صمودنا وصمودهم .. طالبان أنموذجاً ملحمة طالبان من الغزو إلى النصر
بقلم د. هاني السباعي
من عجائب المقدور أن دولاً بجيوشها المدججة بالأسلحة مدعومة بحضانة شعبية صلبة؛ انهارت أمام غزو خارجي!، واستسلمت بعد ساعات أو عدة أيام أو على الأكثر عدة أشهر!.. بالطبع هناك بعض الشعوب والجماعات غير المسلمة؛ قد قاومت الغزو الخارجي، كما في التجربة الكوبية، والفيتنامية، وغيرها؛ لكن نلاحظ أن كل هذه التجارب كانت مدعومة من بعض الدولة المجاورة أو من قوى عالمية كالاتحاد السوفييتي قبل تفككه أو الصين مثلاً..
ومن عجائب المقدور أيضاً أننا نجد جماعات من شباب أهل السنة بسلاح متواضع، لا حضانة شعبية تحميهم إلا على استحياء!، يحيط بهم الأعداء المحليون والدوليون من كل مكان؛ بالإضافة إلى كتائب من الجواسيس الذين يتناسلون خسة وعمالة وخيانة لضرب المسلمين في ظهورهم!.. في ظل هذه الأجواء الملبدة بقوى الشر في العالم؛ يدافع هؤلاء الشبيبة عن دين الإسلام وأهله والذود عن ديارهم، على الرغم من البون الشاسع بين القوتين!. فرغم ضعفهم وتشرذمهم بل وعجرهم وبجرهم!؛ لا يزالون يصارعون أعتى دول الاستكبار العالمي. وعلى أية حال سأضرب أنموذجين لمقاومتين في التاريخ المعاصر:
الانموذج الأول: مقاومتهم وصمودهم:
المثال الأول: في عام واحد فقط! ابتلعت ألمانيا سنة 1940بولندا الدنمارك النرويج لوكسمبورج هولندا بلجيكا فرنسا! كقطع البقلاوة! لكم الله يا شباب الإسلام في الشام .. لكم الله يا شباب الإسلام في أفغانستان وكل مكان..
المثال الثاني: في سنة 1968استسلمت “تشيكوسلوفاكيا” المؤيدة من يوغسلافيا ورومانيا للغزو السوفييتي وبعض دول حلف وارسو في يوم!!.. لكم الله يا شباب الإسلام في الشام وأفغانستان وكل مكان.
المثال الثالث: أمر السفاح جورج بوش الأب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جيوشه بغزو بنما في 20 ديسمبر 1989 واعتقلت القوات الأمريكية رئيس بنما “مانويل نورييجا” واستمرت العملية العسكرية ومقاومة الجيش والشعب لمدة شهر فقط!!.. لكم الله يا شباب الإسلام في أفغانستان والشام وغيرها.
الأنموذج الثاني: مقاومتنا وصمودنا:
المثال الأول:
في سنة 1979اجتاحت الجيوش السوفيتية الشيوعية أفغانستان بأكثر من 100ألف جندي واستخدمت كل ما لديها من أسلحة فتاكة تقليدية وشبه نووية على مدار 10 سنوات؛ ثم انهار الاتحاد السوفييتي؛ بفضل الله ثم بضربات المجاهدين؛ فاندحر الدب الأحمر مهزوماً خاسئاً وهو حسير عام 1989م، ثم سرعان ما انفرط عقد الولايات السوفيتية التي “تقزمت” وتقوقعت إلى دولة روسيا الحالية!!..
المثال الثاني:
الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001؛ هجوم وحشي بقيادة أمريكا ومعها أكثر من 40 دولة أبادت قرى ومدائن بأكملها، عاثت في أفغانستان فساداً، ورغم ذلك لم يستسلم الشعب الأفغاني المسلم بقيادة طالبان، وظل يجاهد الغزو الأمريكي الغاشم الظلوم؛ رغم الفرق الهائل بين القوتين؛ من حيث العدد والعتاد!.
لقد كانت قيادة طالبان أنموذجاً في الجهاد والصبر والبذل والعطاء؛ حيث كان قادتها في طليعة المجاهدين؛ إذ لم يجاهدوا عبر فنادق كغيرهم ممن آثر غير ذات الشوكة!. كان يقود تلكم الملحمة الجهادية؛ الملا محمد عمر مجاهد أحد مجددي هذا العصر تقبله الله في الفردوس الأعلى، ثم خلفه مولوي أختر منصور تقبله الله شهيداً.. ثم استلم الراية من بعده مولوي هيبة الله الذي شهد ثمرة الجهاد؛ بدحر قوى الاستكبار العالمي أمريكا وحلف الناتو.
ظلت طالبان على مدار أكثر من عشرين عاماً تدافع عن شرف أهل الإسلام؛ ليس في أفغانستان فقط بل في كل العالم. تحملت طالبان ومعها الشعب الأفغاني الأبي؛ ظلم أعداء الخارج والداخل! عانت طالبان من حملات تشويه متعمد مع سبق الإصرار والترصد لكل تصرفاتها!.
لم تكن تعاني طالبان والشعب معها فقط؛ من حمم القنابل والصواريخ والمتفرجات والأسلحة الأمريكية الفتاكة وحملات التعذيب والمطاردة والتنكيل وسجن بجرام وجوانتنامو وغيرها من مقار وأقبية وسلخانات بشرية علانية وسرية كانت قوافل الشهداء تصعد أرواحهم منها شاكية إلى ربها ظلم طواغيت البشر!.
بل عانت أيضاً طالبان والشعب الأفغاني المظلوم؛ من حملات إعلامية مسعورة؛ بغية تشويهها وتدمير أنموذجها في العالم الإسلامي وغيره! لكي لا يحتذي بها المستضعفون من أهل الإسلام وغيرهم في كل مكان!..
لقد أنفقت أمريكا وحدها 2ترليون دولار حيث كانت تنفق 100مليار دولار سنوياً وبلغ عدد قواتها 100ألف جندي أمريكي!
أما عن الخسائر البشرية الامريكية: أشارت تقارير جهات رسمية أمريكية إلى مصرع نحو 2448 جندياً أمريكياً بحلول أبريل 2021، إضافة إلى مقتل 3846 من المتعاقدين الأمريكيين. فيما قدر عدد الإصابات بنحو 20660 جندياً أمريكياً في أثناء القتال.
قد يقول قائل هذه خسائر أمريكة كبيرة! لكن لا وجه للمقارنة مع خسائر الشعب الأفغاني المظلوم.
أما خسائر حلفاء أمريكا؛ كبريطانيا وألمانيا وفرنسا واتسراليا وكندا وغيرهم فباهظة أيضاً.
وما ينبغي أيضاً أن نغفل خسائر عملاء أمريكا من جيوش العلماء والخونة فقد قتل منذ عام 2001 حتى عام 2021 أكثر من 641 ألف شخص من الجيش والشرطة الافغنية الموالين للأمريكان.
كل هذا العدد والعتاد والجيوش الجرارة والأموال الطائلة؛ من أجل هزيمة طالبان، وتركيع الشعب الأفغاني المسلم لهيمنة أمريكا وحلفائها!.
زعم جورج بوش الصغير أن طالبان انتهت! وأنه سيقتلهم في كهوفهم! ولا مكان لهم في العالم بعد اليوم!! غرّ الأحمق المطاع قوته وجيوشه! فاستدرجهم الله تعالى لمهلكهم على أيدي من استضعفوهم وازدروهم وسخروا منهم!.. ولله في خلقه شؤون.!
ظنت أمريكا وحلفاؤها أن أفغانستان لقمة سائغة! وأن دحر طالبان أو ترويضها أمر هين! لكن هيهات هيهات! فذروة سنام الإسلام كانت بالمرصاد؛ لأمريكا ولحلفها وأزلامها! وصد الله تعالى في أمثالهم: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) الأ،فال آية36.
لقد صمد أهل أفغانستان بزعامة طالبان وقدموا فلذات أكبادهم؛ من قادة وجنود وشيوخ وأطفال ونساء.
فرحم الله الملا داد الله الذي أعد كتائب إعلامية وفدائية تقبله الله شهيداً.. ورحم الله العلماء المجاهدين الأوائل الأفاضل؛ كمولوي يونس خالص، ومولوي جلال الدين حقاني، وحمد الله وكل من نعرفهم أو لا نعرفهم؛ فحسبهم أن الله يعرفهم. فسلام تحية وعزة وكرامة لطيف أرواح هؤلاء القادة والجنود الذين بذلوا أرواحهم رخيصة في سبيل الله، وهنيئاً لهم بمنازل الشهداء ولا نزكيهم على خالقهم.
المثال الثالث:
الشام؛ فمنذ اندلاع الثورة السورية 2011 نجد أن النظام النصيري المدعوم بصمت وتآمر مجلس الأمن الدولي، ومشاركة إيران، وقطعان حزب اللات، وجيش الدجال بالعراق وأذربيجان وروافض الخليج وغيرهم، يقودهم الحرس الثوري الإيراني، ثم دخول روسيا بعتادها الثقيل على الخط وبطائراتها التي تصب جام حمم الموت والخراب والدمار على رؤوس المسلمين يومياً (حلب والغوطة الشرقية؛ أنموذجا)، لكن للأسف الشديد لم يتبق إلا إدلب والأماكن المحررة في الشمال؛ لأسباب كثيرة ليس هذا مجالها.
لكن الشاهد من الانموذج الشامي؛ هو الصمود رغم ضخامة وهول المؤامرة من الداخل والخارج! وعلى رأس هؤلاء طاعون العصر أمريكا! فهي “المايسترو”؛ حيث تقود “أوركسترا” تدمير بلاد المسلمين؛ منتشية بأشلاء ودماء وأطفال ونساء وشيوخ المسلمين، تصداقاً لقول الله تعالى في أمثالهم: (ليس علينا في الأميين سبيل) آل عمران آية 75. فدماؤنا وثرواتنا وكل بلادنا حلال لهم! حسب معتقد العم سام! وثالثة الأثافي؛ خيانة محميات آل نفطويه وجيوش الردة العربية وكل الجيوش المحسوبة على الإسلام زوراً..
كل هذه القوى الخبيثة الوالغة في دماء البشر؛ تحالفت على استئصال شأفة الإسلام ـ عقيدة شريعة منهاجاً سلوكاًـ هدفهم القضاء على الإسلام في كافة المناحي الحيايتة، وإقامة مملكة إبليس الرجيم في العالم! هذه الذئاب البشرية تضرب تحرق تقتل تدمر بلا رحمة!؛ على مرأى ومسمع العالم أجمع! في أفغانستان كانت الحرب الضروس التي لم تنقطع إلا منذ أشهر معدودات! فكانت البطولات والتضحيات ثم النصر بفضل الله تعالى.. وفي الشام جحيم يومي على مدار 10 سنوات متواصلة؛ ورغم ذلك لم يستسلم المسلمون في الشام؛ فلا يزالون يضربون أروع الأمثلة في البطولة والفداء رغم مكر أعداء الإسلام أجمعين، وخذلان العالم بأسره لهم.
صفوة القول
دول الشر المعادية للإسلام وأهله قوية بضعف المسلمين وتشرذمهم! صدق الله تعالى في محكم التنزيل: (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) الأنفال 46.. لذلك لما تنازعت الفصائل وتناحرت ولم تلتزم بنهي ربها لها عن التنازع! أذاقها الله مس مخالفتها له، وهذا ما نشاهده اليوم في بلاد الإسلام قاطبة ولا سيما سوريا.
وقال الله تعالى عن المستكبرين الظالمين الذين يعيثون في الأرض فساداً: (لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر) الحشر آية 14..
ثق يا مسلم بربك! لم تحدث مواجهة مباشرة بين المسلمين وأعداء الإسلام منذ الحروب الصليبية! أما الحملات الصليبية المعاصرة فقد تمت بالوكالة وبجيوش أحفاد أبي رغال من بني جلدتنا!!.لذلك يقاتلون المسلمين من وراء جدر!
تدبر أيها المسلم الواثق بنصر ربه: لا تذهب بعيداً فطالبان أنموذجاً؛ قال تعالى في يمحكم التنزيل: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) البقرة الآية 249، نعم! فئة قليلة على قلب رجل واحد، بعقيدة نقية صافية، بقيادة حكيمة رشيدة منتصرة لله وحده، منفذة قدر استطاعتها لقوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) الأنفال الآية 60.. إذا فعلت تلكم الفئة المؤمنة القليلة ذلك؛ فإن نصر الله قريب منها بما شاء وكيف شاء، فمن حقق الشرط جاءه الجواب: (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) سورة محمد الآية 7.
ثق برك يا مسلم! لا تتضعضع، لا تضعف، لا تيأس.. لقد أراك الله آية في صمود إخوانك في أفغانستان والشام وغيرها رغم ضعفهم وتكالب الدنيا عليهم.
فإذا كان ثلة من الشباب المسلم في أفغانستان والشام وغيره؛ دوخوا أكبر وأعتى وأطغى قوى العالم طيلة هذه الحقبة المعاصرة! فما بالك لو كانت أسلحة هذه الجيوش العميلة الخائنة لدينها وأمتها؛ بحوزة المجاهدين!، أو أن نصف أو ربع هذه الجيوش قد تابت وانضمت إلى المجاهدين في الشام ومصر وغيرها!.. فهل كانت أمريكا وألف أمريكا! تستطيع القضاء عليهم وهزيمتهم! هل كان باستطاعة أمريكا وحلفائها وعملائها؛ احتلال أراضي المسلمين الشاسعة من “جاكارتا” إلى “مراكش”!!.
إذن العيب فينا؛ فحصوننا مهددة من داخلها! فلزام على الأمة أن تتطهر ذاتياً؛ بالتخلص من هذه الأورام الخبيثة؛ الحكام وجيوشهم وقضاتهم وإعلامهم؛ فهم أس الداء، وسبب كل بلاء نزل بالمسلمين في كل مكان.
لا تحرير لبلاد المسلمين المحتلة من طواغيت العرب والعجم إلا بالاعتصام بحبل الله وحده، والقضاء على هؤلاء الحكام الخونة، وجيشوهم الحارسة لمصالح أعداء الإسلام.
ثق بربك يا مسلم!.. فدول بجيوشها وعتادها وقوتها قد انهارت أمام غزو الأعداء لها، ولم تصمد على المقاومة، إلا لأيام أو شهور معدودات!.
أما إخوانكم في أفغانستان والشام والقوقاز وكشمير والصومال والمغرب الإسلامي واليمن وغيرها؛ لا يزالون ثابتين صامدين رغم تحالف قوى الاستكبار ـ عجمهم وعربهم ـ ضدهم!..
أيها المسلم ثق برك!.. تفكر وتدبر في عجائب المقدور! لا تنس أيها المسلم المخبت المذعن الخاضع لربك وحده؛ أن للكون رباً يحميه.
لا تذهب بعيداً.. فطالبان رمز الصمود في عصرنا؛ طالما استمرت طالبان على الحق ولم تتراجع عنه.. لا تتردد في اختياراتك: فطالبان أنموذجاً! على أية حال: ارفع رأسك أنت مسلم.
المصدر: رسالة بوست