دور الحركة الصهيونية في التخطيط للمحرقة اليهودية
بقلم أحمد الظرافي
بعد أن عقد اليهود مؤتمرهم الأول في مقر بلدية بازل السويسرية، في آب1897، والذي تمخض عن وضع حجر الأساس، لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وأنشأ “المنظمة الصهيونية العالمية”، لتكون الأداة التنظيمية، لتنفيذ هذا البرنامج. وبعد نجاح هذه المنظمة في الحصول على الوعد الصليبي المشئوم، المعروف بـ “وعد بلفـور”، وزير خارجية بريطانيا، في 2/11/1917، بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وكذا بعد الاحتلال البريطاني لفلسطين عام 1918 لوضع وعد بلفور، موضع التنفيذ، أي تهيئة الظروف الموضوعية لتحويل فلسطين إلى دولة يهودية، وتسهيل هجرة اليهود إليها، من جميع أنحاء العالم.
أقول: بعد كل تلك الإنجازات والنجاحات، التي حققتها الحركة الصهيونية، أدرك مؤسسو وزعماء هذه الحركة، أن مشروعهم الاستيطاني الاستئصالي التهويدي، في فلسطين، لن يتحقق، ولن يكتب له النجاح، ولن يصبح واقعا، مادام اليهود المنتشرون في بلدان الشتات، يرفضون ترك أوطانهم الأصلية، التي ولدوا وترعرعوا فيها، والتوجه الى وطن آخر جديد، لا يعرفونه، ولا تربطهم به أدنى صلة، اللهم إلا اساطير وخرافات تلمودية، وذلك على الرغم من الإغراءات والوعود المعسولة التي وعدتهم بها الحركة، عن الحياة الرغيدة في هذا الوطن الجديد، وعن المستقبل السعيد، الذي ينتظرهم. ولإيجاد حل جذري لهذه المعضلة، فقد سوغ زعماء الحركة الصهيونية لأنفسهم، العمل بقاعدة ” الغاية تبرر الوسيلة”، ولذلك، فلم يتورعوا عن التفاهم مع من يسمونهم “أعداء السامية”، ومشاركتهم في تدبير وتنفيذ المجازر، ضد اليهود، بهدف دفعهم للهروب من مواطن استقرارهم، واللجوء، بالتالي، الى ما يسمى “أرض الميعاد”، التماسا للنجاة بجلودهم، وذلك بوسائل نقل أعدتها الوكالة اليهودية لهم سلفا، بالتنسيق مع حكومات الدول الاستعمارية، وبخاصة بريطانيا، لتفهم، هذه الدول لطبيعة المشروع الصهيوني في فلسطين، وأهمية دوره، كامتداد للغرب وحضارته وقيمه، في الشرق الأوسط، وفي عالم يعج بالتخلف، والجهل، والبدائية، والتعصب، من وجهة نظرهم، وهو العالم الإسلامي. وقد بذلت الحركة الصهيونية، أموالا طائلة، لتغذية موجات الاضطهاد ضد اليهود، وزيادة وتيرة العداء للسامية، لتشريد المزيد من اليهود، من أوطانهم، وإجبارهم على التوجه إلى فلسطين.
وفي هذه الإطار، ركز زعماء الحركة الصهيونية، على التحالف مع الأنظمة الديكتاتورية، وكللت جهودهم في هذا الصدد، بتوثيق العلاقات مع الأنظمة الفاشية، في إيطاليا وألمانيا، تلك الأنظمة الصاعدة والطامحة لحكم العالم، ففي عام 1923 عُقد لقاء بين حاييم وايزمن (1874-1952)، رئيس المنظمة الصهيونية العالمية (1920–1946)، والشخصية اليهودية الأبرز، بعد هرتزل، والعقل المدبر لوعد بلفور (والذي صار فيما بعد، أول رئيس للكيان الصهيوني) والزعيم الفاشستي الايطالي موسوليني، هذا الأخير، الذي أظهر تحمسه للمشروع الصهيوني، وأبدى استعداده لتقديم كل المساعدات اللازمة لليهود للإسراع في استيطان أرض فلسطين وتهويدها، وأكد بأن حكومة بلاده تضع إمكاناتها لمساعدة اليهود في انشاء أسطول بحري، وتدريب بعض الطيارين! ولم ينته الأمر عند هذا الحد، فقد تكررت لقاءات زعماء الحركة الصهيونية بموسوليني، بعد ذلك، ففي 13/11/1934، التقى ناحوم غولدمان (1895-1982)، أحد زعماء الحركة الصهيونية، ومندوب الوكالة اليهودية، لدى عصبة الأمم عام1935، بموسوليني، الطامح لإعادة أمجاد الإمبراطورية الرومانية، وقد قام الدوتشي، خلال هذا اللقاء، بتأكيد موقفه المؤيد والداعم للمشروع الصهيوني، وأبدى موافقته على فكرة تأسيس “المؤتمر اليهودي العالمي”، تلك الفكرة التي طلب جولدمان مشورته فيها. ولذلك، فإن هجرة قطاع واسع من يهود بلاد المغرب، قد حصل تحت ضغط الفاشية والنازية، لاسيما في تونس وليبيا. كما صرّح بذلك موريس روماني في كتابه (يهود ليبيا من التعايش إلى الرحيل).
وكان وصول هتلر، والذي يُنظر إليه على أنه عدو السامية الأول، الى منصب المستشارية، في ألمانيا في 30/1/1933، مبعث ارتياح لزعماء الحركة الصهيونية، فقد رأى زعماء هذه الحركة، في وصول النازيين، الى قمة السلطة، في واحدة من أكبر الدول الرأسمالية في أوربا، والمعقل الذي كان يعج باليهود، وقتذاك، فرصتهم الذهبية لتضييق الخناق على يهود أوربا، والتعجيل في دفعهم للهجرة الى فلسطين. فقد تبين ان زعماء الحركة الصهيونية، كانت لهم علاقات متينة بهتلر، من قبل وصوله الى الحكم، كما تبين ان النازيين كانوا يتلقون مساعدات مالية ضخمة من المؤسسات المالية الصهيونية، في غرب أوروبا، وهي المساعدات التي ساعدتهم في الوصول الى السلطة، وقد أظهرت الوثائق حتى الآن، أن النازيين تسلموا عام 1929 مبلغ 10 ملايين دولار من بنك “مندلسون أندكومباني”، الصهيوني بأمستردام، كما تلقوا عام 1931 مبلغ 15 مليون دولار. وفي عام 1933، بعد أن تبوأ هتلر منصب المستشارية، كان أول دعم تلقاه من الصهاينة، وهو مبلغ 126 مليون دولار. وهذه المساعدات المالية الكبيرة، كانت عوناً للنازيين، لبناء قوتهم العسكرية والاقتصادية اللازمة لاجتياح أوربا، وإبادة الملايين من البشر، ومن بينهم اليهود، وهو ما اعترف به “ناحوم جولدمان”، في كتابه “السيرة الذاتية”. ولهذا، فإنه في الفترة من 1932 إلى 1944 هاجر 265 ألف يهودي إلى فلسطين، وهو أعلى رقم بلغته أفواج المهاجرين اليهود، اثناء فترة الاحتلال البريطاني لفلسطين (1918-1948)، وهذا لا يعود إلى حنين اليهود، لأرض الميعاد، وإنما إلى وصول هتلر، حليف الحركة الصهيونية، إلى السلطة، وسياسته العدائية المفتعلة، ضد اليهود، لدفعهم للهجرة إلى فلسطين، ولذلك قال أحد المعلقين: إذا كان هرتزل هو ماركس الصهيونية (أي منظرها)، فإن هتلر هو لينينها (أي هو من وضعها موضع التنفيذ).
والجدير بالذكر، أنه قبل الشروع في تنفيذ المخطط الصهيوني- النازي ضد اليهود، قام الصهاينة بالتنسيق مع جهاز المخابرات الألمانية (الجستابو)، بشن حملات دعائية واسعة، تتهم من خلالها السلطات النازية، بتعقب اليهود واعتقالهم، وبناء على تعليمات من جيرنيك أحد كبار مسئولي الجستابو، تم إرسال مندوبين الى لندن وبراغ، بهدف تصعيد الحملة الدعائية، حول ما يتعرض له اليهود من مطاردات واعتقالات، في ألمانيا.
وفي مقابل ذلك الدعم الذي كانت تتلقاه الحركة النازية من المنظمات الصهيونية، كانت هذه المنظمات تلقى كل دعم ومساندة من السلطات النازية. وقد قالت مجلة (شترن) الألمانية أن أسحاق شامير رئيس منظمة (الأرغون) الإرهابية، آنذاك (ورئيس وزراء إسرائيل فيما بعد)، قام بإجراء اتصالات مع النازيين، عبر الملحق البحري الألماني في السفارة الألمانية في تركيا، وقدم عرضا يفيد بأن أهداف (الأرغون) تتفق مع أهداف (النازية) لجهة إجلاء اليهود من أوروبا، تمهيدا لإقامة نظام أوروبي جديد، ولا يكون ذلك، إلا بتهجير اليهود إلى فلسطين. كما: نشر الكاتب الألماني (غوليس مادر) قائمة من 16 صفحة تضم أسماء الزعماء الصهاينة، الذين تعاونوا مع جهاز الاستخبارات النازي (الغستابو)، والذين صار عدد منهم، فيما بعد، من كبار مسئولي الدولة الصهيونية، منهم حاييم وايزمن، وموسى شاريت، وإسحاق شامير، وديفيد من غوريون، وغيرهم. كل ذلك، وغيره يدل على أن الزعماء الصهاينة، كانوا ولا زالوا هم المستفيد الأبرز من تلك المجازر، وهو ما عبر عنه قس انجليكاني، بقوله: “إن الهولوكوست كان نعمة من الله أدى إلى خلق دولة إسرائيل”. بل وإلى تحويل ألمانيا إلى بقرة حلوب لتغذية هذا الكيان الغاصب اللقيط، تحت مسمى “التعويضات”.
وليس ذلك فحسب، ففي ثلاثينيات القرن الماضي، وبينما كان اليهود، نتيجة لحملات الاضطهاد المنظمة، ضدهم في أوطانهم الأصلية في دول أوروبا الشرقية وروسيا بتحريض من الحركة الصهيونية، يتهافتون للهجرة إلى أمريكا وأستراليا طلبا للأمان ولقمة العيش، بدلا من الهجرة إلى فلسطين، تنفيذا لجدول أعمال الحركة الصهيونية، نجح زعماء هذه الحركة، في إقناع الإدارة الأمريكية، في استصدار قرار، يقضي بمنع دخول المهاجرين اليهود، الى أمريكا، مثلما نجحت الحركة، في إقناع الحكومة البريطانية، في استصدار قرار مماثل، يحول بين اليهود وبين التوجه الى استراليا، وغيرها من المستعمرات البريطانية، فيما عدا فلسطين، بطبيعة الحال. ومن هنا فقد ظلت أبواب فلسطين مفتوحة على مصراعيها للمهاجرين اليهود، وبخاصة للشباب، فهؤلاء هم من كانت تهتم الحركة الصهيونية بإنقاذهم، ودفعهم للهجرة إلى “أرض الميعاد”، نظرا لقدرتهم على حمل السلاح، وإمكانية تعبأتهم وغسل أدمغتهم، وتحويلهم، من ثم، إلى قتلة وسفاحين ورجال عصابات، لأن المشروع الصهيوني في فلسطين، مشروع استيطاني استئصالي تهويدي، مبني على ترسانة من الأساطير والخرافات والأكاذيب، وما كان هذا المشروع، ليتحقق لولا سياسة العنف، والبطش، والإرهاب، والاغتصاب، والمجازر الجماعية، المخطط لها مسبقا، لأجل اقتلاع شعب فلسطين من جذوره، وسحقه، وتشريده في البلدان، وهذه غاية ما كان لها أن تتحقق لولا الاعتماد على الشباب اليهودي، ذوي النزوع الاجرامي، وعلى دعم وحماية السلطات الاستعمارية. ولذلك، فقد قال حاييم وإيزمان، فى المؤتمر الصهيونى العشرين عام 1937:”إن آمال ستة ملايين يهودى ترتكز على الهجرة.. وفى عمق المأساة اليهودية أريد فقط إنقاذ مليونين من الشباب، أما الكهول فقد يتحملون مصيرهم، وقد لا يتحملون، فهم مجرد غبار اقتصادي وأخلاقي في عالم قاس، وعلينا القبول بهذا الواقع”.
كل ذلك، والحملات الدعائية الصهيونية، تتصاعد، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية (1939-1944)، مدعية أن محرقة هتلر “الهولوكوست”، قد أبادت ستة ملايين يهودي، مسدلة، في الوقت نفسه، غيوم سوداء كثيفة، للتغطية على الجهة التي خططت لتلك المأساة، واستفادت منها، وهي الحركة الصهيونية، هذه الحركة التي نجحت في استصدار القوانين من حكومات الدول الغربية، لمعاقبة وملاحقة وقمع، كل باحث جاد ومنصف، يحاول كشف الحقيقة، ودحض هذه الأكذوبة، وتفنيد مزاعم اليهود حولها، بالأدلة والبراهين، وتصفيته معنويا وجسديا، وذلك حتى لا ينكشف ضلوع هذه الحركة، في تنفيذ تلك المجازر، وتعاونها المشبوه مع النازية، ضد بني جلدتها، لإجبارهم على الهجرة إلى “أرض الميعاد”، كخيار وحيد للنجاة من الموت.
(المصدر: مجلة البيان)