مقالاتمقالات مختارة

حينما ينتج السياسي فكرا: قراءة في المؤتمر الفكري للإخوان

حينما ينتج السياسي فكرا: قراءة في المؤتمر الفكري للإخوان

بقلم مسعود حامد

بعد ستة أعوام من حدث الانقلاب، وبعد عقود طوال من تاريخهم الذي أوشك على الاقتراب من القرن، أقامت جماعة الإخوان المسلمون أول مؤتمر فكري لها منذ نشأتها.

المؤتمر الذي حوى تسع أوراق تم ضمها في كتاب حمل عنوان “أصالة الفكرة واستمرارية المشروع”، وهو عينه عنوان المؤتمر، وبغض النظر عن أن العنوان تبشيري وتمجيدي على خلاف ما هو معتاد وسائد في المؤتمرات الفكرية التي يكون العنوان فيها أقرب للدرس الموضوعي، فإن مجرد وجود مؤتمر ذي طبيعة فكرية يعكس منحىً جيدا في عقل القائمين على هذه الجماعة، وهو أمر محمود.

أقر نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، د. إبراهيم منير، في كلمته أنه مؤتمر تعريفي يهتم بالخطوط العامة. وأكد منير أن هذا المؤتمر يأتي مع أفول قرن على وجود الجماعة واستقبالها قرنا جديدا بوسائل جديدة، لم يحددها، وشدد على أن المستقبل لهذا الدين، مرددا عددا من الآيات والاحاديث، لكن تناسى حديث الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: “إن اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِئَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا”.

أما أمين الجماعة د. محمود حسين فقد كرر موقف الإخوان على الحضور (الذين أغلبهم من الإخوان المسنين) من قضايا الإرهاب وتداول السلطة والمواطنة، وهي كلها أمور ثابتة في الأدبيات. وقد استشهد هو بكلمات الشيخ حسن البنا نفسه لتأكيد المؤكد. لكنه قال نصا عقب سؤاله عن الخطط والاستيراتيجات المرحلية: لدينا استراتيجيات وخطط، لكن لن نعلن عنها.

المؤتمر كان محتشدا وزاخما بالمداخلات على أوراق الباحثين. فحين تكلم د. محمود حسين عن رؤية حسن البنا للإصلاح، مشيرا إلى أن الثورة الهوجاء مذمومة لدى البنا، وأنه يفضل التغيير التدريجي الذي هو منهج الأنبياء، جاءته مداخلة تسأل عن الدراسات المنطلقة من أرض الواقع. كما طالب د. أحمد مطر صراحة بضرورة إعادة هيكلة التنظيم بما يتناسب وموارده البشرية في كل الأقسام، كما طالبت أكثر من أخت، لم يذكرن أسماءهن، الجماعة بتولي المرأة والشباب المناصب المستحقة لاتخاذ القرار.

وجاءت أغلب المحاضرات، وهي” العمل الجماعي” و”السنن الربانية” والفكر السياسي” و”الإخوان والقضايا العادلة” و”الدولة والأمة” و”البناء التربوي”، بتغليب الطابع الحركي على الفكري. وتحول المؤتمر الفكري لـ”أسرة إخوانية كبرى” تتداول فيما بينها الشؤون التاريخية للجماعة والموقف من اللوائح، لدرجة أن تقلص مفهوم القضايا العادلة.

كما أشار المتداخلون والمنصة إلى موقف الإخوان من القضية الفلسطينية، كأنها وحدها هي القضية العادلة. كما أن سؤال “أين الشباب” لم يغب في معظم المحاضرات، وإن كانت التبريرات من عيّنة “الشباب شباب القلب” أو الشباب في السجون، كما قال د. محمود حسين نصا.

كما لم يغب “سؤال الإعلام الفاشل” الذي اعترف بفشله الأمين العام للجماعة، مبررا ذلك بضعف الإمكانات، وهو ما اعتبره البعض تفسيرا سطحيا ساذجا.

ولبعد الهوة ما بين السياسي والفكري ولسيطرة الأول على الثاني ولوجود نفس الوجوه، فقد استوفى مؤتمر “الإخوان أصالة الفكرة واستمرارية المشروع” الشكل، مبتعدا تماما عن التعامل مع “الشباب” وغير محتف بما هو واقعي. ولم تذكر فترة الانقلاب ولو على مستوى التفكير التوعوي، بل غرق المؤتمر في التعميمات متوغلا فيها.

وعلى المستوى المقاصدي، سيجد القارئ في بحوث المؤتمر انتصارا لتحيزات القوم في التأصيل لفكرة رفض الحزبي عن التربوي، ورفض العنف مطلقا والتحفظ على الفكر الثوري، ليؤكد امتداداته هو بالفكرة الإخوانية.

فأغلب المحاضرين والحضور هم من الإخوان، منهم وإليهم، في حين غاب الحوار عن أفكار مستجدة أخرى من أشخاص آخرين أو مختلفين، لكنها البداية.

(المصدر: عربي21)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى