مقالاتمقالات المنتدى

سلسلة قدوات من التاريخ الإسلامي (10) – الفقيه عبد الله ابن ياسين: الزعيم الصادق المتّزن صاحب الإرادة القوية…

سلسلة قدوات من التاريخ الإسلامي (10)

الفقيه عبد الله  ابن ياسين: الزعيم الصادق المتّزن صاحب الإرادة القوية…

 

بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)

 

تميزت شخصية الزعيم عبد الله بن ياسين بمجموعة من الصفات المكتسبة الفذة و التي كان لها الأثر الكبير في التكوبن الديني و السياسي والأخلاقي لتلامذته الذين حملوا مشعل الدعوة وبناء الدولة المرابطية من بعده ويمكن ان نجمل تلك الصفات المكتسبة في التالي:

1 ـ الصدق:

وظهر ذلك في أقواله وأفعاله ومخالطته للناس، فكان صادقاً في دعوتهِ وفي عرضها، وفي مخاطبته للناس، ولا يهاب أحداً، ولا يخشى في اللهِ لومةَ لائم، ولا همزةَ هماز، ولا لمز لماز.

ولمس الناس صدقه في أمره بالمعروفِ ونهيه عن المنكر وفي حربه للبدع وفي تعليمه للناس وجهاده في سبيلِ اللهِ، فتأثر أتباعه به غاية التأثر.

وحثنا القُرانُ الكريم على التخلق بهذه الصفة، فقال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 35] وقال تعالى: ﴿وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ﴾ [الأحزاب: 35 ]

وكانت التوجيهات النبوية الكريمة للصحابة رضوان الله عليهم تحثهم على الصدق، فعن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبيّ ﷺ أنه قال: «إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً».

ويعتبر الصدق من أهم صفات المنتسبين للعمل الإسلامي القائمين بإرشاد الناس إلى دين الله، فليعلم ذلك كل داعية، وَلْيَعِ تماماً أن دعوته جاءت بالصدق، كما قال تعالى:

﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [الزمر :33]

وقد شهد المؤرخون حتى الذين طعنوا في دولة المرابطين على صدق زعيمها عبد الله بن ياسين، فلقد ساد ابن ياسين في قبائل الملثمين بصدقه في دعوته.

2 ـ ضبط النفس والابتعاد عن التهور والانفعال:

ويظهر ذلك جلياً في شخصية ابن ياسين عندما باشر الأمير يحيى بن عمر اللمتوني القتال، أدَّبه ابن ياسين وضربه بالسوط عشرين مرة وبين له أن ذلكَ خطأ، لأن الأمير لا يقاتل وإنما يحرض الناس ويقوي نفوسهم، فإن حياة الأمير حياة عسكره، وموته فناء جيشه.

واعتبر عبد الله بن ياسين أن إقدام الأمير يحيى على القتال فيه تهور وعدم ضبط النفس.

كما يدل على ضبط نفس الفقيه ابن ياسين، وابتعاده عن التهور أنه لم يعلن الجهاد حتى أعد عدته، واستكمل أمره وأخذه بمراحله، وربى رجاله، ولذلك عندما خاض جهاده كان موفقاً منصوراً، ولم تستطيع القوة المعارضة له أن تقضي عليه.

إن الداعية يتعرض أثناء قيامه بعمله الإصلاحي إلى كثير من الجدال، والتحدي والأذى، فعليهِ أن يتحلى بالصبر وضبط النفس؛ لأن طريق الدعوة كما هو معروف طويل ويحتاج إلى صبر حتى الوصول إلى نهايته.

فعملية ضبط النفس وعدم التهور والإسراع في تهدئة الجو مطلوب من الداعية قبل التورط فيما لا تُحمد عقباه.

إن ضبط النفس يتم بموازين محددة تقي صاحبها من مغبة انسياقه وراء ما يصور له خياله، ويراه في نظره هو الأسلم فعندئذٍ يغضب، ويندفع ويتعجل الأمور فيتورط، ولقد ذكر لنا القران قصة تعطي هذه المعاني، وتصورها لنا تصويراً كأننا نلمسه ونشاهده، تلك قصة الملأ من بني إسرائيل:

﴿إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة:247]

وفي هذه القصة عبر وعظات، فإن أشد الناس حماسة واندفاعاً وتهوراً، قد يكون أشد الناس جزعاً وانهياراً ونقضاً للعهد: ﴿قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أخرجنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة :247]

وهكذا نكثوا وعدهم، وتفلتوا من الطاعة، ونكصوا عن التكليف، وهذا شأن المتهورين المتسرعين، الذين لا يقدرون الظروف، ولا يحسبون حساباً صحيحاً، ولا يعرفون قيمة للتكاليف الملقاة على عاتقهم.( أبي زرع الفاسي، 1972، ص79)

ورحم اللهُ الشيخ حسن البنا حيث يقول: «أيها الإخوان المسلمون، وبخاصة المتحمسون المتعجلون منكم، اسمعوها مني كلمة عالية داوية من فوق هذا المنبر في مؤتمركم هذا الجامع ؛ إن طريقكم هذا مرسومة خطواته، موضوعة حدوده، ولست مخالفاً هذه الحدود التي اقتنعت كل الاقتناع بأنها أسلمُ طريق للوصول، فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها، أو يقطف زهرة قبل أوانها، فلست معه في ذلكَ بحال، وخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلى غيرها من الدعوات… ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف، وألزموا الخيال صدق الحقيقة، والواقع، واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة، ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة، ولا تصادموا نواميس الكون ؛ فإنها غلابة، ولكن غالبوها، واستخدموها، وحوّلوا تيارها، واستعينوا ببعضها على بعض، وترقبوا ساعة النصر وما هي منكم ببعيد».( القطان، 1989، ص44)

فينبغي على العاملين في الحركة الإسلامية أن يدركوا هذا جيداً، ويتركوا الحماس المتهور، ويتفهموا أصول العمل ويدركوا الواقع الذي يحيط بهم، وينبذوا المجازفات الفاشلة ؛ لأن واقعنا المعاصر يحتاج إلى صفة ضبط النفس وعدم التهور للعاملين في الدعوة إلى الله عز وجل.

3 ـ الإرادة القوية:

لقد شهد المؤرخون المسلمون وغيرهم أن ابن ياسين ـ رحمه الله تعالى ـ كان ذا همة وعزيمة لا تهزها الجبال، امن بسمو دعوتهِ، وقدسية فكرته، وعزم على أن يعش لها ويموت في سبيلها، وأدرك أن الأمانة التي يحملها ودخل بها الصحراء الكبرى تبعتها عظيمة، فعليه أن يصبر في عزيمة قوية، وإيمان ثابت، ويقين لا يدخلهُ تردد ولا شك.

فداومَ على العملِ الجادِ وأخذ بقوة وعزم ومثابرةٍ، ومصابرةٍ حتى تحقق إعزاز دينِ اللهِ في تلكَ الصحارى القاحلة المقفرة الخالية من العلماء والفقهاء، فأصبحت بفضل الله ثم بجهده وجهاده مليئة بالدعاة والفقهاء والعلماء والمجاهدين.

فينبغي علينا ـ ونحن في طريق الدعوةِ سائرون ـ أن نأخذ أمر الدعوة بقوة، وإرادة قوية، وعزيمة ماضية، وهمة متطلعة للمعالي، ونترك حياة الرخاء واللين والدعة، ونقتدي بسيد الدعاة الرسول ﷺ في عزمه وقوة إرادتهِ وجمال صبره وشدة تحمله وعظم حلمه.( حسين، 1986، ص42)

 

_______________________________________________________

مراجع البحث:

علي محمد الصلابي، تاريخ دولتي المرابطين والموحدين في الشمال الإفريقي، دار المعرفة بيروت، 1426ه-2006م ص27-30

علي بن أبي زرع الفاسي،الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس، دار المنصور للطباعة والوراقة، الرباط،1392ه-1972

مؤلف مجهول، الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية، اعتنى بنشره السيد بشير الفورتي، تونس 1329 هـ.1911م

أحمد القطان، الصفات اللازمة للدعاة إلى الله، إصدار لجنة البحوث في مكتبة دار الدعوة – الكويت،1409ه-1989م

حمدي عبد المنعم محمد حسين، تاريخ المغرب والأندلس في عصر المرابطين، مؤسسة شباب الجامعة طبعة 1406ه-1986م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى