مقالاتمقالات مختارة

صراع الأوقاف.. أوقاف نينوى بين المد والجزر

صراع الأوقاف.. أوقاف نينوى بين المد والجزر

بقلم شهاب الصفار

منذ اللحظات الأولى لتحرير مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، والمدينة تعاني من إجحاف وإهمال واضحين على جميع الأصعدة والسياقات، ومن بين ذلك هو التغافل المتعمد عن عمليات سرقة وتحويل ملكية الأراضي والأملاك الوقفية ونقلها من صورتها السنية إلى النظير الشيعي، أمام أنظار أو بتسهيل من الحكومتين المحلية والمركزية على حد وصف الأهالي.

مئات الأراضي في نينوى، ومثلها المحلات التجارية التي تقبع في مركز أسواق الجانب الأيمن المنكوب من الموصل، استحوذت عليها مكاتب اقتصادية تتبع جهات سياسية وحزبية متنفذة في نينوى، استلمت زمام أمور العباد الاقتصادية بعد إتمام التحرير على طريقتها، لتباشر بعد ذلك السير على خطى من سبقها بتنفيذ استراتيجية حلب اقتصاد الموصل ونهب ثرواتها بحسب ما ذكر مهتمون.

باب السراي أول الغيث

منذ بدايات القرن الماضي وأهل الموصل يُقبلون يوميًّا على سوق السراي، والتي أوقفت معظم محلاتها التجارية للوقف السني في مدينة الموصل بحجة وقفية سنية تتبع مالكًا سني المذهب، ليبتاعوا ما يحتاجون من مأكل وملبس وما إلى ذلك من أمور واحتياجات الحياة وهم على دراية وقناعة تامة بملكية وعائدية هذه السوق، ليتفاجأ أهل المحلات بنهاية العام الماضي بموكب يقوده ممثل لأحد المتنفذين يُبلغهم باستثمار تلك المحلات لحساب الوقف الشيعي، وأن عليهم الإيفاء ببدل الإيجار بأسلوب وصيغة جديدة للوقف الجديد أو من يمثله.

تل النبي يونس، استثمار وإنكار

تعد تلة النبي يونس (عليه السلام) هي إحدى التلال القليلة في مدينة الموصل (400 كلم شمال بغداد)، حيث يعتقد سكان المدينة بأنها التلة التي صعدوا عليها سالف الزمان في زمن نبي الله يونس، عليه السلام، تائبين متضرعين، فنفعهم إيمانهم وكشف الله عنهم العذاب، كما وتحوي بقايا ضريح لنبي الله يونس الذي يقال إنه بني عام 1365، وأقدم تنظيم «داعش الإرهابي» على تفجيره بعد سيطرته على المدينة، وقرية تضم بعض البيوت والممرات القديمة.

في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي أوعزت دائرة آثار نينوى بتجريف المنازل بحجة استغلال وتجاوز أهالي تلك القرية أو المنطقة السكنية على أراضي أثرية بتوقيت محرج ومستفز بحسب وصف الأهالي، خصوصًا بعد سيطرة جهات حزبية وأمنية متنفذة على أوقاف وأملاك تقدر بالمئات بحجة الاستثمار.

الحجة الوقفية سند مُهمل

من بين المرتكزات المتعارف عليها محليًّا ومركزيًّا هي «الحجة الوقفية» أو ما يعرف بسند الأوقاف المعتمد أثناء إسناد وقفي لأي مُلك أو أرض أو محل تجاري تكون فائدته لعامة المسلمين، وعائده المادي أو المعنوي لبيت مال الوقف السني، وهي تعد وثيقة رسمية يُعترف بها عند التخاصم أو التوجيه.

الشيخ محمد الشماع، إمام وخطيب جامع النبي يونس، عليه السلام، في بيان تفاصيل حجج الأوقاف يُبيِّن أن الحجة الوقفية والسند أصل أساس في إثبات الملكية والعائدية، وإن كل ما في الموصل من وقفيات أراضي وعقارات وغيرها تابعة لأهل السنة، ذلك أن من أوقفها هو رجل أو امرأة سنية، أوقفها لجامع سني أو مسجد سني مضيفًا بأن الحجة الوقفية حكم فصل، فهل لمن يستحوذ على أوقاف الموصل مستند على حجة وقفية؟ وهل يوجد حجة وقفية فيها أن فلانًا الشيعي أوقف الملك لحسينية في الموصل؟

في السياق نفسه يُضيف محافظ نينوى الأسبق، أثيل النجيفي، بأن معظم أصول الأوقاف المندرجة تحت سلطة وزارة الأوقاف السابقة أو ديوانها الحالي ترجع إلى واقفين سنة، ومنها أموال ما زالت تحت إدارة متوليها أو أوقاف مضبوطة انقطع تسلسل المتولين فيها أو سيطرت عليه الدولة لسبب من الأسباب.

ابتلاع الحجج وأملاكها الوقفية السُنية

في خضم الأزمة المالية التي يعاني منها العراق، والتي أفرزت شللًا اقتصاديًّا عانى منه العراقيون مؤخرًا، مرر مجلس الوزراء للرأي العام السُني محضر اتفاق بين الوقفين السني والشيعي، مفاده نقل أملاك الأول إلى وزارة السياحة والآثار العراقية، أمر عده الشارع العراقي خطة مدروسة ومتفق عليها لنهب أملاك الأول الضعيف لصالح نظيره الثاني القوي والمرتكز على دولة تكيل بمكيالين كعادتها، فتأخذ من الأول نصيبه وما يرتكز عليه في معيشته وتهبه للثاني بكل طيب وبقوة السلاح والسلطة، دون الرجوع إلى مجلس الأوقاف الأعلى المخول برسم السياسيات واتخاذ القرارات وفقًا لحجج وسندات وقفية رسمية.

قرار مجحف وسرقة واضحة أمام الجميع بحسب ما تداوله أو وصفه الشارع العراقي عامة، والموصلي خاصة، هذا ولأنه عانى منذ تحريره قبل سنوات ثلاث من سياسات مشابهة لما ذكر أعلاه باستقطاع أجزاء كبيرة من حصص الأهالي الوقفية وإسنادها للوقف الشيعي بدعم من خارج المحافظة وتفويض محلي.

دوامة مذهبية تحاول ابتلاع أرزاق العباد، وتعمل على تحويل نسبة عالية من الدخل الشهري لآلاف المواطنين من جيوبهم إلى جيوب غيرهم، وقد تخلق فجوة وطنية مستقبلية بين مواطني العراق، فعملية تحويل ملكية الأراضي التي كان قد أثبتت الحجج الوقفية أصل ملكيتها إلى ملكية ثانية أمام أنظار الحكومتين المركزية والمحلية بدون وضع حد لها سيؤدي بالتالي إلى مشكلاا وإرهاصات وسرقات باسمها، ونتائج قد تكون كارثية على الجميع.

(المصدر: ساسة بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى