سقوط مرجعية تمرَّغت بوحل السياسة
بقلم عبد الرحمن جعفر الكناني
سقطت مرجعياتٌ دينية في وحل السياسة، والهالة القدسية التي أحاطت بها نفسها، لم تعد تغري أحدا، أما نداءاتها المنبرية، فتمرّ مثل هواء في شباك، لا تلزم منتفضا يعرف مكامن الحق.
ما كانت المرجعيات تعتلي منبر صدق في يوم ما، هي غطاء منظومة سياسية، أفسدت الحياة الدنيا، وقلّبت شرائع السماء، وأسقطت مبادئ الحق المبين، ولم تجد غير عمامة تتخفى وراءها، لها قدرة إسكات الحشود، وإشغالهم بطقوس لم ينزل بها من سلطان.
لا تكتمل السياسة في أداء دورها دون واجهة دينية، تبارك مسارها الملتوي، وتشاغل المؤمنين بوعد شفاعة يوم يقوم الحساب الإلهي، ليتمادى السياسي الحاكم في غيه دون حساب، ضامنا بقاءه المنبوذ دون عقاب.
شعب يصارع الموت أشكالا وألوانا تعددت في دنياه، ومرجعيات دينية تتسع بثرائها، بينما تتسع دائرة المؤمنين فقرا، وتفتح الشوارع أرصفتها مكانا مهينا للمتسولين.
مرجعية تقفل خزائنها على مال حرام، ثمنا لنفاق يزيد وزن حاكم عابث بمصير العباد، وفتاوى جعلت من الوطن سلعة تباع في سوق الطامعين، ويبسط عباءته مقعدا لقاتل يتوضأ بدماء الأبرياء.
مرجعية شغلت المنابر في يوم مبارك، ولم تعد تشغل عقولا أدركت أن الخالق أقرب إلى المخلوق دون مرجع وسيط، يمنح ذاته ألقابا قدسية روحية، توحي بأنه وكيل السماء فوق الأرض، وطاعته فرض، وأبواب الجنة مغطاة بعباءته، ومفاتيح أبوابها في جيبه..!
نداءات “المرجع الأعلى في النجف” لم يأخذ بها أحد، حتى السلطات الحاكمة التي تحتمي به مذهبيا، لم تستمع لنداءاته، قوة المشهد في مدن العراق تجاوزته، ودوره شارف على الانتهاء، وفتاويه لم تجد من يأخذ بها.
علي السيستاني “المرجع الشيعي الأعلى” الذي يحمل الجنسية الإيرانية، كان النجم الأوحد أبان الغزو الأمريكي العسكري للعراق، وله الكلمة الفصل، تنتقل إليه الوفود الرسمية، بعد لقائها الحاكم المدني آنذاك “بول برايمر”، فالبلاد في ظل حاكمين، مدني نصَّبه الاحتلال العسكري، وديني مرجعي يشرعن فعل المحتل، ويحرِّم مقاومته.
دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي في عهد الرئيس جورج بوش، الذي يحمل وزر تعذيب السجناء الفاضح في سجن “أبو غريب” جعل من “المرجع علي السيستاني” أداته الدينية التي توجِّه الحشود البشرية كما يشاء، مقابل مبلغ مغر وصل إلى 250 مليون دولار لم يكن يحلم بها من قبل.
موقفٌ فاضح كان بداية سقوط “المرجعية” التي التزمت الصمت إزاء جرائم الاحتلال الأمريكي في 2003، قبل أن تضع تحت عباءتها حكومة فاسدة تدار من مركز القرار في طهران، نشرت ميليشياتِها الطائفية بسلاحها الخارج عن القانون، والخاضعة لسلطة “الحرس الثوري” الإيراني.
تراكمت مشاهد السقوط “المرجعي المذهبي” في وحل السياسة المنحرفة، وكأنها تؤبِّن نفسها في آخر خطبة جمعة لها في ظهر مرقد الإمام علي بن أبي طالب، فما عاد لها القدرة على إغواء مؤمن، أو حماية فاسد دخيل، هبَّ الشعب العراقي لإسقاطهم جميعا.
(المصدر: صحيفة بوابة الشروق الالكترونية)