فلسطينيين، وتطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنات في الضفة، وشرعنة البؤر الاستيطانية العشوائية، وذلك بإقرار قانون الـ “هسدرا”، الذي ينصّ على شرعنة تلك البؤر.
ويمكن اختصار رؤية وتصور الأحزاب الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في التالي:
حزب البيت اليهودي: ترتكز رؤية الحزب على رفْض إقامة دولة فلسطينية، ويرى الحزب أن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية، يجب أن يكون بداية الإعلان عن نهاية حلم إقامة دولة فلسطينية، وهذا ما يتبناه الحزب علنًا، ويؤكد عليه قبل الانضمام إلى أي ائتلاف حكومي.
أما حزب الليكود: فقد اختصر زعيمه “بنيامين نتنياهو” طرحه، خلال زيارته لواشنطن في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2015، مؤكدًا أن القدس و”جبل الهيكل” غير قابلين للقسمة على اثنين.
اليسار الإسرائيلي: حزب العمل، الذي تبنى شعار حل الدولتين، والانسحاب من كامل الأراضي المحتلة عام 1967، وجد نفسه مؤخرًا، مضطرًا للإقرار بأن التيار اليميني بات الأقوى على الساحة السياسية. وأمام الحقائق على الأرض، أَقرّ يتسحاق هرتسوغ زعيم المعسكر الصهيوني، الذي يضم حزبي العمل والحركة، بأن حلّ الدولتين من المستحيل تطبيقه، مشيرًا إلى سعي حزبه للتعامل مع الوقائع المتجددة على الأرض.
وتقوم رؤية “إسرائيل” بيتنا: وزعيمه أفيجدور ليبرمان على إقامة دولتين تخلو كل منها من الطرف الآخر، وترتكز خطة “ليبرمان” التي عرضها في مؤتمر هرتسيليا الخامس، وأكد عليها تباعًا خلال السنوات الأخيرة، على نقل المناطق ذات الأغلبية العربية في “إسرائيل” إلى السلطة الفلسطينية، وإخراجها من حدود “إسرائيل” والاحتفاظ بالتجمعات الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية، وربطها لتصبح جزءًا من الدولة العبرية.
إن ضم الضفة والغور لا يرتبط بالانتخابات وكسب أصوات الأحزاب الدينية واليمينية، لكنه مشروع استراتيجي يقوم على تطبيق فكرة يهودية الدولة الإسرائيلية، وقد سُن قانون القومية الذي يكرس يهودية الدولة، والوصول إلى أن تكون القدس بشطريها عاصمة للدولة اليهودية، وقد حصل على اعتراف أميركي بذلك، وهذا جزء من مشروع قديم موجود في العقل الصهيوني، والمطالبة بضم الأغوار والبحر الميت إلى الدولة اليهودية هو أحد العناصر المركزية في الفكر الصهيوني في تعامله مع ثالوث الأرض والديموغرافيا والأمن.
(المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام)