رمزية د. محمد مرسي واستمرار الأزمة
بقلم م. أحمد مولانا
إن وفاة د. محمد مرسي أثناء إحدى جلسات محاكمته التي تعددت وتنوعت طوال ست سنوات أبى خلالها الاعتراف بشرعية الانقلاب رغم الظروف المأساوية التي وُضع فيها خلال تلك الفترة، والتي شملت الحبس الانفرادي والمنع من الزيارات أو تلقي العلاج، قد كرست من رمزيته، وجعلته أيقونة لرفض الظلم والاستبداد، ورمزًا لثورة يناير التي يعمل السيسي على وأدها في التراب بشكل كامل.
وإن هذا الموقف من د. مرسي بجوار موقفه ليلة الانقلاب في خطابه الأخير الشهير، هو الذي جعل ما قام به السيسي في 3 يوليو 2013 انقلابًا مكتمل الأركان، إذ لو أقر مرسي بشرعية ما قام به السيسي لما كان لأي اعتراض من آخرين على تحرك الجيش قيمة حقيقية أو تأثير. وقد فاجئ ذلك الموقف من د. مرسي خصومه الذين توهموا أن الرجل سيستجيب للأمر الواقع أو قد تكسره ضغوط السجن.
إن قيمة ورمزية موقف مرسي ليست وقتية آنية إنما تمثل نقطة فاصلة في التاريخ المصري المعاصر، حيث أثبت أحقية المدنيين في تولي الرئاسة والتمسك بها، وصار ما بعدها مختلفًا عما قبلها؛ حيث أصبح الصراع لأول مرة على شرعية ووجود منظومة الحكم العسكري لا على شرعية ووجود خصومه، وهو ما أقر به السيسي في عدة مناسبات قائلًا إن المعركة معركة وجود، وإن الدولة المصرية تتعرض منذ ثورة يناير لتهديد حقيقي.
وإن وفاة د. مرسي لن تغير من جوهر الأزمة التي تعيشها مصر شيئًا، فالأزمة تتلخص في أن العسكر يستأثرون بحكم الدولة ومقدراتها، وفي سبيل ذلك ارتكبوا كل الموبقات من قتل لآلاف المصريين، واعتقال لعشرات الآلاف غيرهم، والتصفية الجسدية خارج إطار القانون لمئات الأفراد، ومصادرة لأموال المعارضين، وإغلاق للقنوات الإعلامية، وحجب للمواقع الإخبارية، والتضييق على منظمات المجتمع المدني، وتسييس القضاء وتحويله إلى أداة قمعية في يد النظام، فضلًا عن تهجير أهالي الشريط الحدودي في سيناء وبالأخص سكان مدينة رفح، وتجريف ما يزيد عن 80% من الأراضي الصالحة للزراعة في شمال سيناء حسب تقرير صدر مؤخرًا من منظمة هيومن رايتس وتش، وكذلك انهارت بعض ركائز الأمن القومي المصري بعد أن رحب السيسي وسمح لإسرائيل بتنفيذ عمليات عسكرية داخل سيناء في سابقة تاريخية.
وليت النظام اكتفى بما سبق بل إنه عمل بأقصى طاقته على تسريع معدل إفقار المصريين عبر تنفيذ سياسات اقتصادية نيوليبرالية، تسحق الطبقة الوسطى وتكرس الفوارق في الثروة بين مكونات الشعب المصري، بما يكفل انشغال المواطنين بتحصيل الضروري من معاشهم الدنيوي، وذلك ضمن سعيه الدؤوب لتحطيم بنية المجتمع المصري إنسانيًا ودينيًا وفكريًا وثقافيًا لإجباره على الخضوع بشكل كامل.
وقد اتسم نظام السيسي دون من سبقوه بعدم تركه لأي هوامش ولو محدودة للعمل المجتمعي أو الدعوي فضلًا عن السياسي، إذ يعد السماح بأي هوامش قد يدفع مستقبلًا باتجاه تشكل قوى مجتمعية منظمة تمثل خطرًا على وجوده وتهديدًا لمستقبله. ولعل السيسي أصبح بتلك الممارسات أقرب حكام مصر المعاصرين شبهًا بالفراعنة القدامى الذين توهموا أنهم يملكون البلاد بما فيها، حتى قال قائلهم {أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي}. بل ولربما فاقهم السيسي بتصوره أنه سيحاسب المصريين يوم القيامة مثلما زعم منذ شهور معدودة.
إن الأمثلة المذكورة آنفًا تبين أن التحديات الداخلية التي تواجهها مصر لا تختص بشخص د. مرسي أو رفضه للانقلاب، وهذه النقطة أذكرها تحديدًا ردًّا على بعض الأصوات التي تتوهم أنه بوفاة د. مرسي انتهى الأمر، ولم يعد هناك ما يتطلب استعادة الشعب المصري لحريته. ورغم إقراري بأن نظام السيسي يبدو حتى الآن منتصرًا في المعركة، ويوطد أركانه عامًا بعد الآخر، إلا أن نظامه في الحقيقة يستجمع كل مسببات الانفجار ضده، والتي دفعت قطاعات واسعة من الشعب للتظاهر ضد مبارك سابقًا والإطاحة به.
وفي خضم الأوضاع الصعبة التي يمر بها المصريون لا ينبغي التغاضي عن حقيقة تزداد جلاء يومًا بعد يوم، وهي أن نظام يوليو أصيب بالشيخوخة في عهد مبارك فلم يعد قادرًا على الوفاء باحتياجات المصريين من وظائف ومسكن وتعليم وما شابه، ثم فقد مشروعيته في عهد السيسي، وصار يدافع عن وجوده في معركته الأخيرة.
وإن الأحداث المتتالية منذ ثورة يناير 2011 حتى اليوم ضخت مفاهيم ومعاني جديدة في حس الأجيال الشابة من قبيل رفض الظلم والاستبداد، كما قوضت بريق أيقونة (قدسية الجيش وأحقيته بتولي السلطة). ومن أفضل ما يعبر عن الوضع الحالي لمصر مقولة الباحث عادل عبدالغفار في دراسته “مصر المستقرة لمنطقة مستقرة” الصادرة عن المديرية العامة للسياسات الخارجية بالبرلمان الأوروبي في عام 2018، إذ جاء فيها:
“إن الجمع بين الحرمان السياسي، والافتقار إلى العدالة الاجتماعية، والفرص الاقتصادية خلال فترة النمو السكاني المتفجر، ما هو إلا قنبلة موقوتة).
(المصدر: مجلة “كلمة حق”)