مقالاتمقالات المنتدى

خصائص خليل الله إبراهيم -عليه السّلام- وصفاته العظيمة (1)

خصائص خليل الله إبراهيم -عليه السّلام- وصفاته العظيمة (1)

 

بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)

 

إنّ خليل الله إبراهيم عليه السلام عَلمٌ من أعلام الدنيا، شخصية فذّة وقامة سامقة، تجسدت في شخصيته الكريمة صفات عظيمة وفضائل كريمة، جعله الله بها مهيئاً وأهلاً وناشطاً؛ ليضع أساس وقواعد ملة عظيمة، واضحة المعالم ومستقيمة وسمحاء، تصلح للناس جميعاً، وللأحوال كافة على مدى الدهور، فإن إبراهيم عليه السلام هو خليل الله، وهو النبيّ، والرسول، والصّديق، والمصطفى، والمجتبى، والمهدي، وأبو الأنبياء، والشاكر، والأواه، والمنيب، والحليم، والقانت، والموقن، والحنيف، وذو القلب السليم، والأمّة، والإمام، والأسوة، والصالح، وصاحب الصحف، وهو أول من بنى لله بيتاً؛ ليُعبد الله سبحانه فيه على الأرض، وهو أول من يُكسى يوم القيامة، وهو من أراه الله سبحانه ملكوت السماوات والأرض، وكل هذه الصفات ثابتة بأدلة قطعية الثبوت من كتاب الله وسنة نبيه صلّى الله عليه وسلّم. (ملة أبيكم إبراهيم، عبد الستار كريم المرسومي، ص243)

ومن أهم هذه الخصائص والصفات والفضائل:

  1. الإسلام:

قال تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)} ]البقرة:130-131[.

هذا تصريح بأن دين إبراهيم – عليه السّلام – هو الإسلام، وهذا من أعظم فضائله وصفاته، كونه مُسلمٌ حقٌّ في أعلى درجات الإسلام الممكنة، حيث استسلم لله وانقاد لأمره قولاً وفعلاً وعقيدة، وفوّض أمره إليه، وإبراهيم عليه السلام كان في قمة التسليم والاستسلام لأمر خالقه، وهذا واضح في سيرته أكمل وضوح؛ فقد سلّم ولده للقربان، وجسده للنيران، وماله للضيفان، بل سلّم روحه وقلبه وكيانه للرحمن، وجعل صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين (فقه دعوة الأنبياء في القرآن الكريم، ص245)

  1. الحنيفية:

وصف الله تبارك وتعالى إبراهيم عليه السلام بأنه حنيف في عدة مواضع من القرآن، فقال: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ]آل عمران:67[، وقال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ]النحل:120[، والحنيف هو المستقيم على إسلامه لله تعالى، المائل عن الشرك إلى دين الله. (محاسن التأويل، 2/270)

وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ الأديان أحبّ إليك؟ قال: الحنيفية السّمِحة، إنها سمحة بعقيدتها، سمحة بأحكامها، سمحة بتعاليمها، سماحة دعا إليها الله ورسوله وحبب فيها وجعلها كنه ديننا، يعني شريعة إبراهيم – عليه السّلام -؛ لأنّه تحنّف عن الإسلام ومال إلى الحق، ويتضح من هذه النقول أن إبراهيم – عليه السّلام -، قد ترك الأديان ولزم دين الإسلام، واستقام عليه، فوصفه ربه تبارك وتعالى بأنه حنيف. (فقه دعوة الأنبياء في القرآن الكريم، ص245)

  1. الحلم:

وصف الله تبارك وتعالى أخلاق خليله إبراهيم – عليه السّلام – فقال: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} ]هود:75[؛ لأن الحلم خصلة يحبها الله تبارك وتعالى، وهو صفة من صفاته عزّ وجل، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأشج عبد القيس: إِنَّ فيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الحِلْم، وَالأَنَاة.

وقد عرّف سيد الحلماء محمد صلّى الله عليه وسلّم الرجل القوي بأنه الحليم الذي يتمالك نفسه عند سورة الغضب، لا الذي يصرع الناس ويغلبهم، فقال فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: ليسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَّدِيدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ.

ثم يحدثنا القرآن الكريم بأن الحلم خلق من أخلاق النبوة  فيقول في سورة التوبة عن أبي الأنبياء إبراهيم: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ }، ويقول عنه في سورة هود: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ}، فالحليم: غير العجول على الانتقام من المسيء إليه (موسوعة أخلاق القرآن، (1/185).

  1. التأوّه:

قال ابن الجوزي في الأوّاه ثمانية أقوال:

  • أحدها: أنه الخاشع والدّعاء والمتضرع.
  • الثاني: الدعاء.
  • الثالث: الرحيم.
  • الرابع: أنه الموقن.
  • الخامس: أنه المؤمن.
  • السادس: أنه المسبّح.
  • السابع: أنه المتأوّه لذكر عذاب الله، المتضرع شفقاً وفرقاً ولزوماً طاعة ربه.
  • الثامن: أنه الفقيه.

وأقرب المعاني عندي الأول والسابع؛ لأنَّ الأواه هو الذي يكثر التأوه، وهو أن يقول: أوّاه وكل كلام يدل على حُزن يقال له: التأوّه، وإبراهيم عليه السلام حين كان يدعو ربّه تعالى، ويتضرع إليه في خشية وخشوع وحين كان يسبّحه، كان يتأوه بين يديه ويرجو رحمته ويخشى عذابه. (فقه دعوة الأنبياء في القرآن الكريم، أحمد البراء الأميري، ص248)

  1. الإنابة:

فهي الرجوع إلى الله تعالى بالتوبة وإخلاص العمل، (المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، ص507-508) والمنيب إلى الله تعالى يهديه ربه إليه، قال سبحانه: {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} ]الشورى:13[، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} ]الرعد:27[، فإبراهيم عليه السلام كان رجاعاً إلى الله دائماً مخلصاً مُخلصاً، تائباً طائعاً ولذلك استحق ثناء الله عليه {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} ]هود:75[.

  1. الصدّيقية:

والصدّيق: من كثر منه الصدّق، وقيل: بل يقال لمن لا يكذب قط، وقيل: بل لمن لا يتأتى منه الكذب لتعوده الصدق، وقيل: بل لمن لا يتأتى منه الكذب لتعوّده الصدق، وقيل: بل لمن صدق بقوله واعتقاده وحقق صدقه بفعله. (تاج العروس في جواهر القاموس، محمد مرتضى الزبيدي، ص405)

وقد وصف القرآن الكريم ثلاثة من الأنبياء الكرام – عليهم السّلام – بأنهم صدّيقون وهم يوسف وإدريس وإبراهيم، وقد قال الله تعالى في إبراهيم: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} ]مريم:42[، كما أطلق هذه الصفة على غير الأنبياء، فمريم بنت عمران صدّيقة، والقوم الذين علت درجتهم عند الله بطاعتهم لله والرسول حتى سبقوا الصالحين والشهداء، هم الصدّيقون أيضاً {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} ]النساء:69[، فإبراهيم – عليه السّلام – حاز صفة الصدّيق بأوسع معانيها وأعلى مراتبها، فهو كثير الصدّق، لم يقع في معصية الكذب قط، وقد صدق بقوله واعتقاده وفعله، فاستحق أن يكون خليل الرحمن (فقه دعوة الأنبياء في القرآن الكريم، ص250)

  1. الشكر:

هو تصوُّر النعمة وإظهارها، والشكر ثلاثة أضرب:

  • شكر القلب: وهو تصوُّر النعمة.
  • شكر اللسان: وهو الثناء على المُنعم.
  • شكر الجوارح: وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقه. (فقه دعوة الأنبياء في القرآن الكريم، ص250)

قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}؛ إذ كان إبراهيم عليه السلام شاكراً لله بقلبه ولسانه، وجوارحه، خاضعاً لمن أولاه نعمه، مُحباً له، معترفاً بفضله، مُثنياً عليه بما أنعم، مُستعملاً نعمه فيما يرضي مولاه المنعم فكان – بعد رسولنا محمد صلّى الله عليه وسلّم- سيد الشاكرين.

وقال تعالى: {شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ]النحل:121[ وأن يكون الإنسان من الشاكرين بتزكية من ربه سبحانه وتعالى، فذلك تمام النعمة التي ينعمها الله على ذلك العبد، وقد كان إبراهيم كذلك؛ لأنَّ الأصل في الموضوع أن القليل من عباد الله الذين يكونون شاكرين، كما بيَّنت الآية الكريمة. (ملة أبيكم إبراهيم، عبد الستار كريم المرسومي، ص202)

  1. الدعاء:

كان إبراهيم – عليه السّلام – دعّاءً، ودعاؤه يدل على سمو نفسه وحرصه على رضا خالقه وبارئه، والفوز بنعيمه ورضوانه، فهو يسأل ربّه الحكمة والصلاح، والفلاح، والجنة، والعزّة يوم القيامة.

وقد مرّت معنا كثير من أدعية إبراهيم عليه السلام التي حفظها الله المولى عزّ وجل في كتابه، مثل قوله تعالى: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)} ]الشعراء:83-89[ إلى غير ذلك من الأدعية.

  1. القنوت:

وصف الله تبارك وتعالى خليله بأنه قانت له، فقال: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:120]فالقنوت لفظ مشترك بين عدة معانٍ، لعلّ أظهرها: لزوم الطاعة مع الخضوع، فإبراهيم عليه السلام كان قانتاً لله بهذه المعاني كلها؛ فهو ملازم لطاعة ربّه، خاضع له، داعٍ مولاه، ساكت عن كل شرّ، خاشع في عبادته، كامل في عبوديته (ملة أبيكم إبراهيم، عبد الستار كريم المرسومي، ص202)

  1. سلامة القلب:

إن من صفات إبراهيم – عليه السّلام – سلامة القلب، قال الله تعالى عنه: {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} ]الصافات:84[ أي: أقبل إلى توحيده بقلب خالص من الشوائب، باقٍ على الفطرة، سليم عن النقائض والآفات.

والسِّلْمُ والسَّلَامَةُ: هي التعرّي من الآفات الظاهرة والباطنة، قال الراغب: {بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} أي: متعرّ من الدّغل، فهذا في الباطن، والسّلامة الحقيقيّة ليست إلّا في الجنّة، إذ فيها بقاء بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعزّ بلا ذلّ، وصحّة بلا سقم.

_____________________________________________________________________

المصدر:

د. علي محمد الصلابي، قصة بدء الخلق وخلق آدم عليه السلام، دار ابن كثير، ط1، ص 1298-1302.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى