خيانة العسكر والباشا الليبرالي من أحمد عرابي إلى محمد مرسي
بقلم ممدوح اسماعيل
عجيب هذا التاريخ عندما تقلب صفحاته تجدها متشابهة وإن اختلفت أسماء الأشخاص وأدوارهم ومكانهم لكن أصل القصة واحد وعندما نرجع بصفحات التاريخ أكثر من 130 عام وفي يوليو 1882 نجد صفحة كبيرة سوداء من الخيانة من الخديو إلى الباشوات الليبراليين إلى الضباط الخونة العبيد والصفحة كأنها فيلم أبيض وأسود تعددت فيه المشاهد بين الأبيض أحمد عرابى الفلاح الشرقاوى الذى يتطلع إلى حرية واستقلال مصر والأسود الخونة وكان الفيلم أعيد تكراره بصور جديدة فى محور الخيانة عام 2013 مع تغيير طفيف فى الأماكن والأشخاص والسيناريو ولكن اختلفت النهاية للقادة بين محمد مرسى الصامد وعرابى الذي هزمه المنفى لكن ظلت المشاهد الرئيسية فى قصتهما بين الأبيض الأحرار الذين يتطلعون للحرية والأسود الخونة عبيد الاستبداد.
البداية عندما احتل الإنجليز الإسكندرية في يوليو 1882 ثم توجهت قواتهم إلى كفر الدوار ولكنها وجدت مقاومة من المصريين للحفاظ على حريتهم واستقلالهم فرجعوا واستعانوا بسلاح الخيانة ومن هنا نشاهد صفحات سوداء من الخيانة، المشهد الأول: أدرك عرابى أن الإنجليز سيتوجهون نحو قناة السويس فأرسل إلى ديليسبس لمنع مرور الإنجليز ولكن ديليسبس طمأنه إلى الشرعية الدولية وحياد القناة وأنه لن يسمح ولكنه تآمر مع الإنجليز وسمح لسفنهم بالعبور كى تتوجه لحرب عرابى واستعان الإنجليز بالمواطنين الشرفاء من البدو فى الصحراء لإرشادهم المشهد الثانى بعد منتصف الليل وفى الساعات الأولى من صباح يوم 13 سبتمبر 1882 في معسكر الجيش المصري بالتل الكبير القائد أحمد عرابي أعلن أنه يفدى حرية واستقلال مصر بدمه وقد جلس في خيمته يقرأ الأوراد والأدعية مطمئنا ﻹخلاصه فى دفاعه عن مصر مدعوما بالحالة الإسلامية وفتاوى العلماء ولكنه كان يدرك أنه يوجد خطر على مصر وهو لن يترك بلده يحتل من الإنجليز فجمع الجنود المتطوعون للحفاظ على استقلال بلاده وحريته وتجمعوافى اعتصام التل الكبير علي امتداد ستة كيلومترات وانتشروا داخل الخنادق وأقاموا الاستحكامات المقامة من الرمل والطين وكان منهم يحملون سلاحا وكثيرون لا يحمل شيئا.
المشهد الثالث: تحركت الخيانة يظهر في الكادر العسكري الخائن سعود الطحاوي يدخل إلي عرابي في خيمته يطمئنه ويقسم له أنه لا انقلاب وأنه معه للحفاظ على شرعية الاستقلال لمصر وأن الإنجليز لن يهجموا قبل أسبوع على الأقل ثم يتسلل الطحاوي بخفة الثعبان إلى صفوف الإنجليز ليرشد طلائعهم في صباح اليوم التالي إلى كيفية تدمير اعتصام أحمد عرابي. المشهد الرابع: إطمئن الجنرال ويلسي القائد الإنجليزي إلى أن المصريين سينامون ليلتهم نوما هنيئا بدون أى شكوك بعد أن قام الخونة بدورهم فى طمأنة المعتصمين ويطفيء جيش الاحتلال أنواره للتضليل ويخيم الظلام الدامس ويزحف 11 ألفا من المشاة و2000 من الفرسان وستون مدفعا ولك أن تتخيل المشهد أن الضابط سعود الطحاوي المصرى في المقدمة يرشدهم إلى الطريق.
ولم يكن يؤدي هذه المهمة وحده بل كان يعاونه بعض العسكر من المصريين الذين خانوا واجبهم وتحالفوا مع الشيطان مقابل حفنة من الجنيهات الذهبية والوعد من القوة الدولية بالحماية. المشهد الخامس: تحرك جيش الاحتلال الإنجليزي وكان أول نقاط المواجهة مع فرقة السواري ولكن قائدها العسكرى الخائن عبد الرحمن حسن كان فى الخيانة وعلى اتصال دائم بالإنجليز فتحرك بجنوده تحت جنح الليل بعيدا عن أرض المعركة ليمر الجيش الإنجليزي في سلام. المشهد السادس: يزحف جيش ااحتلال اﻹنجليزى وعن بعد كانت مصابيح تنير له الطريق يحملها علي يوسف الليبرالي الشهير بخنفس باشا الذى خدع جنوده فارسلهم للراحة وحرصا على أن لا يضل الإنجليز طريقهم فوضع لهم المصابيح في 30 يونية التي ترشدهم إلى الطريق الذي يسلكونه.
المشهد السابع: أصبحت الساعة الرابعة والدقيقة الخامسة والأربعون وقد تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود حين أعطيت إشارة الهجوم وانطلق ستون مدفعا وأحد عشر ألف بندقية وألفان من الحراب تقذف الهول والموت والفزع في الجند النائمين الذين قاموا على صرخة واحدة لا يعرفون أهي القيامة أم بركان انشقت عنه الأرض أم الإنجليز، تفرق المصريون يبحثون عن مهرب فلا أحد كان يتوقع الخيانة ووقتها لم يتم تصوير المشهد لكن بعد 130 عام كان المشهد يبث مباشر والعالم يشاهد ويتفرج المشهد الثامن كان عرابي لا يزال بخيمته يصلي الفجر على ربوة قريبة حين باغته الهجوم وسقطت قذيفة مباشرة على خيمته فتركها للنيران وهنا روايتان فى التاريخ الأولى أنه قبض عليه الإنجليز وهو يشرع فى ارتداء حذائه، والثانية أنه استجمع شجاعته وأسرع وامتطي جواده ونزل في ساحة المعركة فأذهله أن رأي جنوده يفرون ووقف يحاول عبثا جمعهم ولكن التيار كان جارفا وقد ضاع صوته عن الثبات للاستقلال والحرية في انفجارات القنابل وطلقات الرصاص، إنه هول الخيانة والمفاجاة وكادت المدافع تصيبه لولا أن خادمه لوي عنان فرسه قهرا عنه فانقذ حياته وانطلق يعدو بجواده إلي بلبيس ليحاول عبثا أن يقيم خطا ثانيا للدفاع عن القاهرة ولكنه قبض عليه.
المشهد التاسع: غربت شمس ذلك اليوم خلف التلال كانت الدماء التي تخضب رمال الصحراء والميدان تشكو إلى ربها مرارة الخيانة وكانت الذئاب قد أقبلت تنهش الجثث التي ملأت الخنادق التي أقامها الفلاحون المصريون من الرمل والطين والدماء وجاء المصورون الإنجليز يلتقطون صورا تذكارية لجثث الفلاحين المصريين لنشرها في صحف لندن للتباهي بالنصر الوضيع وخرج إعلام القاهرة صحيفة الأهرام تزف خبر القضاء على الخائن عرابى هو وإخوانه. المشهد العاشر: الخونة الذين باعوا وطنهم قد قبضوا الثمن بضعة آلاف من الجنيهات وقد كتب خنفس إلى الإنجليز يتظلم لأنه أخذ ألفين فقط ولم يأخذ عشرة آلاف مثل الليبرالي الكبير سلطان باشا رئيس مجلس النواب المحكمة الدستورية للاحتلال.
المشهد الأخير كان ثلاثة شيوخ من الأزهر جهروا بكلمة الحق الشيخ عليش والعدوى والخلفاوى وأعلنوا كفر الخديو توفيق لخيانته ومساعدته اﻹنجليز فى ضياع سيادة مصر واحتلالها من الإنجليز ولكن قوى البغى والظلم اعتقلتهم وقدمتهم للمحاكمة كى تؤكد سيادة قانون الظلم ورغم ما حدث من الخيانة وهزيمة عرابى وسيطرة الإنجليز والخونة لكنهم لم يتراجعوا عن موقفهم وكلمة الحق وسجلوا موقفا سجله التاريخ من نور فى تلك الصفحة السوداء وتشكلت لهم محاكم هزلية من قضاة الاحتلال والظلم فسجنوا ومنهم من مات فى سجنه صابرا محتسبا وتمت محاكمة عرابى ورفاقه جزاء دفاعه عن مصر والحكم بالإعدام على عرابى ثم تم تخفيفه بالنقض إلى النفى وانتهى المشهد كله على احتلال الإنجليز لمصر سبعين عاما ولم يتركوها إلا بعد أن سلموها للطحاوى والأطرش وخنفس باشا ليعيد زملائهم وأتباعهم إنتاج الفيلم بالألوان وبإخراج جديد فى يوليو 2013.
(المصدر: مدونات الجزيرة)