مقالاتمقالات مختارة

“شيوخ السلاطين”.. حين يصبح الدين أقوى سلاح بيد الديكتاتورية

“شيوخ السلاطين”.. حين يصبح الدين أقوى سلاح بيد الديكتاتورية

 

بقلم محمد أمنون

 

على منوال من أفتى يوما بشرعنة الاستعانة بالتحالف الصليبي لغزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين وتدمير بلاد الرافدين.. ها هم أحفاده وتركته في المدرسة – مدرسة الفتوى حسب الطلب- على نفس المنوال أفتوا وشرعنوا مساندة الانقلاب على الشرعية بمصر وسفك دماء الأبرياء.. ثم محاصرة شعب قطر المسلم، وكذلك شرعنوا مهاجمة الأبرياء في اليمن وسوريا وليبيا.. كائنات بغطاء ديني تفتي حسب هواء الحاكم وتقول بغرابة أن القرارات الأخيرة التي اتخذتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر ضد قطر، “فيها مصلحة للمسلمين ومنفعة لمستقبل القطريين أنفسهم، وهي مبنية على الحكمة والبصيرة وفيها فائدة للجميع”، فمتى كان تجويع وأذية المسلم والإضرار به فيه مصلحة ومنفعة للمسلمين؟ والحق أن أذية المسلمين من المعاصي والإثم العظيم الذي يقترفه فاعله، وإن الله تعالى قد أمر باحترام المسلم كعضو قوي في أمة هي خير أمة أخرجت للناس، وبين إثم أذية المسلمين فقال جل جلاله: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا)  (الأحزاب:58).

أولم يعلم هؤلاء إن إيذاء المؤمنين وغيرهم من الناس بغير حق له صور منصوص عليها في القرآن الكريم والسنة المطهرة. ولقد أعلنها نبينا عليه الصلاة والسلام في يوم الوداع العظيم، وهو يلقي آخر نظراته على هذه الأمة ويودعها الوداع الأخير، وهو يقول: “إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا فليبلغ الشاهد الغائب” (صحيح البخاري، ومسلم).

فقد بين عليه الصلاة والسلام في هذا الإعلان الأخير بعض صور أذية المسلمين وأن من أشدها أذية: قتل النفس التي حرم الله قتلها، وقد بين القرآن جريمة ذلك، فقال تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) النساء:93، وقال تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا. وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيا) النساء من الآية:29-30.

وصحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً» (صحيح البخاري). وإن من المنذرات بالهلكة في هذا الزمان: تعدي الناس على سفك دماء المسلمين، واستحلال دمائهم؛ لغرض من أغراض الدنيا الفانية، فكم رأينا من دماء تسفك من أجل ذلك، وهذا والله لهو منذر بقرب الساعة. وكما كانت حرمة دم المسلم عظيمة، فإن لعنه وتفسيقه لا تقل حرمة عنه، ففي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبوابها دونها ثم تهبط إلى الأرض فتنغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يميناً وشمالاً فإذا لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لُعن، فإن كان أهلاً وإلا رجعت إلى قائلها” (رواه أبو داوود، قال الألباني: حسن لغيره). وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سِباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» (متفق عليه). وفي صحيح البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: «لا يرمي رجل رجلاً بالفسق والكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك» (صحيح البخاري).

لقد أدرك العلماء عبر تاريخ الأمة الممتد من العهد النبوي فالراشدي إلى العهد العثماني أنهم هم من يبصّر الأمة الحق ويبعدها عن الزيغ والزلل، فهم من قرؤا وامتثلوا قول الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام (العلماء ورثة الأنبياء) وهم من قرؤا قول الحق سبحانه: “الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ“، وهم من سطّروا لنا مواقف المحاسبة وقول الحق والصدع به مهما كانت الصعاب، فمنهم الأمام أحمد بن حنبل الذي ضرب أروع الأمثلة في محاسبة “المسؤول” و رده عن سوء تقديره و ظلمه حتى قال مقولته المشهورة التي تكتب بمداد من ذهب (إذا أجاب العالم تقية والجاهل يجهل فمتى يتبين الحق؟!)، ومنهم الإمام أبو حنيفة ومالك منهم العز بن عبد السلام، ومنهم سعيد بن جبير ومنهم أبو حازم التابعي الجليل وابن تيمية… الخ.

أما شيوخ وفقهاء ونخب السوء والسلاطين، عملاء الأجهزة الأمنية قديما وحديثا فكانوا كثيرين بلا حصر لأنهم كانوا أضعف من المواجهة أو إن طبيعتهم تدفعهم إلى النفاق والتزلف وانتظار المنفعة! لقد ابتليت الكثير من البلدان “الإسلامية” بهذا الصنف الذي طوع الدين حسب أهواء وغايات الأجهزة الأمنية والحكام، ودلسوا على الناس كي يقبلوا ما يعد حرامًا سياسيًّا وطغيانًا سافرًا. ولم يكن سلوكهم الشخصي أو تطبيقهم العملي للإسلام فوق مستوى الشبهات، مما مكن الأجهزة الأمنية أن تحتفظ بما يدينهم ويفضحهم أمام الناس عند استخدامه وقت اللزوم.. فأغلقوا أفواههم لا يتكلمون الا بقدر المطلوب منهم وراحوا يتقربون إلى هذا المسؤول أو ذاك ويتوددون إليه ويتطوعون بالثناء عليه وهم يعلمون أنهم لا يحسنون صنعًا.

عندما يحاصر شعب قطر المسلم ظلما وعدونا، وعندما تسيل دماء المصريين أنهارًا بالغدر والخسة والعدوان السافر على يد الانقلابين وبلطجيتهم، ويسقط الغزاويين تحث وطأة الحصار، ويموت العراقيين والسوريين بأسلحة أمريكا وروسيا والغرب الصليبي بصفة عامة، ويموت الأبرياء بليبيا بأسلحة حفتر.. وتتجاوز الأعداد المئات بل الألوف والملايين، ويحكم على الأبرياء في مصر بالإعدامات بالجملة.. ويسجن المئات من الائمة والدعاة والعلماء في أرض الحرمين ظلما وعدوانا.

ويصمت فقهاء “الخسة والسلاطين” ولا ينطقون، وعندما ينطلق الناس في الشوارع للتعبير عن غضبهم سلميًّا من سياسة الحكرة والتهميش ومناصرة المظلومين، نجد هؤلاء “الرويبضة” من فقهاء السوء والسلاطين في مخالفة شرعية صريحة كما ورد في قوله تعالى في الآية 58 من سورة الاحزاب: “وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً“، يصفون المتظاهرين بمثيري الفتنة وبالإرهابيين.. ويدعون أنهم يثيرون الذعر بين المواطنين ويروعون أمنهم‏ ويمسون بأمن الدولة العام، ولا يكتفون بذلك بل يطالبون الاجهزة الامنية بالتعامل معهم بكل قوة لتحقيق ما يسمى أمن المواطنين جميعًا وسلامتهم.. بدلاً أن يقولوا للمسؤولين اتقوا الله في العباد وكفوا وتوقفوا عن تهميش الناس واحتقارهم وأكل حقوقهم “الثقافية، والاقتصادية، والسياسية بالباطل”.. يطلبون من الضحية الصمت والاستسلام.

يقول تعالى: (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) للدلالة على عظم جريمة قتل النفس بغير حق، والشاهد أن النظام العسكري الانقلابي المصري حليف السعوديين والإماراتيين يقتل في أبناء مصر كل يوم دون أن نسمع من علماء السلاطين عن موقف شرعي وفق المضمون الشرعي الإسلامي.. وهو نفس الموقف الغائب في موضوع محاصرة غزة وما يتسبب فيه ذلك من قتل الأبرياء، وها هي ذات الجهات التي تحاصر غزة وتسببت بشكل مباشر في تدمير العراق ومعاناة شعبه تحاول فعل نفس الشيء مع قطر بمباركة من شيوخ ودعاة السوء والسلاطين.

ترى هل يمكن أن نقارن مواقف فقهاء وشيوخ السوء والسلاطين هؤلاء بموقف بابا الفاتيكان الذي وصف المجازر التي جرت في مصر بأنها جرائم ضد الإنسانية؟ ثم أدان محاصرة قطر.. البابا أكثر منهم شجاعةً وأشد يقظة وأفضل إنسانية. إننا نقول لهم إن التاريخ يسجل بحروفٍ من نور من ينحازون إلى الله والعقيدة والشريعة والمسلمين. وتبت يدا أبي لهب وتب! فمتى تتعطون يا علماء السوء والسلاطين وترجعون إلى الطريق الصحيح؟ متى ستتوقفون عن استخدام فقه الضرورة – حيث لا توجد ضرورة – لتحليل كافة المحرمات؟ هل أنتم على استعداد لتحمل وزر مقتل الآلاف من المسلمين بغير ذنب أو مسوغ شرعي سوى التواجد في مهد آبائهم والوقوف في وجه الطغاة والمخططات الإمبريالية الجديدة؟

التحليل يطول والتساؤلات تتناسل يا علماء السوء وهي ليست قاصرة عليكم فقط بل هي تخص كل من شايع وأيد تجاوزات المسؤولين ضد الشعوب الإسلامية.. واعلموا أنّ المرء يُحشر مع من أحب فاختاروا مع من تحبوا أن تحشرون يا فقهاء وأئمة ونخب السوء والسلاطين مع القتلة أم مع الضحايا المظلومين.. خاصةً وأن معظمكم جرت به السنين وصرتم قاب قوسين أو أدنى من القبر وحينها وأنتم أدرى بسبب علمكم كيف سيكون منقلبكم وكذلك أنتم أدرى بشروط التوبة وأولها الندم ويتبعه الإقلاع عن الذنب ومن ثم بقية الشروط فهل أنتم تائبون غفر الله لي ولكم؟

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى