مقالاتمقالات المنتدى

رسالة للمرابطين في الثغور

رسالة للمرابطين في الثغور

 

بقلم عارف بن أحمد الصبري “عضو هيئة علماء اليمن” (خاص بالمنتدى)

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين.
وبعد:

فيا أيها المجاهدون في سبيل الله، والمرابطون في الثغور جزاكم الله عن الإسلام والمسلمين خيراً، وكتب أجركم، وسددكم وأيدكم وآواكم وهداكم وحفظكم ورفع قدركم في الدنيا والآخرة.

واعلموا أن الله يصطفي من عباده من يشاء، وأنه ليس كل أحدٍ يصلح للرباط والجهاد في سبيله، وأن الله لا يرتضي كل أحدٍ لخدمة دينه؛ بل يصطفي ويختار من أهل كل عصرٍ، ومن أهل كل مصرٍ الذين هم أولياء لله يصلحون لإعلاء كلمة الله.
فهنيئاً لكم هذا الاصطفاء وهذا الفضل الرباني.
وأما غيركم ممن لا يصلح لهذا الخير، فإن الله يحول بينهم وبين هذا الشرف، فيصرفهم عن نصرة دينه، قال تعالى: (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق).
وقال تعالى: (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدةً ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم).

مسألة:
الرِباطُ في سَبيلِ اللهِ هو مُلازَمةُ وحبسُ النَّفسِ لحِراسةِ الأماكنِ الَّتي يَهجُمُ منها العَدوُّ، وأصلُ الرِّباطِ ما تُربَطُ به الخيلُ، ثمَّ قيلَ لكلِّ أَهلِ ثَغْرٍ يَدفَعُ عمَّن خَلْفَه رِباطٌ؛ وذلك إعلاءً لكَلمةِ اللهِ ودِفاعًا عن دينِ اللهِ.

مسألة:
أيها المرابطون في الثغور:
إذا كانت ليلةُ القدر خيرٌ من ألف شهرٍ، فإن رباطكم ساعةً في سبيل الله خيرٌ من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه كان في الرِّباط ففزعوا إلى السَّاحل، ثم قيل.. لا بأس، فانصرف النَّاسُ، وأبو هريرة واقفٌ، فمرَّ به إنسانٌ فقال: ما يُوقِفُك يا أبا هريرة؟! فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “موقِفُ ساعةٍ في سبيل الله خيرٌ من قيام ليلة القدر عند الحجرِ الأسود).
أخرجه ابن حبان، والبيهقي، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح.

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِلَيْلَةٍ أَفْضَلَ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ؟ حَارِسٌ حَرَسَ فِي أَرْضِ خَوْفٍ، لَعَلَّهُ أَنْ لَا يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ). أخرجه البيهقي، والحاكم، والنسائي، وصححه الألباني.

إن السبب في هذا الأجر الكبير؛ لأن المرابط نفعه للأمة كلها.

مسألة:
أيها المرابطون في الثغور:
رباطُ يومٍ في سبيل الله خيرٌ من ألف يومٍ فيما سواه من المنازل.
وهذا يشمل كل المنازل حتى لو كانت مكة المكرمة أو المدينة المنورة أو بيت المقدس على فضلها جميعاً.

عن أبي صالح مولى عثمان قال: (سمعتُ عثمانَ يقولُ على المنبرِ: أيها الناسُ إني كتمتُكم حديثاً سمعتُه من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كراهيةَ تفرُّقِكُم عنِّي، ثم بدا لي الآنَ أحدِّثُكموه ليختارَ امرؤٌ لنفسِه ما بدا له سمعتُ رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقول: رباطُ يومٍ في سبيلِ اللهِ خيرٌ من ألفِ يومٍ فيما سواهُ من المنازلِ).
قال المحدث أحمد شاكر إسناده صحيح

قوله(خيرٌ مِن ألفِ يومٍ)، أي: في الأجرِ والثَّوابِ والفضلِ، “فيما سِواه”، أي: فيما سِوى الرِّباطِ في سَبيلِ اللهِ والدِّفاعِ عَن دينِ اللهِ، “مِن المَنازلِ”، أي: مَواضِعِ الخيراتِ والطَّاعاتِ.

مسألة:
رباطُ يومٍ خيرٌ من الدنيا وما عليها:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رباطُ يوم في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم في الجنة خيرٌ من الدنيا وما عليها).

مسألة:
رباطُ يوم وليلة خيرٌ من صيام شهر وقيامهِ، ورباط شهر خيرٌ من صيام الدهر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات فيه جرى عليه عمله الذي كان يعمل وأجري عليه رزقه وأمن الفتان).
رواه مسلم.

وروى الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رباط شهر خير من صيام دهر ومن مات مرابطاً في سبيل الله أمن الفزع الأكبر وغدي عليه وريح برزقه من الجنة، ويجري عليه أجر المرابط حتى يبعثه الله عز وجل).

مسألة:
أجورُ الأعمال الصالحة التي كان يعملها المرابط في حياته لا تنقطع بعد موته.
فإذا مات في رباطه فإنه يجري عليه أجرُ عمله الصالح من الرباط وغيره إلى يوم القيامة.

روى أبو داود والترمذي والحاكم عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كلُّ ميتٍ يُختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فتنة القبر).

مسألة:
المرابط في سبيل الله إذا مات في رباطه بعثه الله آمناً من الفزع الأكبر يوم القيامة.
روى ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مات مرابطاً في سبيل الله أُجرِي عليه أجرُ عمله الصالح الذي كان يعمل، وأجري عليه رزقه، وأَمِنَ من الفتان، وبعثه الله يوم القيامة آمناً من الفزع الأكبر).

مسألة:
للمرابط في سبيل الله أجرُ من خلفه من ورائه.
روى الطبراني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أجر الرباط؟ فقال: من رابط ليلةً حارساً من وراء المسلمين فإن له أجر من خلفه ممن صام وصلى).

مسألة:
لما في الجهاد في سبيل الله، وفي الرباط من الفضلِ، تركَ أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وتوجهوا إلى أرض الرباط في الشام، ومن ورائهم سار التابعون إلى أن ماتوا شهداء ومرابطين في سبيل الله.

مسألة:
نقل الإمام ابن تيمية رحمه الله إجماع العلماء على أن إقامة الرجل بأرض الرباط مرابطاً أفضلُ من إقامته بمكة والمدينة وبيت المقدس.

وسئل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أيهما أحب إليك الإقامة بمكة أم الرباط في الثغور؟ فقال: (الرباط أحب إليَّ).
وقال الإمام أحمد أيضاً: (ليس عندنا شيء من الأعمال الصالحة يعدل الجهاد والغزو والرباط).

مسألة:
النفقة في الجهاد في سبيل الله، وعلى المرابطين، وكفاية أهلهم وذويهم من أعظم القربات وأجلِّ الطاعات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من جهَّز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله فقد غزا).
ولابن ماجه، وابن حبان، (من جهَّز غازياً حتى يستقل كان له مثل أجره حتى يموت أو يرجع).
فهنيئاً لمن فَقِهَ هذا المعنى، وتاجر مع الله في النفقة على المجاهدين في سبيل الله، والمرابطين في الثغور، ولا يُوفقُ إلا موفق.
والله أعلم.

سبحان ربك ربِّ العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى