مقالاتمقالات مختارة

سجود الشمس تحت العرش ..!

بقلم أيوب أبسومي

هذه قضية من القضايا التي تُشوِّش العقول، وتبعثر للناس الفهوم، فمنهم مُسَلِّمٌ ومنهم مُلحِد، وكثير نَخَرَه الشك والتردد، ولذا نحاول ههنا أن نرفع شيئا من اللُّبس، ونوضِّح بعضاً من الحق، لأن هذه القضية قضيةٌّ إخبارية لا تنبني عليها عقيدة ولا تؤسَّس عليها شريعة..

أصل الخبر:

عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: “قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ: (أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ)؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ العَرْشِ، فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلاَ يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنَ فَلاَ يُؤْذَنَ لَهَا، يُقَالُ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ) يس/38 [1].

والسؤال المطروح كالآتي: بما أنه ورد في الحديث أن الشمس تسجد، فهاهِيَ ذِي تظهر بجلاء أمام أعيننا، فأين تسجد أو تركع؟!

قبل كل شيء لابد من الإشارة إلى مقدمة مركزية تقوم على ثلاثة شروط مهمة هي:

أولا: يجب عدم تجاوز وجود الله، فلا تستقيم الإجابة عن فرع في حين أن أصلَه غير مُعترَف به، لذا نشترط لقراءة هذا المقال، أن يُسلَّمَ بوجود الله، وإلا فانطلاقة القارئ ليس من هنا، بل من إصلاح الأصل حتى لا يستغرب ما جاء حول الفرع..

ثانيا: تَجدُر الإشارة إلى أن الله على كل شيء قدير، هذه صفةٌ للإله، التي لابد أن تكون معلومة لأن تمام الصفات لله، ومنها القدرة المطلقة على جعل مخلوقاته على أي صورة شاء.

ثالثا: أن علم الإنسان محدود وجهله بشيء لا يعني انعدامه، بناءً على قاعدة أن عَدَمَ العلم بالدليل ليس علماً بالعدم، وعدمَ الوجدان ليس نفياً للوجود، فكما أن الإثبات يحتاج إلى دليل، فكذلك النفي يحتاج إلى دليل، وليس كل ما هو معلوم يثبت بناء على العقل، بل يُمكن إثبات الشيء بالسمع أو النظر، والعكس أيضا صحيح..

بعد هذه المقدمة نُعرِّجُ إلى الحديث، الذي من أجل فهمه نحتاج إلى تفكيك مركباته الأساسية، وهي العرش والشمس والسجود و(الذهاب والغروب).

● نبدأ بالسجود، ولعل ما يتبادر إلى الذهن أن الشمس تَثني رُكْبَتَيها وتضع جبهَتَها على الأرض تماما كما يفعل الإنسان، وهنا مَكمَنُ الخطإ ومَنبع الإشكال، إذ أن إساءة فهم كيفية سجود الشمس يقود إلى تصوُّرِها ككيفية سجود الإنسان، بالتالي الاستغراب من عدم تحيُّزِها في مكان كما يحصل للإنسان، غير أن دلالة السجود أوسع مما يوجد في اصطلاح صلاة الإنسان، وذلك أن من معاني السجود الخضوع، ومعنى ذلك أن الشمس خاضعة لربها في أداء وظيفتها، فهي في (سجود – خضوع) حتى يأذن الله لها بتغيير وظيفتها لتطلع من المغرب بدل المشرق، وكيفية ذلك من أمر الله، ثم خذ هذه الآية: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ۩} فما للشجر نراه ليلاً وَنهاراً قائما على سوقه، لا يتحرك ولا يتململ، فهل هذا يعني أنه لا يسجد لله أم أن شجر بلدنا كافر ربَّه، كلا، لكن كيفية سجوده غائبة عنا كحال تسبيحه، كما قال ربنا {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ۚ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} وهنا أراحك الله من تطلب فهم كيفية التسبيح، وظهر أن تسبيحهم الذي يكون عادة لفظيا مختلِف عن تسبيحنا، فكيف بالفعلي كالسجود، فالأمر أعسر على الإدراك وأبعد، وعليه فقياس السجود الشمسي على سجود الآدميين وانتظار معاينة نفس النتيجة قياس فاسد وأمر غير منطقي..

● أما لفظة الغروب، فهذا المصطلح أيضا لا يجب أن يُفهم وفق سياق زماننا الضيق، بل يجب أن يفهم وفق منطوق العرب ولسانهم الواسع، لأن النبي خاطب صحابته بما يفهمون، فالعرب لا تُطلق لفظة الغروب فقط على ما يتبادر إلى الذهن من غياب ضوء الشمس وحلول الليل، وإنما تطلقه على معان كثيرة منها الذهاب والنزوح والسير غربا، فيقولون أغرب فلان أي سار غربا، ولذلك ضم الحديث لفظتي (غربت – تذهب). وكذلك تفعل الشمس من منظور الإنسان، فهي التي تنتقل من مكانها، فضلا عن مسألة دوران الأرض حول الشمس أو العكس، فعينُ الإنسان ولسانُه، ومِن عادتِه ملاحظة أن الشمس هي التي تغرب، (نقول عادةً غربت الشمس ولا نقول دارت الأرض)، وعليه فإن الشمس كلما تحركت غربا سجدت لربها، مما يوحي بديمومة سجودها، أي دوام خضوعها، لأنها تغرب في مصر فتسجد ثم تغرب في ليبيا فتسجد ثم تونس فتسجد وهكذا، فهي دائمة السجود، دائمة الخضوع، ومثال بسيط لذلك هو أن تقول كلما خطوتَ خطوة سبَّحتَ الله، فهذا لا يجعل جمع التسبيح والمشي ممتنعا، بل ممكنا، كذلك السجود (ما لم نعتبر سجود الشمس كسجود الإنسان).

● العرش وهو مما لا يعلم شكله وعينه إلا الله، وبالتالي فلا يمكن قياسه على المسجد الذي يدخله الرجل ليسجد فيه ثم بعدها يعود إلى عمله. لأن هذا قياس مجهولٍ على معلومٍ بلا قرينة، وهذا لا يستقيم.. وبالتالي فلا حجة لمن فهم لزوم غياب الشمس عن الأرض كلها لتذهب للسجود عند العرش..

● الشمس، وهي مما أدركنا الكثير من مادتها، لكن في حدود حواسّ وقدرات البشر، – كدرجة حرارتها – ، أما تصرفاتها الماورائية كسجودها، فأمر غيبي يستلزم التسليم.

وخلاصة الحديث ومعناه، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخاطب صحابته من أجل أن يفهموا فيزياء الشمس وشكلها ومكان سجودها وكيفية ذلك، بزوايا فيثاغورس ودوائر أرخميدس، بل خاطبهم بالمعنى الذي يُفهَم منه خضوع الشمس رغم عِظَمها لله تعالى، ولذلك فَهِمَ الصحابة ولم يستشكل عليهم الأمر، لأنهم غالبا ما يُعَقِّبون بسؤال استفساري كلما الْتَبَسَ عليهم أمر من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ۚ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}

والله أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــ

[1] : أخرجه من طريق الأعمش كل من البخاري في “صحيحه” (رقم/3199، 4802، 7424)، ومسلم في “صحيحه” (رقم/159)، وأبو داود الطيالسي في “المسند” (1/368)، وأحمد بن حنبل في “المسند” (35/282، 429)، والترمذي في “السنن” (رقم/2186، 3227) وقال : “حسن صحيح” وغيرهم كثير..

(المصدر: مركز يقين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى