صعود الترامبية ومخاطر تنامي الإسلاموفوبيا في مؤتمر بإسطنبول
بقلم د. سامي العريان
على مدى القرنين الماضيين، استخدمت مختلف الجهات السياسية الفاعلة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين وروسيا والكيان الصهيوني، الإسلاموفوبيا لبسط أو تعزيز قوتها السياسية. والواقع أن المجال الجيوسياسي للإسلاموفوبيا لا يشير إلى أبعادها السياسية والاقتصادية فحسب، بل يشير أيضًا إلى استخدامها الوظيفي كجزء من الضرورات والأدوات الاستراتيجية المختلفة التي تستخدمها القوى الإقليمية والعالمية لتعزيز الأهداف الاستعمارية أو التوسع الإمبريالي أو تضييق المصلحة الذاتية. ومن ثم فمن الأهمية بمكان أن تتشرب في أذهان الجمهور، وخاصة بين الأجيال الشابة ، فكرةُ أن الإسلاموفوبيا لا تتعلق فقط بالتحيز الديني أو الإقصاء الاجتماعي، والأهم من ذلك أنها سمة أساسية للتسلسل الهرمي العنصري العالمي الذي يمكن تكييفه في سياقات مختلفة لتأكيد الهيمنة أو تحقيق تفوق القوة والسيطرة والثروة.
وعلى الرغم من أن الإسلاموفوبيا، أي الخوف غير المنطقي أو كراهية الإسلام والمسلمين كانت موجودة منذ قرون، الأمر الذي أثر في العلاقة المتوترة بين العالم الإسلامي والغرب، فإنها أصبحت أكثر خطورةً وفتكا منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، عندما بدأت القوى العالمية البحث عن عدو مناسب للمضي قدمًا في مخططات الهيمنة. وعلاوة على ذلك ، تكونت في أكثيرمن المجتمعات في جميع أنحاء العالم مجموعات وحركات سياسية ازدهرت من خلال الترويج للخطاب المعادي للمسلمين وباستخدام الإسلام وأتباعه ككبش فداء لتحقيق مكاسب وطنية وسياسية.
ومع صعود الترامبية والجماعات اليمينية المتطرفة واليمين البديل في كثير من البلدان، أدت النزعات المعادية للإسلام والسياسات الحكومية المناهضة للمسلمين إلى المزيد من الهجمات القاتلة، مثلما حدث في مدينة كيبيك الكندية في كانون الثاني/ يناير 2017، وفي كرايس تشيرش بنيوزيلندا في آذار/ مارس 2019. باختصار ارتفعت الإسلاموفوبيا إلى مستويات مثيرة للقلق تؤثر في ملايين المسلمين والمجتمعات الأخرى في جميع أنحاء العالم، مثل السيخ الذين قد ينظر إليهم البعض على سبيل الخطأ على أنهم مسلمون. وإذا لم تكبح هذه الظاهرة، فقد تخرج عن السيطرة وتحطم المجتمعات وتعرض السلام العالمي للخطر.
في العام الماضي، عقد في جامعة صباح الدين زعيم بإسطنبول أول مؤتمر دولي حول الإسلاموفوبيا، نظمه مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية (CIGA)، وحضره عدد من أبرز الباحثين من تركيا ومن جميع أنحاء العالم. بحث المؤتمر تأثير الإسلاموفوبيا في الثقافة والمجتمع والسياسة والعلاقات الدولية. وفي هذا العام، سيعقد CIGA المؤتمر السنوي الثاني حول الإسلاموفوبيا، ويتحدث فيه على مدى ثلاثة أيام اعتبارا من يوم الجمعة 20 متحدثًا بارزًا لديهم معرفة بارزة حول الإسلاموفوبيا لدراسة دورها في سياقات مختلفة وتحليل خطابها ومجالها الجيوسياسي.
ستقوم حلقة النقاش الأولى المعنية بالمفاهيم المعرفية المختلفة لكراهية الإسلام، بدراسة نقدية للافتراضات والحجج المختلفة حول المعنى والأهداف الاستراتيجية للاستغلال السياسي للإسلاموفوبيا، بما في ذلك كيف كانت أطروحة “صدام الحضارات” التي ظهرت قبل ربع قرن من الزمان، بداية الخطاب الإسلاموفوبي الحالي للقوة والهيمنة الجيوسياسية. كماسيتم أيضا دراسة ومناقشة تأثير الإسلاموفوبيا في إصلاح العالم الإسلامي. وفي حلقة النقاش الثانية، سيناقش الباحثون التقاطع والاختلاف بين الإسلاموفوبيا والاستشراق، والنظر في تطور الصيغ المختلفة “للآخر” عبر الزمن، ومن ثم طرح سؤال ما هو الاختلاف بين الإسلاموفوبيا اليوم والأشكال الأخرى من “الآخر” المختلف عرقيا، بما في ذلك الدراسة المهمة لأوجه التشابه والاختلاف بين الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية. وستناقش حلقة نقاشية أخرى الدور الذي تضطلع به الإسلاموفوبيا في خدمة بناء الإمبراطورية والتوسع في الهيمنة السياسية والسيطرة الاقتصادية.
وبالنظر إلى أهمية حقوق الإنسان في النظام السياسي الدولي اليوم، ستتم مناقشة العلاقة بين الإسلاموفوبيا وحقوق الإنسان، بما في ذلك دور الليبرالية والحركة النسائية في تبريرها، وكذلك كيف تم تطبيع العنصرية في عصر الإسلاموفوبيا. كما سيتم بحث كيفية تطور الاتجاهات الحالية والمستقبلية لحقوق الإنسان حول العالم. وبالنظر إلى المركزية المنحرفة لعواقب الإسلاموفوبيا في الغرب، سيضم المؤتمر أيضا حلقة نقاشية تبحث في مظاهر متعددة من الإسلاموفوبيا في سياقات مختلفة حول العالم، بما في ذلك الصين والهند. كما سيتم مناقشة الدور المهم الذي تضطلع به مؤسسات الفكر والرأي اليمينية في نشر الإسلاموفوبيا وشيطنة الإسلام وأتباعه لتحقيق أهداف جيوسياسية. وأخيرًا، ستتناول حلقة نقاشية تضم جميع المتحدثين في المؤتمر الاستراتيجيات والسياسات التي يجب اعتمادها ومتابعتها للحد من الآثار الضارة للإسلاموفوبيا.
الهدف الرئيسي للمؤتمر هو جمع كبار الباحثين في مجالات تخصصهم من أجل المشاركة الفكرية في نقاشات رصينة حول بعض القضايا الرئيسية المتعلقة بالإسلاموفوبيا واستكشاف مجموعة من الردود المناسبة. سيبدأ المؤتمر بعد ظهر يوم الجمعة بحلقة نقاشية متميزة تستضيف الأستاذة آن نورتون من جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة، ومؤلفة الكتاب المعروف “حول المسألة الإسلامية”، والأستاذ سلمان سيد من جامعة ليدز في المملكة المتحدة. والأستاذ سليم أرغون، نائب مديرية الشؤون الدينية التركية. ولن تكتفي حلقات النقاش اللاحقة على مدار اليومين القادمين بتحليل الموضوعات المهمة وذات الصلة وتقييمها، بل ستحاول تقديم حلول عملية للتحديات الصعبة.
(المصدر: تررك برس)