مقالاتمقالات مختارة

د. وليد عبد الحي يكتب: علماء الدراسات المستقبلية.. وتفكك أمريكا

د. وليد عبد الحي يكتب: علماء الدراسات المستقبلية.. وتفكك أمريكا

في إطار مقاومتي للتفكير الرغبي (Wishful Thinking) عملت ما في وسعي لمتابعة تيارين رئيسيين في الدراسات المستقبلية بخصوص موضوع “مستقبل الولايات المتحدة”، محاولا أن أكون موضوعيا في تقييم هذين التيارين من ناحيتين: الأولى الحجج العلمية لكل من التيارين، والثانية تحديد أي التيارين هو الأكثر انتشارا وتزايدا في أنصاره، وأزعم أن التيار المتشائم حول مستقبل الولايات المتحدة هو الأكثر ثراء في أفكاره والأكثر نزعة هجومية في تحليله ناهيك عن تزايده بشكل واضح.

وأزعم ثانية أن بداية تنامي تيار التشاؤم للمستقبل الأمريكي كان مع كتاب بول كيندي المعروف (The Rise and Fall of the Great Powers: Economic Change and Military Conflict from 1500 to 2000) الصادر عام 1987، أي قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، وبنى الكاتب فكرته على أن الولايات المتحدة ستواجه مشكلة “التمدد الزائد” والذي يعني أن نفقات التمدد ستصبح أكبر من مكاسبه مما سيدفع الدولة إلى “النكوص” لترك المجال للقوى الصاعدة لتملأ الفراغ، والتي تتمثل في الصين محددا فترة ما بعد عام 2000 كبداية لهذا التصور الذي سانده علماء آخرون مثل الروسي Dmitry Orlov وعالم اللغويات الأمريكي تشومسكي وآخرون.

وفي عام 1993 روج Gerald Celente لفكرة ما اسماه “تحجيم أمريكا” “a downsizing of America l مركزا على ثلاثة ظواهر كبرى هي اتساع قاعدة العداء لأمريكا في العالم واستمرار التراجع في المكانة الاقتصادية وتفاقم مشكلات المهاجرين.

أما Thomas W. Chittum فتنبا عام 1997 ” ببلقنة الولايات المتحدة” واشتعال حرب أهلية جديدة كما ورد في كتابه Civil War Two: The Coming Breakup of America ، وهو ما عاد العالم الروسي Igor Panarin في عام 1998 لتأكيده ببدء تفكك الولايات المتحدة إلى ستة أجزاء ، وحدد لذلك عام 2010 ، وتعزز رأيه في عام 2008 مع أزمة الرهن العقاري وتداعياتها في الولايات المتحدة فعاد لنشر دراسة ثانية عام 2009 تأكيدًا لرأيه.

وعرف هذا التيار نقلة نوعية في مستويات التحليل مع دراسة يوهان غالتنك Johan Galtung) ) في عام 2004 وعنوانها “On the Coming Decline and Fall of the US Empire”، وبنى دراسته على تحليل تداعيات 14 تناقضا في بنية الجسد الإمبراطوري الأمريكي، لكنه أوضح انه يتحدث عن تراجع الإمبراطورية الأمريكية لا ” الجمهورية الأمريكية”، أي أن التراجع سيكون في امتداد الإمبراطورية ونفوذها الدولي وليس في القوة الداخلية للجمهورية الأمريكية.

وفي كتابه (الصادر عام 2011) والذي يقع في حوالي 500 صفحة تحت عنوان:

Suicide of a Superpower: Will America Survive to 2025

يقول Patrick J. Buchanan الذي عمل مستشارا لثلاثة رؤساء أمريكيين أن الولايات المتحدة آيلة للتفكك مركزا على التحولات القيمية والتلكؤ الاقتصادي وتوجهات النخب الجديدة.

وعرفت هذه الدراسات نقلة جديدة مع انضمام علماء الانثروبولوجيا لهذا التيار، وتمثل دراسة Peter Turchin وهو احد علماء الانثروبولوجي ابرز هذه المساهمات، فقد بنى تورشين نظريته على النموذج التاريخي المتكرر والمتمثل في عرض مراحل النمو والاستقرار في الحضارات والإمبراطوريات القديمة ثم مراحل الاضطراب والتراجع الاقتصادي التي تليها ، وطبق ذلك على الولايات المتحدة التي يرى أنها تقف على أعتاب المرحلة الثانية طبقا للمعدل الزمني الذي وضعه في كتابه: (2016 Ages of Discord) والذي يدل على أن معدل فترات التماسك أطول من معدلات فترات التفكك، ويقارن الوضع الحالي في الولايات المتحدة بالمرحلة التي سبقت الثورة الفرنسية أو المرحلة التي سبقت 1630 في بريطانيا. (المعروفة بمرحلة ستيوارت).

وقد بنى تورشين نموذجه على تفاعل ثلاثة أبعاد مركزية تقود لعدم الاستقرار ولكل منها متغيراته الفرعية على النحو التالي:

1- الدولة: ومتغيراتها تتمثل في: الحجم، الدخل، النفقات،الديون، الشرعية.

2- السكان: ومتغيراته هي العدد- التركيب العمري- التحضر(سكان المدن)، الدخل الفردي، التفاؤل الاجتماعي

3- النخبة: ومتغيراته هي العدد- البنية- الثروة- النزعة الاستهلاكية- قيم التعاون- التنافس الداخلي .

ويبدو أن هذه الدراسات تركت بصماتها على توجهات الرأي العام الأمريكي، وتدعمت بظهور نزعات انفصالية في المجتمع الأمريكي، فهناك 58 تنظيما أو هيئة أو جمعية تدعو للانفصال تتوزع في اغلب الولايات المتحدة، كما أن معدل 21% من الأمريكيين يريدون انفصال ولاياتهم وتأسيس جمهوريات منفصلة ، وتصل النسبة في بعض الولايات إلى 34% (كاليفورنيا مثلا) .

ويشير استطلاع حديث لمعهد غالوب في نهاية 2018 إلى انخفاض المؤيدين لقيادة أمريكية للعالم من 48% عام 2016 إلى 30% عام 2018. وفي استطلاعات معهد بيو (pew) المعروف عام 2019 كشفت النتائج عن التوجهات التالية:

– 60% يرون أن أهمية أمريكيا في العالم تتراجع.

– 73% يرون أن الفروق الطبقية تتزايد داخل المجتمع الأمريكي.

– 65% يرون أن الاستقطاب السياسي في المجتمع الأمريكي يتزايد.

– 48% من الأمريكيين يرون أن القادة الحاليين ليسوا على مستوى المسئولية.

فإذا ربطنا كل ذلك ببعض الظواهر التي أشارت لها الدراسات المشار لها في هذا المقال تتبدى الصورة أكثر وضوحا، فمثلا تركز الدراسات السابقة على:

1- مؤشر العنف الاجتماعي: الولايات المتحدة هي صاحبة أعلى معدل جريمة في العالم.

2- مؤشر سوء توزيع الدخل: فدخل أعلى 1% من العائلات الأمريكية يعادل 26.5 ضعف دخل الـ 99% الباقين ، وهي النتائج التي توصل لها Economic Policy Institute

3- الديون: هي صاحبة أعلى دين في العالم، يصل حاليا إلى أكثر من 22 تريليون دولار.

4- العجز التجاري تجاوز 621 مليار عام 2018 (ومنها 419 مليار مع الصين)، وكل المؤشرات تؤكد زيادته في عام 2019

5- تزايد الصورة السلبية للولايات المتحدة في ذهن الرأي العام الدولي طبقا لاستطلاعات الرأي الأمريكية.

6- التركيبة السكانية في المجتمع الأمريكي، حيث سيكون هناك 66 مليون أسود عام 2040، و130 مليون من ذوي الخلفية الاسبانية.

7- عدم التمثيل المتوازن في المؤسسات المركزية، فمثلا السود يشكلون 12% من السكان بينما في الرئاسة 2.2% ، والكاثوليك 24% وفي الرئاسة 2.2% أيضا، وفي التمثيل الولائي على مستوى الرؤساء هناك 24 رئيسا من أربع ولايات و21 رئيس من بقية الولايات ال46.

السؤال: ألا تستحق هذه الدراسات ونتائجها التمعن من قبل صناع القرار العرب لإدراك التغير الذي عليهم أن يستعدوا له؟

ربما.

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى