مقالاتمقالات مختارة

رائد صلاح.. الحاضر في أزقة القدس رغم الاعتقال

رائد صلاح.. الحاضر في أزقة القدس رغم الاعتقال

بقلم علي سعادة

وضع الشيخ رائد صلاح على كاهله وعلى عاتقه حمل عبء ثقيل لا يزال يدفع ثمنا له كل يوم، وهو حماية المقدسات الإسلامية من مساجد ومقابر ومقامات في فلسطين، ولا يذكر المسجد الأقصى إلا وقد اقترن اسمه باسم الشيخ صلاح الذي ساهم بالدفاع عن مساجد فلسطين وفي مقدمتها مساجد القدس، وربما كان إنجازه الأهم هو نجاحه في كشف حفريات المسجد الأقصى.

بدأ نشاط الشيخ صلاح في إعمار المسجد الأقصى وبقية المقدسات يظهر جليا عام 1996 بعد أن تمكن من إحباط العديد من المخططات الإسرائيلية لإفراغ المسجد الأقصى من المصلين، عبر مشروع “مسيرة البيارق” لتسيير الحافلات إليه من كافة البلدات العربية.

دفع صلاح ثمن ذلك وهو يواصل الابتسام بوجهه البشوش الذي يبعث الأمل في النفوس رغم قسوة الاحتلال الذي يتعامل مع الشيخ صلاح، والحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة عام 1948 باعتبار الحركة الإسلامية تنظيما محظورا، واتهام مؤسسها بالتحريض على “الإرهاب”.

الشيخ صلاح الذي يمضي حكما بالسجن بتهمتي “التحريض على الإرهاب”، و”تأييد منظمة محظورة” فرض عليه في 10 شباط / فبراير 2020 السجن الفعلي 28 شهرا واحتساب مدة الاعتقال الفعلية التي قضاها في التهمة وهي 11 شهرا تبدأ من 16 أب/ أغسطس 2020 ولمدة 17 شهرا.

اشتهر صالح بمقولة “الأرض والأقصى في خطر”، التي أصبحت ماركة مسجلة باسمه، أو عنوانا لمسيرته النضالية التي لا تعبأ كثيرا بتصنيفات الحكومة الإسرائيلية، ولا تقيم لها وزنا، فالشهادة على أي حال “شرف يتمناه الجميع” كما يقول. والمهرجان السنوي الذي يقام في أم الفحم شمال فلسطين باسم “الأقصى في خطر”، بات حدثا سياسيا لرفض أي مساس بالمسجد الأقصى وبالقدس، يحضره عشرات آلاف الفلسطينيين.

اعتنق رائد صلاح سليمان أبو شقرة محاجنة، المعروف باسم “الشيخ رائد صلاح”، المولود في أم الفحم عام 1958 أفكار “الإخوان المسلمين”، وعرف في صفوف الإسلاميين منذ أن كان في المرحلة الثانوية.

أسس في بداية السبعينيات الحركة الإسلامية داخل ما يعرف بـــ”الخط الأخضر”، وبقي من قادتها حتى الانشقاق الكبير الذي أصاب الحركة نهاية التسعينيات عندما قرر بعض قادتها ومنهم الشيخ عبد الله نمر درويش خوض انتخابات الكنيست الإسرائيلي، وهو ما رفضه صلاح، فبقي زعيما لتيار كبير في الحركة.

حصل على بكالوريوس في الشريعة الإسلامية من جامعة الخليل الإسلامية في فلسطين عام 1976.

وخاضَ انتخابات بلدية أم الفحم، ونجح في رئاستها لثلاث دورات متتالية كان أولها في عام 1989.

انتخب عام 2000 رئيسا لـ”جمعية الأقصى لرعاية المقدسات الإسلامية” التي ساهمت بشكل فاعل في الدفاع عن المساجد في كافة أراضي فلسطين.

بدأ نشاط صلاح في إعمار المسجد الأقصى وبقية المقدسات يتعاظم منذ عام 1996، واستطاع أن يُفشِل المخططات الساعية لإفراغ الأقصى من عمارة المسلمين عن طريق جلب عشرات الآلاف من عرب الداخل إلى الصلاة فيه عبر “مسيرة البيارق”.

نجح وزملاؤه في إعمار المصلى المرواني داخل الحرم القدسي الشريف وفتح بواباته العملاقة، وإعمار الأقصى القديم وتنظيف ساحاته وإضاءتها، وإقامة وحدات مراحيض ووضوء في باب حطة والأسباط وفيصل والمجلس، وعمل أيضا على إحياء دروس المصاطب التاريخية.

في عام 2000، تعرض لمحاولة اغتيال من قبل “الشاباك” في مواجهات انتفاضة الأقصى وأصيب برصاصة في وجهه.

