حماس تصلي في طهران.. تحول سياسي أم جدل فقهي؟
بقلم سري سمور
صارت مواقع التواصل الاجتماعي لا سيما (فيسبوك وتويتر) بمثابة مقياس نبض الناس، أقلّه من حيث ما يشغلهم ويتفاعلون معه، وصارت الصحف والفضائيات والمواقع الإخبارية ترصد اهتمامات الجمهور حسب نطاق جغرافي أو غير ذلك؛ وعليه فإن وصفها بالعالم الافتراضي لم يعد دقيقا إلى حد كبير.
ومعروف أن العلاقات بين الطرفين كانت دافئة حتى تلك الأحداث التي تشهدها سورية منذ 2011 ولكن التواصل بين الطرفين لم ينقطع تماما، ويبدو بأن الإيرانيين ظلوا يتحفظون على شخص (خالد مشعل) رئيس الحركة السابق وصديقهم القديم، بسبب موقفه الذي اعتبروه ضدهم، بطريقة سافرة لم تحفظ خط الرجعة الذي يتسم به الرجل عادة.
وكان مشعل قد أطلق تصريحات متلفزة إبان رئاسته للحركة قال فيها بأن الدعم الإيراني تراجع إلى حد بعيد، وتقريبا قال بأن العلاقات مع إيران صارت تاريخا، بل زاد من اتخاذ خط يفهم منه أنه على استعداد للتحالف مع خصوم إيران العرب، في موقف مغاير لما دأبت عليه الحركة، وانتهجه مشعل شخصيا بالتواصل واللقاء والحفاظ على العلاقات مع جميع الأطراف على قاعدة خدمة القضية الفلسطينية، وعدم الانحياز لطرف على حساب آخر في الخلافات الدائرة بين إيران وعدة دول عربية، والتي يعود تاريخها إلى خلع الشاه، أي قبل تأسيس حماس بنحو عقد من الزمن.
وعودة إلى ما بدأت به أي قياس نبض مواقع التواصل؛ فقد شهدت هذه المواقع تفاعلا ساخنا حول هذه الزيارة، وما يهمنا هنا أن كوادر وعناصر وأنصار ومحبين للحركة أو محسوبين بشكل أو بآخر عليها أو يقفون على أطرافها، قد أطلقوا سهام نقد غاضب نحو هذه الزيارة.
ومبدئيا فإن النقد للقادة أمر صحيّ ومطلوب؛ ويعتبر منذ مدة شيئا جديدا على حركة حماس، التي اعتادت على مستوى القادة والقواعد على التكتم عما يدور في داخل أروقتها من جدل وخلافات، وظل الأمر مجرد تكهنات أشعلت خيال صحف غربية وعبرية وبالتأكيد عربية، فنُشرت تقارير عبر سنوات طويلة، حول تلك الخلافات والجدل داخل الحركة، وحملت تلك التقارير أخبارا يغلب عليها الوهم والخيال، وقلّما يكون لها نصيب من الصحة كما كان يتبين بعد فترة قصيرة من نشرها.
وحماس توصف عادة بأنها تنظيم أيديولوجي حديدي، لا يسمح بـ(نشر الغسيل) حتى أمام الأصدقاء، ودأبت على جعل الخلافات والجدل داخل دوائر مغلقة بعيدا عن أعين الفضوليين من الصحافيين أو المهتمين.
ولكن في السنوات القليلة الماضية بدأت –لأسباب لا مجال لذكرها الآن-تظهر إلى العلن انتقادات من قواعد الحركة لجميع القادة، أو لجزء منهم، أو لقائد بعينه، حول موقف أو تصريح أو غير ذلك، والنقد كما أسلفت ظاهرة صحية، وخلاص وقطع مع فكرة (إخوانك أدرى) القائمة على الطاعة والثقة العمياء من القواعد للقيادات والتي كانت أحيانا تبلغ حدّ التعصب والتنزيه عن صفات كل البشر الذين يخطئون. ولكن لوحظ أن النقد هذه المرة تحوّل إلى ما يشبه السباب، وخرج عن إطار النصح والعتب، إلى مربع التجريح الذي لم تألفه أوساط الحركة، ونشرت كثير من المنشورات(البوستات) والتغريدات(التويتات) التي تكيل التهم وتصب جام الغضب على وفد الحركة في طهران.
ومن جهة أخرى فإن الانتقادات خلطت ما هو سياسي بما هو فقهي محض بما هو تاريخي مع التشريق والتغريب، بحيث لم تعد تفهم، ما المغزى منها، أو حتى ما هو الشيء الذي ينتقده القوم؛ بحيث صار المشهد كاريكاتوريا وسورياليا، وأحيانا مضحكا، لدرجة أنني تذكرت مشهد (يونس شلبي) في مسرحية (مدرسة المشاغبين) أمام (سعيد صالح) حيث يقول الثاني للأول: أنا عاوز اسمع منك جملة مفيدة
وأمر آخر ظهر-ولو بشيء من الغبش- في تلك الانتقادات، وهي أن الزيارة ربما أعطت فرصة وذخيرة من بعض غير الراضين عن التشكيلة القيادية الجديدة التي انتخبت في أيار/مايو 2017 لمهاجمة هذه القيادة من بوابة انتقاد الزيارة إلى طهران وتفصيلاتها.
على كل من جملة تلك الانتقادات دار جدل مبالغ فيه حول صورة يظهر فيها أعضاء وفد حماس يصلون خلف إمام شيعي (محسن آراكي) وهي –كما سآتي في سطور لاحقة-قضية فقهية محضة جرى خلطها بأمور من قبيل:-
– تصافحون أياد ملطخة بدم أهل السنة في سورية والعراق واليمن!
– ماذا ستقولون للشعوب والجماهير التي اكتوت بنيران الفرس؟!
– تبيعون مبادئكم بعرض من الدنيا!
– خالد مشعل راعى نبض أهل السنة ومزاج ومشاعر القواعد فقطع علاقته معهم أما أنتم فلا تعيرون هذا اهتماما!
– إنهم يتعاملون معكم بالتقية!
– لنفرض أنهم حرروا فلسطين ألن يحولوها إلى دولة شيعية ويرفعون شعاراتهم فوق المسجد الأقصى؟!
– هنيئا لأعداء الأمة فقد انتقلتم إلى مربعهم!
– لو كان الياسين والرنتيسي أحياء لما قبلوا بما تفعلون!
– تذكير بكتب قديمة وجديدة مثل (الخمينية) للشيخ سعيد حوّى و(سراب في إيران) لأحمد الأفغاني، والردة عن الحرية لمحمد أحمد الراشد، باعتبارها نصوصا مقدسة يتم الخروج عن تعليماتها!
هذه وغيرها أبرز الانتقادات المختلطة؛ وغني عن القول إن الصياغة قد تختلف قليلا، مع العلم أنني استخدمت أخف العبارات قسوة؛ ونلحظ من خلالها وجود أزمة كبيرة، يفترض بحركة حماس أن تسارع إلى معالجتها؛ فحماس لم تعد حركة صغيرة محصورة في مجموعة شباب في مسجد لهم فريق كرة قدم، ويديرون جمعية خيرية، ومن بينهم مطارد ينفذ عمليات عسكرية ضد الاحتلال، ويدرك من يحب الحركة ومن يبغضها أن أوضاعها الداخلية تنعكس على مجمل القضية الفلسطينية.
من الطرائف أن جزئية الصلاة خلف إمام شيعي من قبل أعضاء الوفد حازت جدلا أكبر من أشياء أخرى أهم تتعلق بالزيارة، وتم خلط السياسي بالفقهي البحت؛ ومع أن بعض المعنيين من الزاوية الفقهية حاول تبيان أن الصلاة خلف الشيعي الجعفري الاثني عشري جائزة، لأن الرأي الغالب عند أهل السنة أن هؤلاء من أهل القبلة والملّة، إلا أن الردود كانت عنيفة، بأن هذه صلاة خلف قتلة أهل السنة في سورية؛ أي خلطوا مسألة فقهية بأخرى سياسية، بحيث بدا وكأن هذه الصلاة لو لم تقم فلا مشكلة عند بعضهم!
واستدعيت فتاوى ومقولات سلفية من دوائر وشخصيات تعتبر حماس والإخوان من أهل البدع والضلال، من قبل عناصر أو أنصار حماس أنفسهم، للجدال في هذه المسألة. هذه وغيرها تستدعي التوقف طويلا، وتظهر أن حماس حاولت وما زالت تسويق وثيقتها الجديدة، ومواقفها المعلنة إلى العالم، ولكنها تتعثر في ترويجها بين قواعدها وأنصارها ومحبيها، والسبب يعود إلى اختلال في أدوات التوعية والتثقيف الفقهي والسياسي… وهو ما سأتناوله في المقال القادم بعون الله ومشيئته.
(المصدر: مدونات الجزيرة)