خاطرة (الاستعراض عبر مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ)
بقلم د. عبدالله المشوخي (خاص بالمنتدى)
تعجُّ مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ بنشر خصوصيَّات لأفراد وعائلات حتّى غدَت كلّ حركة وسكينة يتمُّ تصويرها ونشرها بحيث لم يعد هناك خصوصيَّة لبعضهم.
فهذا ينشر صورة له أو مع أسرته أو مع أصحابه حول مائدة فاخرة في مطعم راق.
وعريس ينشر عدَّة صور مع عروسته أثناء تمتُّعهم بشهر العسل…وعائلة تصوِّر خطَّ سير رحلتها السياحيَّة من لحظة مغادرتها للبيت حتَّى عودتها الميمونة بكُلِّ تفاصيلها.
ومنهم من يصوِّر وينشر صورة لمريض يرقد تحت وطأة أجهزة طبيَّة في حالة يُرثى لها …وآخر يكتب رثاء لقريب له قضى نحبه قبل عدَّة سنوات .
حتَّى غدت المواقع بمثابة استعراض وتنافس وإثبات وجود وتغطية لنقص أو مجاراة ومقارنة ومحاكاة للآخرين ممَّا يشير إلى حالة مرضيَّة تحتاج إلى علاج نفسيٍّ.
بل إنَّ بعضهم قد وصل إلى تصوير وإظهار ساعاته وملابسه بماركات مقلَّدة من أجل المباهاة والتَّفاخر.
مشكلة كثير من هؤلاء أنَّهم فقراء محدوديُّ الدَّخل، ولكن مرض التَّقليد والمقارنة استحوذ على قلوبهم.
و نسوا هؤلاء أنَّ نشر صورهم قد يصيبهم بداء الحسد من قِبَل ضعاف النُّفوس….فالعين حقٌّ، و أكثر الموت بعد قضاء اللَّه وقدره سببه العين كما أخبر بذلك النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلَّم، لذلك أرشدنا عليه الصَّلاة والسَّلام بقوله: ( استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإنَّ كلَّ ذي نعمة محسود).
بمعنى إن أظهرتم حوائجكم للنَّاس حسدوكم.
وممَّا يدلُّ على جواز كتمان النِّعم خوفاً من الحسد وصيَّة يعقوب لابنه يوسف عليهما السَّلام بقوله : ( يا بنيَّ لا تقصُص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً إنَّ الشَّيطان للإنسان عدوٌّ مبين).
وكتمان النِّعم عن الآخرين لا يتعارض مع قوله تعالى : ( وأمَّا بنعمة ربِّك فحدِّث).
فدلالة الآية كما ذكر بعض المُفسِّرين هو القيام بشكرها لا بإظهارها.
وعلى سبيل المثال إذا أنعم اللَّه على عبد بمال شكر اللَّه على هذه النِّعمة بالتَّصدُّق والكرم والجود …وليس المراد إظهار ثروته و إخبار النَّاس بها.
أو المقصود الثَّناء على الله بها كما ذكر ذلك الشَّيخ السعديّ رحمه اللَّه في تفسيره.
يا ليتنا نستمتع بمقتنياتنا ورحلاتنا وطعامنا وسفرنا بمشاعرنا و أحاسيسنا بعيداً عن التَّكلُّف والمباهاة وإذا رغبنا بتوثيق ذلك ونشره فليكن للخواصِّ وليس لعوام النَّاس عبر مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ حِرصاً منَّا على احترام مشاعر الآخرين وكي ندفع عن أنفسنا داء الحسد والقيل والقال ورحم اللهُ امرئٍ عرف قدْر نفسه و جبَّ الغيبة عنها.