وأسس صندوق “طفل الأقصى” الذي يهتم برعاية نحو 16 ألف طفل، وكذلك في إقامة “مهرجان صندوق الأقصى”.

ونجحت الحركة الإسلامية بزعامته في إقامة مهرجان سنوي عالمي في مدينة أم الفحم باسم “الأقصى في خطر”.

ونتيجة لنشاطه هذا عمدت السلطات الإسرائيلية إلى التضييق عليه، ففي عام 2002 أعلن “الشاباك” أنه “يمكن بدون أدنى شك محاكمة صلاح بتهمة إقامته علاقات مع تنظيمات معادية لإسرائيل في داخل البلاد وخارجها”.

ورفضت محكمة “العدل العُليا” الإسرائيلية التماسا تقدم به لإلغاء أمر أصدره وزير الداخلية يُمنع صلاح بموجبه من مغادرة البلاد، وقررت الهيئة القضائية في حينه أن الأمن العام يتغلب بأهميته على مبدأ حرية التنقل والحركة.

اعتقل إضافة إلى 13 من قادة الحركة الإسلامية عام 2003 بعد أن لفقت لهم اتهامات عدة، لكن السلطات الإسرائيلية لم تستطع إثبات أي من التهم الموجهة إليهم، كالاتصال بجهة معادية (إيران) ودعم “الإرهاب” وبزعم أنهم قاموا بتبييض أموال لحساب حركة المقاومة الإسلامية “حماس”.

واستمر الشيخ في الدفاع عن المقدسات الإسلامية، وفي الوقت نفسه واصل الاحتلال الإسرائيلي محاولاته إبعاد صلاح عن مدينة القدس، ومُنع من دخول مدينة القدس عام 2009 ثم أصدرت المحكمة الإسرائيلية عام 2010 قرارا بسجنه تسعة أشهر.

شارك في عام 2010 في “أسطول الحرية” الهادف لفك الحصار عن قطاع غزة وتعرض الأسطول لعملية قرصنة بحرية في المياه الدولية من السفن الحربية الإسرائيلية.

قتل في الاعتداء أكثر من 16 من المتضامنين العزل، وأصيب أكثر من 38 جريحا واعتقل في أثر وصول الأسطول قسرا إلى مطار أسدود عام 2010 هو وآخرون، وتم تمديد محاكمته لمدة أسبوع.

وتواصل مسلسل التضييق على الشيخ؛ فقامت الشرطة البريطانية أثناء زيارته العاصمة لندن باعتقاله بتحريض من الاحتلال، وكان من المقرر أن يحل ضيفا على فعاليات “يوم فلسطين” الذي يعقده وينظمه المنتدى الفلسطيني في بريطانيا.

واعتقل بطريقة غير إنسانية من قبل الشرطة البريطانية في منتصف الليل، وجرى تكبيله بالقيود واقتياده إلى السجن.

وأوضح المسؤولون في مركز شرطة وسط لندن، أن لديهم مذكرة اعتقال وقرار إبعاد للشيخ صلاح من بريطانيا لكن الشيخ لم يستسلم كعادته ورفع الأمر إلى القضاء الذي حكم بأن قرار اعتقاله وإبعاده غير قانوني، وهو ما اعتبر انتصارا للشيخ على وزارة الداخلية البريطانية.

في العام التالي، حكمت محكمة “الصلح” الإسرائيلية عليه عام 2014 بالسجن ثمانية أشهر نافذة وثمانية أشهر مع وقف التنفيذ بتهمة التحريض على العنف والعنصرية في خطبة يوم الجمعة في وادي الجوز.

ويتواصل مسلسل الاعتقال والتوقيف بحق الشيخ، في محاولة لثنيه عن مشروعه وهاجسه في التنبيه لخطورة الوضع في القدس، لكن صلاح يواصل تحديه ومواجهة أكثر من 250 جماعة يهودية متخصصة في الحفر أسفل المسجد الأقصى، وبشكل خاص أن نحو 120 جماعة من هذه الجماعات تحاول هدم الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم مكانه.

في أحداث القدس الحالية وفي ما تشهده أراضي فلسطين المحتلة عام 1948 كان الشيخ رائد صلاح الغائب بجسده، الحاضر بروحه وأنفاسه في معركة التحدي والدفاع عن حي الشيخ جراح وعن القدس وما تتعرض له من انتهاكات وجرائم. الشيخ رائد صلاح لم يكن شخصا فردا يمضي أيامه في ظلام السجون، هو مشروع وطني وقومي وإسلامي، وفكرة ولدت لتبقى وتنمو وأكبر دليل على ذلك حالة الوعي التي يعيشها الشعب الفلسطيني امتداد فلسطين الطبيعية.

(المصدر: عربي21)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى