(من زيارة العلامة بشار عوّاد معروف الأعظمي لمراكش العلم والأولياء..)
..لم تكن هذه الأيام السبعة التي مرت من حياتي قريبا إلا لحظات من النفحات القدسية التي أشعر بِهبوبها من علياء السماء.. أيامٌ شعرت فيها باللطف الإلهي الكبير وبالسعادة الغامرة وبأهمية النظام والتعاون وحسن التواصل.. وجددتُ فيها اللذة التي أبذل فيها أنفاس عمري؛ وهي لذة العلم وحقائقه،ولذة الحديث ودقائقه،ولذة السلوك ورقائقه، لذة التاريخ وطرائقه وطوارقه..
نعم إنها أيامُ استضافتِنا لشيخنا العلامة الجليل المحدث المحقق المؤرخ الشهير فضيلة أ.د بشار عوّاد معروف الأعظمي حفظه الله تعالى ..
فمنذ لحظات التنسيق الأولى والتي لَبَّىٰ فيها نداءَ الدعوة من تلميذه وإخوانه بالمغرب ومؤسسة الفرقان اللندنية.. -والشكر لهم ولكل من تسبب وساهَم وشارك كبير وأعلم أنهم يحبون العمل لله دون ذكر أسماء صدقا وإخلاصاً- فما كان إلا أن قال فضيلة الشيخ العلامة بصوته الحاني: “نعم من عيوني حبيبي أنتم تأمرون أمراً ”
-ورغم أني كنت حريصاً على الاستفادة منه في خصوص تجربته العظيمة مع ديوان ابن عبد البر كتاب “التمهيد لما في الموطإ من المعاني والأسانيد” غير أن همة الشيخ كانت أكبر وأغزر؛ و كان الشيخ حريصا على أن لا يكرر نفسه؛ وأن لا يستقبل طلابه وجمهوره إلا بشيء جديد؛ فكان مقترحي أن يحاضر عندنا في مراكش عن “التمهيد” لأنه فارسه بلا منازع، ولأن هذا الكتاب عظيم بلا مدافع، وقد كثُر حوله اعتداء كل مُتلاعِب ومخادعٍ، -ولَم أكن أعلم بعد كُنْهَ محاضرته في دار الحديث الحسنية بالرباط- فقال لي في همة عالية وبأسلوب رشيقٍ وأدب رفيعٍ: “لا يحسن أن أعيد موضوعا واحدا في الرباط وفِي مراكش فالمغرب عزيز” فيجب أن يكون الموضوع مختلفاً في المحاضرتين.. ثم قال أقترح عليكم أربعة مواضيع إن شئتم: 1-علوم الحديث وآثارها 2-أصول فن التحقيق 3-ابن عبد البر وكتابه التمهيد 4-المحلى لابن حزم. ثم قال: “ورابعها أحب إلى قلبي لأني لم أحاضر حوله من قبل؛ ومراكش تستحق الجديد.. ولكم الخِيار..”
-والأعجب الغريب الطريف الذي يعد من مناقب فضيلته أنه قال: ولقد انتهيت من تحقيقيه يعني المحلى لابن حزم كاملا في 20 عشرين مجلداً قبل خمسة أيام !! وعندي فيه كلام كثير وتحقيق غزير !!
نعم هذا وهو الشيخ الثمانِيني حفظه الله ورعاه.. ما زال يحدثنا عن المشاريع الضخمة وهي في غاية جِدَّتِها وجودتها وحلاوتها وطراوتها.. بكل تواضع وتفانٍ وتؤدةٍ ورزانةٍ..
مما يستحق معه عندنا -وهو إمام المحققين المعاصرين- لقبَ “أمينُ هيئةِ الرقابة على التراث”؛ إن جُعلت للتراث هيئةٌ تحميه من عبث العابثين وتسلط المتسلقين واستعجال المتزبِّبين وسطوة السارقين..
-وكان رأيي أن لا تخلو محاضرته في مراكش عن أنفاس مالكٍ والمالِكية؛ وبالأخص لما أعلم عن شيخي من حبه لمذهب أهل المدينة ولغرامه في إمام دار الهجرة مالك بن أنس..
وفِي الوقت نفسه لا أريد تفويتَ المُحلى وهو من العظمة بمكان مُصنَّفاً ومُصنِّفاً.. فاقترحتُ على شيخي الموضوعَ بعنوان: “المُجَلَّىٰ المُفيدْ من تجربتي في تحقيق المُحلَّىٰ والتمهيدْ” فما كان من الشيخ إلا استجاب في طرفة عينٍ ولَم يزد أن قال: “حِلوةْ .. الله أكبر على بركة الله موعدنا مراكش”..الخ
..يُتبعُ بحول الله..
..فترقبوا بقية الحلقات من استضافتنا للشيخ الجليل علامة العراق بشار الأعظمي.. ولقاء الرباط قبل شد الرحال إلى مراكش..
?مع تحيات: محبكم/ عادل رفوش / المشرف العام والمدير العلمي لمؤسسة ابن تاشفين للدراسات والأبحاث والإبداع بمراكش?
(المصدر: موقع د. عادل رفوش)