مقالاتمقالات مختارة

د. حسام الدين عفانة يكتب: رؤية شرعية نقدية في فتاوى زيارة الأقصى بتأشيرة صهيونية

د. حسام الدين عفانة يكتب: رؤية شرعية نقدية في فتاوى زيارة الأقصى بتأشيرة صهيونية

كثُر الحديث والنقاش في قضية زيارة المسجد الأقصى والقدس بتأشيرة صهيونية، وتحدث فيها جمعٌ كبيرٌ من المشايخ والمفتين والكتاب والصحفيين والسياسيين وغيرهم، فكانوا بين مؤيدٍ لها ومعارض، ولتجلية القول في هذه النازلة المعاصرة من ناحية شرعية لا بد من تبيان الأمور التالية:

أولاً:

قضية زيارة المسجد الأقصى والقدس بتأشيرة صهيونية، نازلة فقهية معاصرة، تحتاج إلى تأصيلٍ فقهيٍ وفق ضوابط دراسة النوازل الفقهية عند العلماء، ومن هنا يُستبعدُ قولُ غير أهل الشرع في بيان الحكم الشرعي فيها.

ثانياً:

هذه القضية مسألةٌ معاصرةٌ، لم يرد بخصوصها نصوصٌ خاصةٌ من الكتاب والسنة، وبناءً على ذلك تبحث وفق ما قاله الفاروق عمر رضي الله عنه في كتابه الشهير لأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم حيث قال: [ثم الفهمَ الفهمَ فيما أدلي إليك، مما ليس في قرآنٍ ولا سنةٍ، ثم قايس الأمور عند ذلك، واعرف الأمثال والأشباه، ثم اعمد إلى أحبها إلى الله فيما ترى، وأشبهها بالحق]إعلام الموقعين1/68.

ومن المعلوم أن النصوص من كتاب الله ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما نصت على كل الجزيئات، قال الإمام الشاطبي: [الشريعة لم تنص على حكم كل جزئية على حدتها، وإنما أتت بأمورٍ كليةٍ وعباراتٍ مطلقةٍ تتناول أعداداً لا تنحصر، ومع ذلك فلكل معينٍ خصوصيةٌ ليست في غيره ولو في نفس التعيين] الموافقات4/91.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض كلامه عن الحشيشة: [وأما قول القائل: إن هذه ما فيها آيةٌ ولا حديثٌ: فهذا من جهله؛ فإن القرآن والحديث فيهما كلماتٌ جامعةٌ هي قواعد عامة وقضايا كلية. تتناول كل ما دخل فيها وكل ما دخل فيها فهو مذكورٌ في القرآن والحديث باسمه العام وإلا فلا يمكن ذكر كل شيء باسمه الخاص] مجموع فتاوى ابن تيمية 34/206.

ثالثا:

عند دراسة المسائل الشرعية عامة والنوازل المعاصرة يجب التجرد في البحث، ومجانبة الأهواء، وترك الاستطالة في أعراض أهل العلم، وإن خالفوا في مسائل، فإن العلم رحمٌ بين أهله، ووشيجة العلم أقوى من وشيجة القربى والنسب، والعلم ذمةٌ بين المشتغلين به، ويجب إحسان الظن بأهل العلم عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث) متفق عليه، وينبغي ترك النيات لرب الأرض والسموات.

رابعاً:

هنالك توسعٌ ظاهر ومبالغة غير محمودة في زماننا في إطلاق الألقاب والصفات على المنتسبين للعلم الشرعي، نحو العالم العلامة، والإمام الأكبر، والداعية الإسلامي، والمفكر الإسلامي، وكذلك فإن كثيراً من حملة الشهادات العليا في العلوم الشرعية، تحملهم شهاداتهم ولا يحملونها!

خامساً:

تسييس الفتوى من الأمور التي تخرج الفتوى عن جادة الصواب، فإذا سيقت الفتوى موافقةً للسياسة، فالغالب أن لا تنضبط بالضوابط الشرعية، فلا يجوز جعل الدين عامةً والفتوى خاصةً مطيةً لتحقيق أهدافٍ سياسيةٍ أو إرضاءً للحكام.

سادساً:

للمسجد الأقصى المبارك مكانةٌ عظيمةٌ عند أهل السنة والجماعة، فمن ذلك قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقصى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (سـورة الإسـراء الآية1).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تُشدُ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى) رواه البخاري ومسلم.

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن سليمان بن داود عليه السلام لما بنى بيت المقدس سأل الله عز وجل خلالاً ثلاثةً سأل الله عز وجل حكما يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله عز وجل ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده فأوتيه، وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحدٌ لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه)رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح الجامع.

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: (تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل أمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ولنعم المصلى هو، وليوشكن لأن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعاً)رواه الحاكم والطبراني والطحاوي وغيرهم. وصححه العلامة الألباني، بل قال عنه إنه أصح ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الأقصى، السلسلة الصحيحة حديث رقم 2902،

ومع ثبوت هذه الفضائل للمسجد الأقصى المبارك فإن زيارته سنةٌ مستحبةٌ وليست واجبة باتفاق أهل العلم، وعلى ذلك تدل النصوص الشرعية، وعليه فالقول بأن زيارة الأقصى والقدس تُعد واجباً وفريضةً شرعيةً، دعوى باطلةٌ شرعاً، كما قال بعض المؤيدين للزيارة: (يجب على المسلمين زيارة القدس).

واستدل بعض الصحفيين على وجوب زيارة المسجد الأقصى المبارك بحديث شد الرحال المذكور سابقاً، وهذا الحديث لا دلالة فيه على الوجوب المزعوم باتفاق أهل العلم.

سابعاً:

القول بتحريم زيارة المسجد الأقصى والقدس بتأشيرة صهيونية، مسألةٌ أثيرت منذ أكثر من أربعين سنة، ولم يكن الشيخ الدكتور القرضاوي هو أول من أثارها، بل سبقه إلى ذلك عددٌ من العلماء، منهم شيخ الأزهر السابق الشيخ الدكتور عبد الحليم محمود حيث رفض أن يكون مع السادات في زيارته للقدس.

وكذلك الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر ومفتي مصر السابق حيث قال: [إن من يذهب إلى القدس من المسلمين آثم آثم.. والأولى بالمسلمين أن ينأوا عن التوجه إلى القدس حتى تتطهر من دنس المغتصبين اليهود، وتعود إلى أهلها مطمئنة يرتفع فيها ذكر الله والنداء إلى الصلوات وعلى كل مسلمٍ أن يعمل بكل جهده من أجل تحرير القدس ومسجدها الأسير).

وكذلك الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق حيث قال: (إن تلك الزيارة لن تتم في ظل الاحتلال الصهيوني، وإن ذلك ينطبق على كل علماء المؤسسة الأزهرية الذين يتبنون الموقف نفسه] وقال أيضاً: [أرفض زيارة القدس، وهي مكبلة بسلاسل قوات الاحتلال الصهيونية؛ لأن زيارة أي مسلمٍ لها في الوقت الراهن يُعد اعترافاً بمشروعية الاحتلال الصهيوني، وتكريساً لسلطته الغاشمة).

وكذلك الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الحالي الذي قال: (إن زيارة القدس لا تحقق مصلحةً للمسلمين، لأنها تتم في ظل احتلال بني صهيون وبإذن من سلطات الاحتلال).

وكذلك الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر السابق حيث قال: (لن أزور القدس والمسجد الأقصى إلا بعد تحريرهما من وطأة الاحتلال الصهيوني، لأن زيارتي لها الآن أو أي مسلم على مستوى العالم تُعد تكريساً للاحتلال، واعترافاً بمشروعيته.. لكن بإذن الله تعالى سأزورها ونزورها جميعاً وهي حرة مسلمة.. وهذه المدينة المقدسة أمانة في عنق المسلمين، ولابد أن يبذل الجميع كل الجهد لتحريرها واستردادها بأية طريقةٍ من الطرق).

وكذلك الشيخ فوزي الزفزاف وكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية الذي أيد تحريم الزيارة للقدس، ولكن بشرط أن نبذل كل ما نملك لتحرير المسجد الأقصى.. وإن زيارة المسلمين من غير الفلسطينيين للأقصى يعطي شرعية لبني صهيون لاحتلال القدس والمسجد الأقصى).

وكذلك الدكتور عبد المعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الذي قال: (إن الذهاب إلى القدس الآن يعطي انطباعاً بأن الأمور عادية، ثم أنه يلزم الداخل إلى القدس الحصول على تأشيرة وهو اعتراف بشرعية بني صهيون وأن التواصل يكون بالنصرة والصلة الدائمة عبر المساعدات الفعالة التي تعطي قوةً لإخواننا الفلسطينيين).

وكذلك مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر فقد جدد رفضه زيارة القدس تحت الاحتلال حيث عقد مجمع البحوث الإسلامية جلسة طارئة بمشيخة الأزهر أمس الخميس (19/4/2012) برئاسة الامام الاكبر الدكتور أحمد الطيب‏,‏ شيخ الأزهر‏,‏ وناقش أعضاء المجمع على مدى ثلاث ساعات متواصلة زيارة المفتي- علي جمعة – للمسجد الأقصى, وأعلن المجمع أن الأزهر الشريف يؤكد موقفه الرافض لزيارة القــدس والمســجد الأقصى وهما تحت الاحتلال الصهيوني , وفي ختام جلسته جدد الأزهر الشريف قراره الرافض لزيارة القــدس والمسـجد الأقصى وهما تحـت الاحتلال. وأكد أن الأزهر الشريف استمر علي دعمه لقراره السابق بعدم جواز السفر الي القدس والمسجد الأقصى وهما تحت الاحتلال الصهيوني وذلك لما يترتب عليه من ضرورة الحصول علي تأشيرات من المحتل الصهيوني ويعد نوعا من التطبيع.

وكذلك الدكتور أحمد عمر هاشم عضو مجمع البحوث الإسلامية، والدكتور محمد عثمان شبير والشيخ حامد البيتاوي خطيب المسجد الأقصى ورئيس رابطة علماء فلسطين، والشيخ عكرمة صبري مفتي فلسطين سابقاً وغيرهم كثير.

ثامناً:

ومن باب أن الشيء بالشيء يذكر فإن هنالك بعض رجال الدين من النصارى قالوا بمنع أتباعهم من زيارة القدس ومنهم المطران عطا الله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس الذي قال: (إنني أرفض زيارة القدس في ظل الاحتلال فهذا موقف مبدئي أتمسك به وسأبقى ولكنني لا أشكك بمصداقية أو وطنية من يخالفونني الرأي.

إن الذي يحرر القدس هو ليس زيارتها في ظل الاحتلال وإنما أن يتخذ العرب قراراً استراتيجيا بتحريرها واستعادتها وهذا القرار لم يؤخذ بعد باستثناء بعض المواقف والمؤتمرات التي تعقد هنا وهناك)

وقبله البابا شنودة الثالث بطريرك الكرازة المرقسية وبابا الإسكندرية الذي رفض ذهاب الأقباط للقدس وقال: [الشعب يعتبر أن زيارة القدس نوع من التطبيع مع بني صهيون ونحن لا نرغب أن نطبع مع الصهيوني ين إلا إذا تمَّ إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية وإنني لن أذهب إلى القدس إلا وهي محررة، ولن أعطي جواز سفري للسفارة الصهيونية كي أحصل على تأشيرة الدخول)

تاسعاً:

ما ساقه المؤيدون لزيارة المسجد الأقصى والقدس بتأشيرة صهيونية من أدلة لا تنهض لإثبات صحة الدعوى، فمثلاً القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى في المسجد الأقصى المبارك بالأنبياء والمرسلين ليلة الإسراء والمعراج قبل الفتح الإسلامي، واعتبار ذلك دليلاً على جواز الزيارة، كلامٌ باطلٌ، لأن الأمر يتعلق بمعجزةٍ خارقة للعادة.

وكذلك قياس زيارة المسجد الأقصى المبارك وهو تحت الاحتلال على زيارة النبي محمد صلى الله عليه وسلم للمسجد الحرام إثر صلح الحديبية قياسٌ مع الفارق كما يقول الأصوليون.

وهكذا يقال في بقية الأدلة التي سيقت لتبرير الزيارة.

عاشراً:

دعوى أن عدداً من علماء الأمة الكبار قد زاروا المسجد الأقصى والقدس إبان الاحتلال الصليبي لها كما قال أحدهم: [سبق أن وقعت القدس قبل قرونٍ تحت احتلال الفرنجة لسنواتٍ وعقودٍ طويلة، فأين فتاوى العلماء بتحريم زيارتها على المسلمين؟ كان فيها العز بن عبد السلام سلطان العلماء، وأبو حامد الغزالي حجة الإسلام، وابن تيمية شيخ الإسلام، فهؤلاء أعلام في العلم والفتوى والجهاد بالكلمة وغيرها في تاريخ الأمة الإسلامية، زاروها ولم يقولواـ من خلال ما علمت وقرأت واطَّلعت ـ بأنهم لن يدخلوا القدس ما دامت تحت حراب الاحتلال الصليبي، بل على العكس من ذلك، فهذا أبو حامد الغزالي دخل القدس وهي تحت الاحتلال الصليبي من باب الأسباط فرأى 360 حلقة علم في ساحات المسجد الأقصى المبارك فبكى لانخفاض مستوى إقبال الناس على العلم)

وأقول هذا الكلام يدل على جهل فاضح بالتاريخ فالعز بن عبد السلام ولد سنة 577 هـ وتوفي سنة 660 هـ أي لما حررت القدس من يد الصليبيين سنة 583 هـ كان عمره ست سنوات.

وأما شيخ الإسلام ابن تيمية فمولده سنة661هـ أي بعد تحرير القدس من يد الصليبيين بحوالي سبعين سنة وتوفي ابن تيمية سنة 728هـ.

وأما أبو حامد الغزالي فلم يدخل القدس وهي تحت الاحتلال الصليبي بل دخلها قبله بأربع سنين، قال ابن كثير في أحداث سنة 488 هـ: [وفي ذي القعدة منها خرج أبو حامد الغزالي من بغداد متوجهاً إلى بيت المقدس تاركاً لتدريس النظامية، زاهداً في الدنيا، لابساً خشن الثياب بعد ناعمها، وناب عنه أخوه في التدريس ثم حج في السنة التالية ثم رجع إلى بلده، وقد صنف كتاب الإحياء في هذه المدة] البداية والنهاية 13/249.

ومن المعلوم أن القدس سقطت بأيدي الصليبيين سنة492 هـ.

وقد حوَّل الصليبيون المحتلون المسجد الأقصى إلى إسطبل لخيولهم، فلم يكن هنالك صلاة ولا حلقات علمٍ خلال تلك الفترة التي امتدت حوالي تسعين عاماً؟!

أحد عشر:

إن المعتمد الأساسي للمانعين من الزيارة هو النظر في مآلاتها وما يترتب عليها من التطبيع مع الاحتلال كما قال د. محمد شبير: [فإذا كانت الزيارة تنطوي على تطبيعٍ مع الاحتلال الصهيوني، وإقرارٍ له على احتلال القدس والمسجد الأقصى وباقي فلسطين، فلا تجوز تلك الزيارة، وبخاصة إذا كان الزائر لا يدخل إلى فلسطين والقدس إلا بتأشيرة خاصة من دولة الاحتلال الصهيوني في الأرض المحتلة، أو من إحدى سفاراتها في خارج الأرض المحتلة، فلا يجوز للمسلم المقيم في كافة البلاد أو غيره الحصول على تأشيرة بقصد زيارة المسجد الأقصى والقدس. أما إذا كانت تلك الزيارة لا تنطوي على تطبيعٍ مع العدو الصهيوني، كما إذا كان الزائر يحمل جواز سفرٍ بني صهيوني، أو هويةٍ صهيونية: كالفلسطيني الذي يقيم في المناطق المحتلة قبل عام(1948) ولا يزال، والفلسطيني الذي يقيم في الخارج، ولكنه خرج للعمل في الخارج، وهو يحمل إذن خروجٍ ودخولٍ مسبقٍ؛ فيجوز لهم الذهاب لزيارة القدس والمسجد الأقصى والصلاة فيه] وهذا نظر سديد وفقهٌ حسن.

ثاني عشر:

مئات آلاف الفلسطينيين ممنوعون من زيارة المسجد الأقصى المبارك ومن الصلاة فيه، بل كثيرٌ من أهل القدس ممنوعون من ذلك. ومنهم العلماء والدعاة.

ثالث عشر:

آلاف الفلسطينيين يعيشون في القدس وأحيائها فهؤلاء أولى الناس بزيارة المسجد الأقصى المبارك والصلاة فيه بشكلٍ يومي، ومع الأسف الشديد فإنك لا تجد في كثيرٍ من الصلوات الخمس إلا أعداداً قليلة من المصلين بمقدار صف أو صفين، بينما تجد كثيراً من هؤلاء يشدون الرحال لزيارة المناطق السياحية كطبرية وإيلات!!

الخلاصة:

وخلاصة الأمر أن زيارة المسجد الأقصى والقدس بتأشيرة صهيونية، نازلةٌ فقهيةٌ معاصرةٌ، تحتاج إلى تأصيلٍ فقهيٍ وفق ضوابط دراسة النوازل الفقهية عند العلماء، ولا يجوز لغير أهل الشرع أن يتحدثوا عن الحكم الشرعي فيها. وأما أن يتناولها السياسيون والكُتَّاب والصحفيون وغيرهم من جوانب أخرى فذلك شأنهم. وإن تسييس الفتاوى من الأمور التي تخرجها عن جادة الصواب، فلا يجوز جعل الدين عامةً والفتوى خاصةً مطيةً لتحقيق أهدافٍ سياسيةٍ أو إرضاءً للحكام. وللمسجد الأقصى المبارك مكانة عظيمة عند أهل السنة والجماعة، ومع ذلك فإن زيارته سنةٌ مستحبةٌ وليست فريضة، والقول بتحريم زيارة المسجد الأقصى والقدس بتأشيرة صهيونية، مسألةٌ أثيرت منذ أكثر من أربعين سنة، وأفتى بذلك عددٌ من العلماء منهم بعض شيوخ الأزهر ومفتين مصريين سابقين وغيرهم. ودعوى أن عدداً من علماء الأمة الكبار قد زاروا المسجد الأقصى والقدس إبان الاحتلال الصليبي لها، دعوى باطلة، وما ساقه المؤيدون للزيارة من أدلةٍ لا تنهض لإثبات صحة الدعوى، والمعتمد الأساسي للمانعين من الزيارة هو النظر في مآلاتها وما يترتب عليها من التطبيع مع الاحتلال وأن المفاسد المترتبة عليها أكثر من المصالح، ومعلوم عند الفقهاء قاعدة: “درء المفاسد أولى من جلب المصالح” فإذا تعارضت مفسدةٌ مع مصلحةٍ قُدِّم دفعُ المفسدة غالباً. وأن الأنفع والأجدى هو توفير أوجه الدعم الأخرى لقضية الأقصى والقدس وفلسطين وتخليصها من الاحتلال.

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى