شُبهات وأراجيف حول جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
بقلم حسن خليفة
يمكن للمتابع أن يلحظ، منذ بعض الوقت، صعود نغمات الهجوم على جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تحديدا، والهجوم والتهجّم على مختلف الثوابت الوطنية والمبادئ التي تحكم وتؤطر مجتمعنا الجزائري المسلم المتجانس.. يبدو ذلك في شكل عفوي في الظاهر، ولكنه في الحقيقة أقرب إلى أن يكون حركة منظمة تريد تحقيق بعض المكاسب، بشكل ما، والمكسب هنا بالنسبة لهؤلاء الخصوم والأعداء هو التوهين في أقل الدرجات، وبثّ الشكوك والسموم، وإثارة البلبلة؛ بإثارة الشك في الماضي (التاريخ) والنيل من الأعلام الذين هم قدوات صالحات بالنسبة للأجيال الحاضرة والتي قبلها على الأقل.
هذا ما يلحظه المتابع حين التعمّق في المسيرات السلمية الحاشدة التي تتمّ كل جمعة أو ثلاثاء، والتي تُرفع فيها ـ عادةـ لافتات واضحات، فيها أقوال وصور أعلام (شخصيات) الوطن، ومنهم أعلام جمعية العلماء المسلمين الجزائريين كالشيوخ ابن باديس، والإبراهيمي، والتبسي، وغيرهم، إلى جانب صور الشهداء الأبطال كالعربي بن مهيدي وعميروش وابن بولعيد وغيرهم عليهم جميعا رحمة من الله ورضوان.
إذن.. لا، ولن يعجب ذلك أقواما ممّن يريدون بقاء الجزائر في دائرة المستدمر الفرنسي تابعة في ثقافتها ولغتها ونمط عيشها وأسلوب حياتها، وفي تعليمها وتربيتها أيضا، وقد بدا لنا ذلك واضحا ـ تماماـ في الإصرار على تغريب المنظومة التربوية أو بالأصح فرْنستها بالكامل على عهد الإدارة السابقة بمن فيها من مستشارين وقياديين وإداريين ونقابيين… وقد اتضح ذلك كله لمن يتابع حركة الصراع اللاهب، مرئيا وغير مرئي.
المثير في هذا التهجم والهجوم والقدح والتشكيك هو اتجاهاته:
1 ـ لقد اتجه أولا إلى دور جمعية العلماء في الثورة التحريرية بالتشكيك والنّفي وغير ذلك من الأساليب التي تزرع ـ في أقل ما تفعل ـ الشكّ وتبثُّ السّم في الأجيال الحاضرة على الأقل ممن لم تتح لهم الفرصة للدراسة والمتابعة العلمية المنهجية لتاريخ الوطن. وقد شهدنا محاولات لإبعاد التاريخ كله عن المنظومة التربوية ومحاولة تجاوز مادتي التاريخ والجغرافيا في امتحان مصيري كالبكالوريا. والقصد مفهوم، وهو أن إبعاد الأجيال عن تاريخها وهوُيتها وأصولها.
المهمّ اتجهت تلك الجهود إلى بثّ الشكوك، وقد جاءت من سياسيين بمن فيهم الرئيس السابق محمد بوضياف رحمة الله عليه، في فيديو أنكر فيه أي دور لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين في الثورة التحريرية من البداية إلى النهاية. وقد تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي ولا يزال متداولا، كما جاءت تصريحاتٌ وكتابات من بعض الإعلاميين والصحفيين والكُتاب وبعض المدوّنين المغمورين أو المستعارة أسماؤهم من الذباب وغير الذباب تصب كلها في هذا المصبّ: أي نفيُ أن تكون للجمعية أيُّ أدوار في الثورة التحريرية المباركة. والمقاصد متعددة، أقلّها: إضعاف تأثير الجمعية في الحاضر والمستقبل وزرع السلبية في كل ما يتعلّق بها لتهميشها في وجدان الناس وقلوبهم وعقولهم.
2 ـ ثم انتقل الأمر إلى تعزيز الشكوك وبثّ مزيد من السموم بالحديث الخاطئ عن شخص ابن باديس وعائلته، ونشر ما يمثّل “ممالأة” ابن باديس للاستعمار، هو في ذاته، ثم عائلته وخاصة والده. وقد نشروا بعض القصاصات مما كُتب في جريدة “السنة” (1933) وجرائد أخرى كـ”البصائر”، واعتبروا ذلك من الأدلة الكبيرة والخطيرة على “عمالة” ابن باديس وعائلته، وأنه كان يمالئ فرنسا ويسير في ركاب حكمها، مؤيدا لها ولسياستها.
وعلى الرّغم من أن تلك الأطروحات لا أساس لها من الصحة، فإنه يُعاد نشرُها بين وقت وآخر، وليس ثمة أفضل من دحضها علميا ومنهجيا، وبيان تهافتها وأنه لا أساس صحيحا لها.
وربما يقتضينا الأمر في هذا المقال المختصر الإشارة أولا إلى خلل كبير لدى أصحاب تلك الأطروحات وهو أنهم لا يقرؤون ولا يتابعون، وهذا إشكال يلازم أهل الباطل عادة؛ إذ أنهم لا يحيطون بالحقائق فيما يتصل بما يطرحونه، ويسارعون إلى طرح ضلالاتهم ظنا منهم أن الناس ـمثلهم ـ لا يقرؤون. والتزاما بحدود هذا المقال أريد الإشارة إلى عدد من الدراسات، ومعظمها أطروحات علمية: دكتوراه وماجستير، يُستحسن لكل من كانت لديه شُبَهٌ في الموضوع أن يقرأها أولا، ثم نناقشه فيما يطرح:
ـ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأثرها الإصلاحي، لأحمد الخطيب (رسالة ماجستير).
ـ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في الحركة الوطنية الجزائرية 1931ـ 1939 د. مازن المطبقاني (أطروحة جامعية).
ـ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين: منهجها وآثارها، إسحاق عبد الله الغامدي، رسالة ماجستير.
ـ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، نشأة وتطور الإصلاح في مدينة الجزائر، رسالة ماجستير، عفاف زقور.
ـ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في الحركة الوطنية والثورة التحريرية، 1945ـ 1960 أحمد بوقجاني، رسالة ماجستير.
– جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في تحرير الجزائر 1931ـ 1962، رسالة دكتوراه، عبد القادر بن محمد النعيمي.
ـ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في تطور الحركة الوطنية، للدكتور عبد الكريم بوصفصاف.
ـ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وعلاقتها بالحركات الجزائرية الأخرى،1931ـ 1945، عبد الكريم بوصفصاف، دراسة مقارنة، دكتوراه.
ـ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والثورة التحريرية المباركة، أسعد هلالي، رسالة دكتوراه.
– المشروع العلماني التغريبي الفرنسي وموقف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين منه، مصطفى هادف، رسالة ماجستير.
ـ دور جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في جلب دعم المشرق العربي للثورة التحريرية، رسالة ماجستير.
ـ المواقف السياسية لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين من خلال صحفها، علي حشلاف.
ـ فتاوى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، هجيرة صالح، ماجستير.
ـ التنشئة السياسية عند جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، أمين بلعيفة، ماجستير.
ـ سوسيولوجيا الإصلاح الديني: جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أنموذجا، زيلوخة بوقرة.
ـ البُعد المقاصدي في فتاوى أعلام جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، دراسة من خلال جريدة البصائر (1937 ـ1956)، أبو بكر صديقي، رسالة ماجستير.
ـ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التاريخية، ورؤساؤها الثلاثة، تركي رابح عمامرة، 450 صفحة، درس فيه خاصة في فصل كامل (الثالث) الصراع بين جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والإدارة الفرنسية بين 1933ـ 1939.
ـ حقائق وأباطيل للشيخ عبد الرحمن شيبان، وهو مقالات يدفع بها شبهات كهذه التي انتشرت الآن.
ـ ردّ شُبهات: جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في ثورة التحرير المباركة، سليمان الصيد.
وغير هذا كثير. وقد نعود إلى الموضوع بشيء من التفصيل.
(المصدر: صحيفة بوابة الشروق الالكترونية)