سوق الدعوة و الدعاة في زمن الإشاعة والشبهات
بقلم أ. د. بلخير طاهري الإدريسي الحسني (خاص بالمنتدى)
إن المتأمل اليوم في حال شبابنا بل حتى كهولنا هو ضعف التدين والعزوف عنه.
وقد أرجع ذلك إلى بعض الأسباب التي أراها جديرة بالدراسة و التأمل و الاستدراك.
وقد نبه النبي صلى الله عليه و سلم إلى أهم معالم الصراع الذي يعيشه الإنسان في معركة الحياة .
فعن سيدنا ابن عباس رضي الله عنه قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لرجلٍ وهو يَعِظُه : اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ : شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك”.
فمن يرجع العقول إلى هذه المقاصد السنية و المعادلات الثنائية إن لم تتحرك عجلة الدعاة ، و إحياء الدعوة الفردية بشكل خاص، و إعادة النظر في الجماعية التي أصابها الدخن!!!
أولا: أسباب ضعف التدين في الواقع المعاصر:
1_ قوة الباطل المادية والإعلامية، مع إحتكار و توجيه المعلومة.
2_ سيطرة الأنظمة الاستبدادية على شعوبها و توجيه الوعي إلى نظرية القطيع و التأطير.
3_ شيوع الفاحشة بل و تقنينها، في حياة المجتمع . و تسهيل و تيسير كل طرق الانحلال الأخلاقي.
4_ عدم وجود فضاءات محصنة لاستيعاب الشباب ، تثبيتا و دعوة.
5_ تشويه صورة التدين، و أنه مطية إلى التزمت، و الارهاب .
6_ تضييق فرص العمل و المشاركة في الحياة العامة لكل من يحمل مظاهر التدين ( اللباس ، اللحية ، العفة، عدم الكذب ….).
7_ التشكيك في القواطع، و الدعوة إلى علمنة التدين، أو ما يسمى التدين الفردي الذي ليس له أثر في المجتمع.
8_ كثرة وتنوع مناهج وصور و مذاهب وفرق التدين، وإدخال المدعو في دوامة الحيرة!!
9_غياب القدوة التي تغري في الأروقة لا في الأوراق…
10_ تقاعس الدعاة و الركون إلى ما ليس فيه كلفة، والخشية على ضياع المكاسب و المناصب، و أكثرها الخوف من بطش السلطان، إلا من ثبته الله .
ثانيا: سوق الدعوة و ضوابطه:
1_ أن تكون مالكاً حقيقياً لرصيد الدعوة: إعرض بضاعتك من الأفكار الدعوية بأصالتها و كما هي حيازة لا ادعاء .
2_ عدم النجش: في بخس بضاعة الغير زوراً و بهتاناً بنية التنفير.
3_ عدم التدليس: في بضاعة الدعوة، و هذا بانتحال الألقاب، و تصحيح الضعيف و تضعيف الصحيح.
4_ عدم التغرير : و إدخال الغرر في ميدان الدعوة باعتبار كل من هو معك فهو من الطائفة الناجية المنصورة، و كل من يخالفه في المنهج الفكري فهو في النار.
5_ عدم الغبن: وهذا من خلال استغلال حاجة الأفراد و ضعفهم و قلة ذات اليد.، فلطالما استعبد الإحسان إنسانا
ثالثا: سوق الدعاة و مؤهلاته:
1_ العلم : لا بد للداعية من علم يبصره ويهديه ( فاعلم أنه. لا إله إلا الله…)
2_ التجرد : و هو أن يخلص الداعية كلمته أن تكون لله ، متجردة عن كل طمع دنيوي أو مصلحة خاصة ( فمن كانت هجرته لله و رسوله …)
3_ الصدق : الرائد لا يكذب أهله، و إياك و التبرير عند التقصير فما نجى كعب بن مالك إلا الصدق ( ولا زال العبد يكذب ويتحرى الكذب ، حتى يكتب عند الله كذابا ….والكذب يهدي إلى الفجور …)
4_ الصبر و المتابعة: على طريق الدعوة والاستعداد للبلاء من غير أن تطلبه، و الصبر على المدعويين فهم رأس مالك ( لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من الدنيا و ما فيها …..) ( و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم ….) ، و المتابعة لهم في أهم أمور دينهم ( و لا تعدو عيناكِ عنهم ….) .
5_ البذل: و البذل أنواع :
أولا: بذل الوقت ، و ثانيها: بذل العلم ، و ثالثها: بذل الإنفاق بالميسور.
الخلاصة:
إن واجب الدعوة أصبح أشد مما كان عليه قبل ، حيث كان الصراع مع الباطل أو الكافر بوجهه الحقيقي في وقت مضى، أما اليوم فإن الإسلام يواجه من أبناء جلدته، و من أقرب الناس إليه و هذا ما وضحته رسالة ورقة بن نوفل إلى النبي صلى الله عليه و سلم.( سوف يخرجك قومك ، قال : أو مخرجي هم ، قال : ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا وعودي و في رواية إلا وأوذي ، و كلاهما في صحيح البخاري .
فهذه هي طبيعة المرحلة و طبيعة التحولات في الصراع بين الحق والباطل : ( بدأ الإسلام غريبا ، وسوف يعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء، قيل و من الغرباء يا رسول الله قال : في رواية الذين يُصلِحون ما أفسد الناس . و في رواية الذين يٓصلُحون عند فساد الناس .
عن أنس بن مالك و أبي هريرة رضي الله عنهما، قالا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:” سيأتِي على الناسِ سنواتٌ خدّاعاتٌ؛ يُصدَّقُ فيها الكاذِبُ، ويُكذَّبُ فيها الصادِقُ، ويُؤتَمَنُ فيها الخائِنُ، ويخَوَّنُ فيها الأمينُ، وينطِقُ فيها الرُّويْبِضَةُ . قِيلَ : وما الرُّويْبِضةُ ؟ قال : الرجُلُ التّافِهُ يتَكلَّمُ في أمرِ العامةِ”.
فاللهم اهدِ شبابنا ، و أصلح أحوالنا ، و رد حكامنا إلى دينك ردا جميلا يا رب يارب يارب.