كان خطاب ترامب في حفل تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية لافتا للأنظار، فإن كان جون كينيدي قد خطب لمدة ساعة يوم تنصيبه، وباراك أوباما لمدة أربعين دقيقة فإن دونالد ترامب قد خطب لمدة ثمانية عشرة دقيقة فقط، وسيذكر الأمريكيون أن خطاب ترامب كان أقصر خطاب رئاسي في تاريخ أمريكا.
يريد ترامب أن يوجه رسالة واضحة للجميع، فهو يريد أن يقول لكل من انتخبوه أنه سيفي بوعوده، وأنه ليس من أنصار الكلام الكثير، ويريد أن يقول للمتوجسين خيفة منه عصر ترامب قادم، فترامب المرشح ليس ترامب الرئيس، فالأول كان يقدم وعودا انتخابية، والثاني يطبق كل ما وعد به، وفي جعبته الكثير.
وجه رسائل تحذير في خطابه بشكل واضح، وأكد كل المخاوف التي أثارها جميع من اتخذ موقفا مسبقا منه، وأكد شعاره: “أمريكا قبل كل شيء”. أما البقية فسيكون التعامل معها وفق مبدأ: “من يريد شيئا من الولايات المتحدة الأمريكية فعليه أن يدفع الثمن المناسب”.
في وقت التنصيب كان الآلاف من الأمريكيين المعارضين لترامب يتظاهرون في الشارع الأمريكي ضد سياسات ترامب، لكنه لم يهتم بذلك؛ لأن ذلك لا يدخل في طبيعته أصلا، وهذا الأمر جدا يوضح بما لا يدع مجالا للشك أن ترامب لا يهتم للانتقادات، وأنه سينفذ ما في رأسه وفقط، كم ردّ سكرتيره الصحفي بقوله: “كان هناك عدد هام من الناس في حفل تنصيب الرئيس”، بينما ذهب نواب الكونغرس إلى المقارنة بين صور تنصيب باراك أوباما وبين صور تنصيب دونالد ترامب حيث وضحت الصور قلة عدد الأمريكيين الذين حضروا فيما يسمى الموال ونصب لنكولن التذكاري.
ووقع ترامب قرارا ضد برنامج أوباما- كير، والذي يحتاج إلغاءه إلى موافقة الكونغرس، وقرارا ببناء جدار مع المكسيك، وقرارا بمنع اللاجئين السوريين من الدخول إلى أمريكا، وآخر بمنع إصدار التأشيرة في حق سبع دول مسلمة.
لكن أخطر قرار ينتظر صدوره من طرف دونالد ترامب حسب السناتور الجمهوري جون ماكين، وسفير الولايات المتحدة الأمريكية في روسيا هو إلغاء العقوبات الأمريكية ضد روسيا، والتي فرضت عليها بعد احتلالها لجزيرة القرم الأوكرانية، خاصة أنه لا يحتاج إلى التنسيق مع الكونغرس الأمريكي إذا أراد إلغاءه.
سرعة اتخاذ القرارات من طرف دونالد ترامب أربك أقرب مستشاريه، بعد أن وقع على عشرات المراسيم والتعيينات الجديدة، كما أدخل الحيرة في طريقة تعامله مع جيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي يحقق في روابط بين ترامب والكرملين.
من كل ما سبق يظهر أن أمريكا ستدخل في عزلة حقيقة، وستعرف علاقاتها مع أوروبا صداما قويا في حال رفع العقوبات الغربية عن روسيا، خاصة بعد تصريحات ترامب التي هاجم فيها ألمانيا ومستشارتها أنجيلا ميركل بسبب استقبالها للاجئين السوريين، ومهاجمته حلف الناتو معتبرا إياه منظمة عاجزة مستهلكة للأموال الأمريكية؛ الأمر الذي يعني أن الاتحاد الأوروبي سيجد نفسه وجها لوجه في مواجهة روسيا التي ستنتفخ أكثر.
وفي حال تم التقارب بين ترامب وبوتين فإن العواقب ستكون وخيمة على أوروبا الشرقية وعلى العالم العربي، وعلى الشعبين الأوكراني والسوري بشكل خاص؛ بسبب إطلاق ترامب يد روسيا في مناطق الصراع.
كما سيشهد المستقبل صراعا مثيرا بين ترامب والصحافة، وسيكون لهذا الصراع تأثيرات كبيرة على مستقبل أمريكا بعد دخولها عزلة عالمية ستضعفها.
يجب الإشارة إلى أنه في حال وجدت روسيا نفسها غير معنية بنظام العقوبات الغربية، فإن شهيتها قد تتوسع إلى ليبيا واليمن.
أخيرا.. وبعد أسبوع حافل بالقرارات المريعة التي اتخذها دونالد ترامب يمكن أن نصف عصر ترامب بعصر القوانين المتوحشة، وبناء على خطواته الأولى يمكن توقع كل شيء من هذا الرجل لذي يقود العالم نحو مزيد من الحروب والدمار والموت، فالعزلة الأمريكية ستقابلها غطرسة روسية عالمية.
دعوات تقوية الجبهات الداخلية والاعتماد على النفس بدأت مبكرا في أوروبا خاصة في ألمانيا وفرنسا وأوكرانيا، بينما لم يحرك العالم العربي ساكنا، سواء أكان ذلك على المستوى الرسمي أو الشعبي أو على مستوى النخب العربية، التي تؤكد يوما بعد يوما غيابها القاتل لكل الآمال العربية والإسلامية.