مقالاتمقالات مختارة

رأي حول الجماعات والجمعة على وقع (كورونا CORONA)

رأي حول الجماعات والجمعة على وقع (كورونا CORONA)

بقلم ماجد الدرويش

في كتاب (البحر الرائق) لابن نُجَيم المصري، / 2 / 303/ فصل في العوارض المبيحة للفطر في رمضان، وهي جمع عارض، وهو في اللغة كل ما استقبلك. قال الله تعالى ﴿عارض ممطرنا﴾ [الأحقاف: 24] وهو السحاب الذي يستقبلك، .. ، وعرض له عارض، أي: آفة من كِبَرٍ أو من مرض . .

وذكر أن العوارض ثمانية، منها: المرض.

ونقل قول صاحب كنز الدقائق (لمن خاف زيادة المرض الفطر)، لقوله تعالى: ﴿فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر﴾ [البقرة: 184].

ثم قال: «فإنه أباح الفطر لكل مريض، لكن القطع بأن شرعية الفطر فيه إنما هو لدفع الحرج، وتحقق الحرج منوط بزيادة المرض أو إبطاء البرء، أو إفساد عضو».

فبين أن شرعية الفطر لدفع الحرج، وأن الحرج يحصل بأمور، منها: زيادة المرض أو تأخر الشفاء، أو فساد العضو المصاب.

ولكن كيف نضبط هذه الأمور؟ وهل يترك لكل أحد أمر تقديرها؟ يقول ابن نجيم:

«ثم معرفة ذلك باجتهاد المريض. والاجتهاد غير مجرد الوهم، بل هو غلبة الظن عن أمارة، أو تجربة، أو بإخبار طبيب».

ثم قال: «فلو برأ من المرض، لكن الضعف باق وخاف أن يمرض، سئل عنه القاضي الإمام، فقال: الخوف ليس بشيء. كذا في فتح القدير، وفي التبيين: والصحيح الذي يخشى أن يمرض بالصوم فهو كالمريض. ومراده بالخشية غلبة الظن».

ونحن لو أنعمنا النظر في هذا النص لاحت لنا أحكام ما نحن بصدده من قضية ضرورة منع التجمعات الكبرى بسبب وباء الكورونا والخوف من انتشاره.

وأكبر هذه التجمعات اليوم هي (صلاة الجمعة والجماعات)، فالعقل والمنطق الشرعي يقول ينبغي منع ذلك اليوم سدا لذريعة انتشار المرض، فإذا كان الصوم الذي هو فرض عين يعذر المرء بتركه في حالة الخوف من عودة المرض، فما بالكم بما هو محقق اليوم من أن أهم سبب لانتشار هذا الوباء هو التجمعات البشرية؟..

ولو أنعمنا النظر ثانية وجدنا أن العوارض التي أباحت ترك الفريضة في الصوم، متحققة اليوم في ترك الجماعات، وهي: دفع الحرج المتولد عن خوف المرض، وقد أضيف إليه إخبار الطبيب عن تحقق المرض في حالات الاجتماع البشري.

فهذا كله دافع لمنع التجمعات الكبيرة.

لذلك: لا يمكنني أن ألزم الناس بعدم حضور الجمعات والجماعات، ولكنني أتجرأ وأقول: إنهم إن فعلوا ذلك لا يأثمون إن شاء الله.

الخوف عذر تسقط به الجمعة والجمعة:

أخرج الإمام أبو داود في سننه، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ اتِّبَاعِهِ، عُذْرٌ»، قَالُوا: وَمَا الْعُذْرُ؟، قَالَ: «خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ، لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّى».

وقد عقد الإمام ابن قدامة المقدسي في الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل فصلا في الأعذار المبيحة لترك الجماعة والجمعة وأنها تكون بثمانية أشياء، ذكر منها : المرض والخوف، اللذين ذكرا في حديث ابي داود، فقال:

المرض: لما روى ابن عباس – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: «من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر، قالوا: يا رسول الله، وما العذر؟ قال: خوف أو مرض» رواه أبو داود.

والخوف: لهذا الحديث، وسواء خاف على نفسه من سلطان، أو لص، أو سبع، أو غريم يلزمه، ولا شيء معه يعطيه، أو على ماله من تلف أو ضياع أو سرقة، أو يكون له دين على غريم يخاف سفره، أو وديعة عنده إن تشاغل بالجماعة مضى وتركه، أو يخاف شرود دابته، أو احتراق خبزه أو طبخه، أو ناطور بستان يخاف سرقة شيء منه، أو مسافر يخاف فوت رفقته، أو يكون له مريض يخاف ضياعه، أو صغير أو حرمة يخاف عليها. انتهى.

والخوف على النفس متحقق اليوم من هذا الوباء ، وهو أهم من الخوف على ما ذكر من متاعات الدنيا والأموال. نسأل الله تعالى ان يصرف عنا سوءه… وعليه فمن تخلف عن الجماعة والجمعة خوفا على صحته لا إثم عليه، إن شاء الله.

ولكن تبقى قضية إغلاق المساجد تحتاج إلى صدور قرار من المرجعية المعنية بالأمر.

(المصدر: رابطة العلماء السوريين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى