رمضان وطوفان الدم
بقلم د. سلمان السعودي (خاص بالمنتدى)
الحمد لله الذي بيده مقادير كل شيء، وأثبت ذلك في كتابه، فقال تعالى: ” وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ” وقال تعالى: ” مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ “، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وآله وصحبه أجمعين .. وبعد.
يهل شهر رمضان هذا العام والأمة الإسلامية والعربية في أذل ما تكون عبر التاريخ، ليس ضعفا في العتاد والعدة والعدد، ولكن: ضعف في الإعداد الذي طلبه الله تعالى منها في قوله تعالى: ” وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ‘.
أمة أرادت لنفسها الذلة فأذلها الله تعالى، وجعل لعصابة مارقة عبر التاريخ، طردوا من بلاد شتى لسوء أخلاقهم، وغدرهم، وخيانتهم، جعل الله لهم سلطانا على الأمة التي قال الله فيها: ” كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ” فعندما تفقد الأمة الخيرية المتمثلة بالإيمان الحقيقي والذي هو شرط السيادة، يسلط الله عليها عدوها، ويجعل الله لعدوها عليها سبيلا، قال تعالى: ” وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا “.
الأمة العربية أعدت العدة، والعتاد، والعدد، ولكن لم يكن الإعداد يوما من أجل مواجهة عدوها الحقيقي، أو صده، أو من أجل نشر دين الله تعالى الذي هو شرط الخيرية فيها الذي بينه الله تعالى في قوله: ” كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ” وقالتعالى: ” تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ “، إنما إعدادهم لحماية حدودهم من بعضهم البعض في الخطة الجغرافسياسية التي أعدها اعداؤهم لهم ( فرق تسود ) خطة “سايكس بيكو” وجاء في الحديث الصحيح، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلا لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلا لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلا لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود .
يهل شهر رمضان وهناك فئة قليلة من الأمة، نذرت أنفسها رأس حربة في وجه عدو الأمة، فئة مرابطة في البلاد التي باركها الله تعالى، دفاعا عن الدين والمقدسات، وفي مقدمتها المسجد الأقصى، قبلة المسلمين الأولى، ومسرى خاتم الأنبياء، وأرض المحشر والمنشر.
يهل عليها شهر رمضان وهي تعيش طوفان الدم، تعيش ملحمة إبادة لم يعهدها التاريخ، ملحمة إبادة أعلنت عليهم بالتجويع، والذبح، والدمار، والتهجير من قبل المنظمة الصهيونية العالمية، والمتمثلة بدولة الاحتلال الإسرائيلي، وأمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، والمانيا، ومجموعة من دول الغرب التي تتشدق بالحرية والمساواة والعدل، وحماية الحيوان، ولكن عندما يكون المسلم في عقيدتهم المزورة، وشريعتهم الوضعة أقل درجة من الحيوان، يكون هذا هو موقفهم وتصرفهم مع هذا المخلوق المسمى ( مسلم ) والأعجب من ذلك: موقف الأمة العربية والإسلامية الممثل بمشاركة بعض الأنظمة في هذه الإبادة بطرق ووسائل متعددة، وسيف الصمت القاتل غدرا في ظهر هذه الفئة المجاهدة.
أمة خانت الله ورسوله والمؤمنين في إعراضها عن أمره حين أمرهم في قول تعالى: ” وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ “، وتركوا أهل غزة وحدهم يواجهون عدو الأمة، ومخططه الإجرامي في إبادة لم يشهد لها التاريخ مثيل من أجل تهجير الشعب الفلسطيني، وإنهاء القضية الفلسطينية التي تعتبر عقبة عظمى في وجه تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد بسيادة صهيونية.
يهل شهر رمضان على أهل غزة وهم على مقصلة الإبادة، يذبحون جوعا وعطشان وبردا وقصفا وتشريدا، ودول الطوق ما زالوا متشبثين بمعاهدات قد نقضها عدوهم، فيمتنعون عن إغاثة هذا الشعب المكلوم في امتداد أمته العربية والإسلامية بأمر من عدوهم، وقد فقدوا سيادتهم على حدودهم، إذعانا لأمر الصمت الذي أمرهم به النتن ياهو.
يهل شهر رمضان على غزة وشوارع وانقاض بيوتها ملونة بسواد الحرائق ودماء الشهداء والجرحى، تفوح كل الازقة والساحات برائحة الموت وما زال العرب والمسلمون يقفون عند حدود الشجب والاستنكار خجلا.
ولكن هذا الشعب يقف في صعيد آخر، صعيد اليقين والإيمان بوعد الله تعالى الذي قطعه على نفسه سبحانه بعد أن ذكر البلاء في قوله: ” وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ” ثم أعقبها بقوله: ” الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ” ثم بين الله تعالى عطاءه لهم وفضله عليهم بأنه سيمنحهم رحماته فقال: ” أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ “.
سيهل شهر رمضان وسيتم أهل غزة صيامهم المتواصل للشهر السادس، خمسة أشهر من الجوع العقابي، فيه صبر وتصبر وموت، وصيام طوعي تقربا لله تعالى أملا بأن ينالوا رحمات الله وفرجه.
هكذا يأتي شهر رمضان بلون الدم ليسطر على صفحات التاريخ عار الأمة، ويرفع أقواما لبوا نداء الجهاد.