مقالاتمقالات مختارة

دفاعاً عن الدعاة والعلماء

دفاعاً عن الدعاة والعلماء

بقلم فداء ياسر الجندي

كتبت الأستاذة الفاضلة (عابدة المؤيد)، وهي داعية معروفة، يتابع صفحتها على الفيسبوك عشرات الآلاف، كتبت منشورا على صفحتها، تشكو فيه ظلم الرجال للنساء، وتضع اللوم في هذا الظلم على الدعاة والمشايخ، لأنهم لا يتكلمون عن رفق رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهله، ولأن “حديثهم وشغلهم هو الطاعة، ويميلون لطرف واحد… دون تفكير بفقه المآلات وطبيعة الأزواج”، حسب قولها، وقد رأيت فيما تفضلت وكتبت شيئا من الجور بحق العلماء والمشايخ، فكتبت تعليقاً على منشورها المذكور، أنشره هنا لتعميم الفائدة، وحتى أكون منصفاً، أضع أولا فيما يلي منشور الأستاذة عابدة كاملاً، كما جاء على صفحتها، ثم أضع تعليقي عليه.

تحت عنوان (شيء من عالم النساء)، كتبت الأستاذة عابدة:

كنت أمس مع مجموعة من السيدات المحترمات، كلهن من عائلات راقية جداً ومعروفة، وقد أصابهن الكبر، فهذه تشكو من ظهرها وأخرى من ركبها… ومشكلتهن جميعاً عدم تفهم الزوج لوضعهن، وحرصه فقط على كمال طعامه وشرابه وحسن خدمته، فبعد أن تُتهي أعمال المنزل والمطبخ… وتجلس لتتزود ببعض الراحة (قبل أن يحين موعد العشاء وتتوجه للمشاق مجدداً)… تبدأ الطلبات: شاي، قهوة، أشتهي هذه الحلوى، أو أريد هذا الطبق للعشاء… أو…. ولضجره يدعو 20 من رفاقه… ويكتب لها المنيو: كبة، يلنجي…. أصعب الأكلات، والتي تزيد آلام الرقبة وتضر أعصاب اليد…

أو يراقبها ويملي عليها: هذه الغرفة تحتاج لتنظيف، اليوم يجب أن تغسلي، أريد كوي هذا البنطال حالاً (وهو يملك عشرين نظيفة ومكوية)… !؟

هو تقاعد، فيرتاح ويشاهد التلفاز، ويسترخي متى شاء… ويضغط عليها هي ليروح عن نفسه مع رفاقه، ويمضي أيامه مرتاحاً على حساب تعبها وبذلها…

وقلن جميعاً: لو كانت فيها قوة وصحة للاطفته.. ولكنها هي أيضاً كبرت، وملت واستهلكت: “فعمل المرأة هو عدة مهام، والمصيبة ليس فيه تقاعد ولا استراحة ولا حتى عطلة في يوم الجمعة… مستمر حتى الممات، فنحتاج للرحمة والإعانة…”

ولكن وبدل التخفيف يزيد بعض الأزواج الثقل عليها؛ فلا يقومون لأداء أي عمل يخصهم، حتى كوب الماء يستلقي الزوج على الأريكة ويطلبه ليأتي لعنده، ولو كانت الزوجة ذاهبة للمطبخ بشكل طبيعي، فممكن أن يقول لها: من فضلك وبطريقك أحضريه لي معك

ولكنه يقيمها من مجلسها لتحضره، وأولاده ينظرون (وهم فيهم قوة ونشاط، وعليهم بره وبرها!! ) فيخالف أيضاً المروءة والتربية السليمة

وعلى فكرة وصحيح أني بدأت منشوري بواقعة محددة، ولكنها ظاهرة عامة مؤسفة، ولذلك كتبت عنها، فهل يتكلم الدعاة والمشايخ عن هذا؟ هل يتكلمون كيف كان النبي يخصف نعله ويقوم على كل شؤونه بنفسه، ولا يكلف حتى خادمه بها (وقد وجد ليخدمه)… وفوقها يكون في مهنة أهله؟! وأين الرفق والرحمة…

طبعاً حديثهم وشغلهم هوالطاعة، ويميلون لطرف واحد… دون تفكير بفقه المآلات وطبيعة الأزواج… وهذا نتاجها تحولت الزوجة إلى عبدة وخادمة، وتكرست عند كثيرين الأنانية المفرطة، والتسلط والطغيان… حتى إذا أُنهكت المرأة وصارت تشكو وتتذمر… قالوا عنها “نكدة” والعيشة معها صعبة، أو ناشزة… (انتهى كلام الأستاذة عابدة)

فكتبت معلقاً:

سيدتي الفاضلة:

أولاً: من غير المقبول أن تعممي ما تشتكي منه نساء مجلسك على المجتمع كله، نحن اليوم في عصر العلم وأي تعميم لا يصح إطلاقه دون إحصائيات واستبيانات ودراسات واضحة.

ثانيا: بما أن من تفضلت بذكرهن من النساء من العائلات المحترمة الراقية، فهل يخلو بيت إحداهن من مكنسة كهرباء، وغسالة أوتوماتيك، وجلاية صحون وفرن مايكروويف؟ (قد خلت منها بيوت أمهاتنا وما كن يشتكين)، هل هن من يقمن بكي الملابس أم يرسلنها إلى المصبغة؟ (كانت أمي تمضي يوم الجمعة في الغسيل، وليلة السبت في كي ملابس الفتوة وصداري المدارس وملابسنا جميعا، وعددنا ستة أولاد، ولم تكن تشتكي)، وأنا موقن أن الغالبية من نساء مجلسك الراقيات لديهن شغالات دائمات أو غير دائمات للمساعدة في التنظيف والكي رغم كل هذه المعدات الحديثة.

ثانيا: تقولين إن الدعاة والمشايخ لا يتكلمون عن معاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهله ومساعدته لهم ورفقه بهم، حسناً، سأسرد لك قائمة بأسماء الدعاة والمشايخ (مع حفظ ألقابهم ومقاماتهم)، وأكثرهم انتشارا، سواء بكتبهم أو محاضراتهم أو ندواتهم أو حضورهم على وسائل الإعلام، وهؤلاء كلهم بلا استثناء قد تكلموا وأفاضوا في هذا الموضوع، منهم الأحياء أطال الله في أعمارهم ومنهم من انتقل إلى رحمة الله، رحمهم الله وأحسن إليهم:

راتب النابلسي، عمر عبد الكافي، يوسف القرضاوي، محمد الغزالي، علي الطنطاوي، مصطفى الزرقا، محمد متولي الشعراوي، أحمد عمارة، سلمان العودة، عائض القرني، محمد العريفي، يوسف القرضاوي، سعيد رمضان البوطي، محمد عبده، سعيد الكملي، الطاهر بن عاشور، البشير الإبراهيمي، أسامة الرفاعي، سارية الرفاعي، نعيم عرقسوسي، أمجد قورشة، محمد علي الصابوني، علي العمري، محمد العوضي، نبيل العوضي …. هل تريدين المزيد؟

هذا ما يحضرني الآن من الأسماء، وتستطيعين بسهولة أن تجدي كبتهم وروابط ندواتهم ومحاضراتهم التي يتكلمون فيها عن حال رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نسائه، وكيف كان عليه الصلاة والسلام يخصف نعله ويصلح ثوبه ويقوم في مهنة أهله.

ثالثاً: نعم، أنا متيقن من أن هناك نماذج من الرجال لا يعاملون نساءهم كما أمر الله وكما كان يفعل رسول الله، ولكن سبب هذا ليس تقصير الدعاة، ولا جور أحكام الفقه، ولا تحيز الفقهاء، سببه هو سوء تربية هؤلاء الرجال، بل سوء التربية في مجتمعنا بشكل عام، ومجتمعاتنا فيها الكثير من المشاكل بسبب عدم الالتزام بشرع الله، ووجود مثل هذه النماذج من الرجال أحد هذه المشاكل، لا نختلف معك في ذلك.

ولكن أن نقول: السبب هو تقصير الدعاة وأنانية الفقهاء، وأنهم لا يتكلمون إلا بأحاديث الطاعة والقوامة، وأنه بسبب ذلك أصبحت المرأة خادمة، فاشتكت، فقالوا نكدة وناشز… فاسمحي لي أن أقول إن هذا غير مقبول إطلاقاً، وبعيد كل البعد عن الموضوعية والإنصاف.

(انتهى تعليقي على منشور الأستاذة عابدة).

نسأل الله تعالى أن يصلح مجتمعاتنا، وأن يلهم رجالنا ونساءنا الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يحفظ الدعاة والعلماء ويعينهم على أداء واجبهم، لأن مهمتهم عسيرة في زماننا، لأسباب كثيرة ليس هذا موضع الكلام فيها.

(المصدر: رابطة العلماء السوريين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى