مقالاتمقالات مختارة

حكم تحالف الإسلاميين مع العلمانيين والمرتدين

حكم تحالف الإسلاميين مع العلمانيين والمرتدين

بقلم د. عبدالله بن فيصل الأهدل

تسعى حماس لبناء علاقة قوية مع إيران نظرًا للدعم الكبير الذي تقدمه الأخيرة من حيث المال والتسليح لكتائب الشهيد عز الدين القسَّام الجناح العسكري للحركة، بالإضافة لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.

وقد أكَّد صالح العاروري -نائب رئيس المكتب السياسي لحماس- أنَّ حركته تقف في الخط الأمامي للدفاع عن إيران ضد أي اعتداء أمريكي أو إسرائيلي، موضحًا خلال لقائه خامنئي أنَّ جميع الأراضي المحتلة والمراكز الإسرائيلية الرئيسية والحساسة تقع تحت صواريخ المقاومة الفلسطينية -حسب وكالة أنباء “فارس” الإيرانية-.

يحدث هذا في الوقت الذي تخلَّت دول الخليج عن دعم الحركة بما في ذلك قطر، والتي لا تستطيع دعم القطاع بأي نوع من الدعم إلا بموافقة إسرائيل.

ولما كانت حركة المقاومة حماس وسائر الفصائل المجاهدة في فلسطين تُمثِّل طموح الأمة في تحرير المسجد الأقصى وسائر فلسطين المحتلَّة وردع الظلم وإعادة الحق إلى نصابه؛ كان هذا التخوُّف: أن يصبح القرار الفلسطيني واقعًا تحت تأثير إيران والدعم الإيراني، وكان لزامًا التعرُّف على حكم الشرع في مثل هذا التحالف.

وقبل أيام التقى ممثل حركة حماس باليمن معاذ أبو شمالة مع عضو المجلس السياسي الحوثي محمد علي الحوثي بصنعاء، وفي هذا اللقاء، قدّم أبو شمالة درع حركة حماس لعضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي تقديرًا لتأييد الحوثـــيــــيـــن في دعــــم ونصــــرة الحـــركــــة في مــــواجـــــهة اليهود، وحضر اللقاء -أيضًا- مدير مكتب حماس باليمن عمر السباخي، ومسؤول العلاقات السياسية بالمكتب عبدالله هادي.

ولا يخفى ما في هذا العمل من تنازل كبير للروافض الذين في رقابهم دماء الملايين من أهل السنة في العراق والشام واليمن وغيرها..

يأتي هذا اللقاء بعد يوم من إرسال الحوثي صاروخًا إلى مأرب في اليمن، أدَّى إلى قتل العشرات من المدنيين، بينهم عدد كبير من الأطفال.

ولا شكَّ أنَّ المسلمين أمة واحدة أينما كانوا، تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم -كما تقرر في الشريعة الإسلامية-.

قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾.

قال السيوطي -رحمه الله-: ﴿إِلَّا تَفْعَلُوهُ﴾ أي: تولي المسلمين وقطع الكافرين ﴿تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ بقوة الكفر وضعف الإسلام. [انظر الجلالين].

ولا شك أن المشروع الإيراني يلتقي مع المشروع الصهيوني في إضعاف الأمة العربية والإسلامية، بدعم غربي أمريكي لكليهما، وكل منهما يسعى لفرض هيمنته على المنطقة، إلا أن المشروع الإيراني يتمسَّح بالقضية الفلسطينية والقدس ليزيل بها أوساخه وجرائمه في حق الأمة العربية والإسلامية، ويضمن بذلك استمرار مخططه التوسعي..

وإذا أردنا أن نُعرِّف السياسة الشرعية فهي: “كل ما صدر عن أولي الأمر من أحكام وإجراءات، منوطة بالمصلحة، فيما لم يرد بشأنه دليل خاص متعين، دون مخالفة للشريعة”. [انظر أضواء على السياسة الشرعية (ص20). للشيخ الدكتور سعد بن مطر العتيبي].

وأولو الأمر هم: العلماء والأمراء الذين يحكمون بما أنزل الله؛ يقول ابن القيم رحمه الله تعالى:

“وقد اختلفت الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى في أولي الأمر، وعنه فيهم رحمه الله تعالى روايتان:

 إحداهما: أنهم العلماء.

والثانية: أنهم الأمراء.

والقولان ثابتان عن الصحابة في تفسير الآية، والصحيح أنها متناولة للصنفين جميعًا؛ فإن العلماء والأمراء ولاة الأمر الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلـم؛ فإنَّ العلماء ولاته حفظًا وبيانًا وذبًّا عنه وردًّا على من ألحد فيه وزاغ عنه، وقد وكلهم الله بذلك؛ فقال تعالى: ﴿فَإِن يَكۡفُرۡ بِهَا هَٰؤُلَآءِ فَقَدۡ وَكَّلۡنَا بِهَا قَوۡمٗا لَّيۡسُواْ بِهَا بِكَٰفِرِينَ﴾. فيالها من وكالة أوجبت طاعتهم والانتهاء إلى أمرهم، وكون الناس تبعًا لهم. والأمراء ولاته قيامًا وعناية وجهادًا وإلزامًا للناس به وأخذهم على يد من خرج عنه”. [الرسالة التبوكية زاد المهاجر إلى ربه (ص41- 42)].

إنَّ دخول الإسلاميين في تحالف مع قوى علمانية أو أنظمة مرتدة تحكم بغير ما أنزل الله وتوالي اليهود والنصارى.. بحجَّة أنهم يستفيدون من هذا النظام أكثر من غيره لصالح الإسلام، غير جائز، وخصوصًا إذا تضمن مخالفات شرعية، مثل:

– موالاة أعداء الله ونصرتهم ضد المسلمين، فجميع النصوص الدالة على تحريم موالاة الكفار دالة على المنع منه، قال تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾.

– أو أدَّى إلى قتل مسلمين بغير حق.

قال تعالى: ﴿وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ لَا تَسۡفِكُونَ دِمَآءَكُمۡ وَلَا تُخۡرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ ثُمَّ أَقۡرَرۡتُمۡ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ ٨٤ ثُمَّ أَنتُمۡ هَٰؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِيقٗا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِمۡ تَظَٰهَرُونَ عَلَيۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَإِن يَأۡتُوكُمۡ أُسَٰرَىٰ تُفَٰدُوهُمۡ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيۡكُمۡ إِخۡرَاجُهُمۡۚ أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡيٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ ٨٥ أُوْلَٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا بِٱلۡأٓخِرَةِۖ فَلَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ86﴾.

قال محمد بن إسحاق بن يسار: حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير -أو عكرمة- عن ابن عباس: ﴿ثُمَّ أَنتُمۡ هَٰؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ﴾ الآية، قال: “أنَّبهم الله من فعلهم، وقد حرم عليهم في التوراة سفك دمائهم وافترض عليهم فيها فداء أسراهم، فكانوا فريقين: طائفة منهم بنو قينقاع وإنهم حلفاء الخزرج، والنضير وقريظة وإنهم حلفاء الأوس، فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج، وخرجت النضير وقريظة مع الأوس، يظاهر كلُّ واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه، حتى يتسافكوا دماءهم بينهم، وبأيديهم التوراة يعرفون فيها ما عليهم وما لهم. والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان، ولا يعرفون جنة ولا نارًا، ولا بعثًا ولا قيامة، ولا كتابًا، ولا حلالًا ولا حرامًا، فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أسراهم، تصديقًا لما في التوراة، وأخذًا به؛ بعضهم من بعض، يفتدي بنو قينقاع ما كان من أسراهم في أيدي الأوس، ويفتدي النضير وقريظة ما كان في أيدي الخزرج منهم، ويطلبون ما أصابوا من دمائهم وقتلى من قتلوا منهم فيما بينهم، مظاهرة لأهل الشرك عليهم. يقول الله تعالى ذكره حيث أنَّبهم بذلك: ﴿أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖ﴾ أي: يفاديه بحكم التوراة، ويقتله، وفي حكم التوراة ألا يفعل، ولا يُخرَج من داره، ولا يُظاهَر عليه من يشرك بالله، ويعبد الأوثان من دونه، ابتغاء عرض الدنيا. ففي ذلك من فعلهم مع الأوس والخزرج -فيما بلغني- نزلت هذه القصة”. [ابن كثير (1/319)، وابن أبي حاتم، وإسنادها إلى ابن عباس حسن].

وروى الطبري بسند صحيح عن مجاهد يقول: “إن وجدته في يد غيرك فديته، وأنت تقتله بيدك”.

وقال صـلى الله عليه وسلم: «لاترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض». [رواه البخاري (121)، ومسلم (232)].

– أو كان الفعل مخالفًا لسنة النبي صـلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين الذين أُمرنا باتباعها، ومخالفًا لسائر العلماء وأئمة الدين في القرون المفضلة وما بعدها؛ فإنَّه لم يعرف أنَّ المسلمين كانوا يدخلون في أحلاف أو يستعينون بالكفار في حروب لا يكون الحكم فيها ظاهرًا للإسلام، وما ورد من خلافٍ لبعض العلماء من جواز التحالف أو الاستعانة بالكافر، فإنهم اشترطوا له شروطًا، منها: أن يكون الحكم فيها للإسلام..

قال الإمام الشافعي: “ولا يجوز لأهل العدل عندي أن يستعينوا على أهل البغي بأحد من المشركين ذمي ولا حربي ولو كان حكم المسلمين الظاهر، ولا أجعل لمن خالف دين الله عزَّ وجلَّ الذريعة إلى قتل أهل دين الله، قال: ولا بأس إذا كان حكم الإسلام الظاهر أن يُستعان بالمشركين على قتال المشركين”. [الأم للشافعي (4/232)].

وأما الصورة الواقعة اليوم فحقيقتها أنَّ العلمانيين والمرتدين هم الذين يستعينون بالمسلمين لتكون كلمة العلمانية -الكفر- هي العليا والظاهرة، أو لتحقيق مصالح لهم لا يُؤمن غدرهم بعدها.

وقد احتجَّ من يجيز مثل هذا التحالف من المعاصرين بأدلة مشتبهة، وفيما يلي ملخصها والرد عليها:

  • حديث ذي مِخبَر قال: سمعت رسول الله صـلى الله عليه وسلم يقول:«ستصالحون الروم صلحًا آمنًا تغزون أنتم وهم عدوًا من ورائكم».[سنن أبي داود (2767)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (3612)].

وهو حديث صحيح، فكون النبي صـلى الله عليه وسلم يخبر عن مصالحة المسلمين للروم ومشاركتهم في القتال ولا ينكر ذلك صـلى الله عليه وسلم يدل على جواز الاستعانة بالكفار على الكفار ولو كان غير ذلك لبيَّنه صـلى الله عليه وسلم.

نقول: إنَّ هذا التلازم غير لازم، فمجرد إخباره صـلى الله عليه وسلم لا يدل على الجواز. نعم إذا جاء الخبر في سياق المدح والامتنان فقد يدل على ذلك ما لم يعارضه معارض. وللمسألة تفصيل في كتب الشروح والأصول. [راجع: البحر المحيط (4/410)، المجموع (8/224)، التلخيص الحبير (2/222)].

فكيف إذا عارضه معارض صحيح صريح، وهو ما جاء عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنـه قال: “خرج رسول الله صـلى الله عليه وسلم يوم أُحُد حتى إذا خلَّف ثنية الوداع إذا كتيبة، فقال: «مَن هؤلاء؟» قالوا: بنو قينقاع -وهم رهط عبد الله بن سلام- قال: «وأسلموا؟» قالوا: لا؛ بل هم على دينهم. قال: «قولوا لهم فليرجعوا؛ فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين»”. [المستدرك (2564)، وصححه ابن حجر في التلخيص الحبير (4/100)، وحسّنه الألباني في السلسلة الصحيحة (1101)، وله شاهدان: الأول: ما رواه مسلم (1816) عن عائشة رضي الله عنهـا، وفيه: «فارجع فلن أستعين بمشرك». والثاني: ما رواه الطحاوي في المشكل (2577)، وصححه الألباني في الصحيحة (1101) من حديث خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب، عن أبيه، عن جده، وفيه: «فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين»]. وقد كانت هذه حرب دفاعيَّة عن المدينة؛ كانت في غزوة أُحُد حين غزاهم المشركون، قادمين من مسافة بعيدة، متوجهين لعقر دار الإسلام، وهم متحرِّقون لما حدث لهم في غزوة بدر، مريدين اسـتـئصال الإسلام، وفي مثل هذه الحالة يكون القائد محتاجًا لأي مساعدة، ومع ذلك رفض النبي صـلى الله عليه وسلـم أن يستعين بيهود بني قينقاع -وهم يسكنون المدينة- ضد مشركي قريش.

  • وأما شهوده صـلى الله عليه وسلم حلف المطيبين، وهو ما رواه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنـه عن النبي صـلى الله عليه وسلم قال:«شهدت حلف المطيبين مع عمومتي وأنا غلام فما أحبُّ أنَّ لي حمر النعم وأني أنكثه».[مسند أحمد (1655)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1900)]. وفي مرسل طلحة بن عوف زيادة: «ولو أُدعَى به في الإسلام لأجبت». [السيرة النبوية لابن هشام (1/266)]، قال الألباني عن هذه الزيادة: “وهذا مسند صحيح لولا أنَّه مرسل ولكن له شواهد تقوِّيه”. [فقه السيرة ص (72)].

فلا حجة فيه؛ لأنه حلف على نصرة المظلوم، وهذا أمر مطلوب شرعًا وليس فيه أي تقوية للظالم ولا إقراره على ظلمه أو إعطائه شرعية لا يستحقها، بل هو من إعلاء كلمة الله.

  • كما لا حجة في دخول خزاعة في حلف النبي صـلى الله عليه وسلم يوم الحديبية[السيرة النبوية لابن هشام (4/286)]؛لأن الحكم الظاهر في هذا الحلف هو للإسلام. مع أنَّ خزاعة قد كان فشى فيهم الإسلام وكانت خزاعة حسنة الظن بالمسلمين، وصادقة في النصح لهم، ومما يدل على ذلك ما يلي:

1- قال تعالى: ﴿قَٰتِلُوهُمۡ يُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ بِأَيۡدِيكُمۡ وَيُخۡزِهِمۡ وَيَنصُرۡكُمۡ عَلَيۡهِمۡ وَيَشۡفِ صُدُورَ قَوۡمٖ مُّؤۡمِنِينَ﴾. قال مجاهد ﴿وَيَشۡفِ صُدُورَ قَوۡمٖ مُّؤۡمِنِينَ﴾: “خزاعة، حلفاء محمّد”. [رواه الطبري من طرق (16543، 16540، 16544، 16545) وسنده صحيح عن مجاهد، ورواه ابن أبي حاتم (10035، 10036). وروي أيضًا عن عكرمة والسدي من قولهما].

2- قال محمد بن إسحاق في المغازي [إسناده حسن، سيرة ابن إسحاق المغازي المخطوط]، حدثني الزهري عن عروة بن الزبير عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أنَّهما حدَّثاه جميعًا أنَّ عمرو بن سالم الخزاعي ركب إلى رسول الله صـلى الله عليه وسلم لما كان من أمر خزاعة وبني بكر بالوتير حتى قدم المدينة يخبره الخبر فأنشده:

    اللــــــهم إني ناشــــــــــد مــــــحمَّــدا        حلــــف أبينــــا وأبيه الأتــلـــــدا

    كــــــنت لـــنا أبًا وكنـــــا ولــدا              ثـَمَّت أسلمنا فلم ننزع يــــدا

فانصر رسول الله نصرًا أعتدا                      وادع عبـــــاد الله يأتــــوا مـــددا

     فيــــهم رســـــول الله قـــــد تـجرَّدا           إن سيم خسفًا وجهه تربَّدا

    في فيلـــق كالبحر يـجري زبدا                   إن قريشًا أخلفـوك الموعـــــدا

ونقـــضوا ميثاقــــــك الــمؤكـَّــــــدا         هــم بيَّتونــــا بالوتيــــر هـــــجَّـــدا\

وقـــتولـــنــا ركَّعــــا وسجَّدا

فانظر إلى قوله: “ثمَّت أسلمنا فلم ننزع يدا”، وقوله: “هم بيتونا بالوتير هجدًا   وقتلونا ركعًا وسجدًا”.

  • وأما دخوله صـلى الله عليه وسلم في جوار المطعم بن عدي فقد رواه ابن سعد وفي إسناده الواقدي وهو متروك، ورواه الطبراني في الأوسط وسنده واهٍ. ولكن قال ابن حجر عن رواية دخول النبي صـلى الله عليه وسلم في جوار المطعم بن عدي: “أوردها الفاكهي بإسناد حسن مرسل”. اهـ. إلا أن الفاكهي نفسه لم نجد من وثَّقه، مع إرساله.

وعلى تقدير صحة القصة، فغاية ما فيها أن النبي صـلى الله عليه وسلم استفاد من هذا العرف الجاهلي -وهو الجوار- دون أن يتنازل عن شيء من عقيدته، أو يمدح المطعم بما ليس فيه، أو يُصبغ عليه الشرعية. ومثل هذا الفعل جائز إذا احتيج إليه.

  • وأما استعانة النبي صـلى الله عليه وسلم بقزمان وكان قد أبلى بلاءً حسنًا كما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنـه قال: “شهدنا مع رسول الله صـلى الله عليه وسلم خيبر، فقال لرجل ممن يدعي الإسلام:«هذا من أهل النار».

فلما حضر بالقتال قاتل قتالًا شديدًا فأصابته جراحة فقيل: يا رسول الله, الذي قلتَ إنه من أهل النار فإنه قاتل قتالًا شديدًا وقد مات، فقال النبي صـلى الله عليه وسلم: «إلى النار». قال: فكاد بعض الناس أن يرتاب. فبينما هم على ذلك إذ قيل له: إنه لم يمت ولكن به جراحًا شديدًا فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتَل نفسه، فأُخبر النبي صـلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: «الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله», ثم أمر بلالًا فنادَى في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر”. [صحيح البخاري (2897)، صحيح مسلم (111)].

قالوا: هذا الرجل وهو قزمان كان كافرًا أو منافقًا كما تدل عليه عبارة “يدَّعي الإسلام” وكذا قوله: “الفاجر” ومع ذلك استعان به النبي صـلى الله عليه وسلم.

والحديث لا حجة فيه على جواز الاستعانة بالمشركين، فليس فيه أنه استعان بكافر أو مشرك، وليس فيه التصريح بكفر ذلك الرجل. وأما عبارة “يدَّعي الإسلام” فلا تدل على كفره؛ بل تدل على أنه كان يظهر الإسلام.

ومما يدل على ذلك أن بعض الصحابة لما أخبر النبيُّ صـلى الله عليه وسلم عن هذا الرجل بأنه في النار كاد أن يرتاب في دينه، ولو كان كفر هذا الرجل معلومًا عندهم لما قال الراوي: “فكاد بعض الناس أن يرتاب”.

وقد جاءت هذه العبارة دالَّة على الإسلام، من ذلك ما جاء على لسان عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما علم أن الذي طعنه هو أبو لؤلؤة المجوسي قال: “الحمد لله الذي لم يجعل مَنِيَّتي بيد رجلٍ يدعي الإسلام”. [صحيح البخاري (3497)].

وكذلك كلمة “الفاجر” لا تدل على كفره قطعًا؛ فالفجور قد يكون كفرًا وقد لا يكون كذلك. نعم قوله في آخر الحديث: “فنادَى بلال أنه: لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة” فهذا قد يدل على نفاق هذا الرجل وأنه كان يتظاهر بالإسلام وقد نصَّ بعضهم على نفاقه كالخطيب البغدادي. [شرح النووي على صحيح مسلم (2/123)].

وعلى فرض أنه منافق فلا حجة فيه على جواز الاستعانة بالكفار أو المشركين؛ لأن المنافق ظاهره الإسلام وقد كان صـلى الله عليه وسلم يعاملهم بظاهر إسلامهم ما لم يَبدُ منهم كفر بَوَاح؛ ولذلك لما كانت غزوة أحد ردَّ النبي صـلى الله عليه وسلم يهود بني قينقاع كما مر في حديث أبي حميد الساعدي، ولم يردَّ المنافقين الذين خرجوا معه كما جاء عن زيد بن ثابت رضي الله عنـه قال: “لما خرج النبي صـلى الله عليه وسلم إلى أحد رجع ناس ممن خرج معه، وكان أصحاب النبي صـلى الله عليه وسلم فرقتين؛ فرقة تقول: نقاتلهم. وفرقة تقول: لا نقاتلهم. فنزلت: ﴿فَمَا لَكُمۡ فِي ٱلۡمُنَٰفِقِينَ فِئَتَيۡنِ وَٱللَّهُ أَرۡكَسَهُم بِمَا كَسَبُوٓاْ﴾”. [رواه البخاري (3834)، ومسلم (2776)].

وهذا يدل على التفرقة بين المنافقين والكفار، وأن الأصل في المنافق في أحكام الدنيا الإسلام.

وقد نقل بعضهم الإجماع على جواز الاستعانة بالمنافق [نيل الأوطار (8/44)]، وهذا الجواز ما لم يخذِّل أو يرجف فإن كان كذلك منع؛ بل ويمنع الـمُخذِّل والـمـُرجِف المسلم كما نصَّ على ذلك الفقهاء. [روضة الطالبين (10/240)، الفروع لابن مفلح (6/192)].

ولا يمكن اعتبار الأنظمة العلمانية اليوم -ومنها النظام الإيراني- من أهل النفاق، بل هم قد أظهروا الردة؛ بسبب الشوكة التي لهم في مقابلة ضعف أهل الإسلام، فحكمهم حكم المرتدين تمامًا كمانعي الزكاة في عهد الصديق الذين كانوا يقرون بالشهادتين والصلاة وامتنعوا عن الزكاة، مستغلين ضعف الإسلام بموت النبي صـلى الله عليه وسلم. قال حذيفة ابن اليمان رضي الله عنـه: “إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي صـلى الله عليه وسلم، كانوا يومئذ يسرُّون، واليوم يجهرون”. [رواه البخاري (7113)]. وفي رواية: قال: “إنما كان النفاق على عهد النبي صـلى الله عليه وسلم، فأما اليوم: فإنما هو الكفر بعد الإيمان”.

فهذا يقوله حذيفة في صدر الإسلام، فكيف لو رأى زماننا..؟!

وعن السُّدِّي: في قوله تعالى: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ… فإن تَوَلَّوا فَخُذُوهُمۡ وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡۖ وَلَا تَتَّخِذُواْ مِنۡهُمۡ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ يقول: “إذا أظهروا كفرهم”. [رواه الطبري (10068)، وابن أبي حاتم (5754) بسندٍ حسن].

وأخرج الطبري بسند صحيح عن قتادة في قوله تعالى: ﴿أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾ قال: “إذا هم أظهروا النفاق”.

وبالإسناد نفسه عند الطبري عن قتادة في قوله تعالى: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ يقول: “هكذا سنة الله فيهم إذا أظهروا النفاق”.

وبذلك يظهر أنَّ الحديث لا تقوم به الحجة على جواز الاستعانة بالمرتدين والمشركين.

  • وأما شهود صفوان بن أمية مع الرسول صـلى الله عليه وسلم يوم حنين وهو مشرك واشتهار ذلك عند أهل المغازي, فنقول: نعم شهد ذلك ولكنَّه لم يثبت عنه أنَّ النبيَّ صـلى الله عليه وسلم استعان به في القتال، وإنما الوارد عنه أن النبيَّ صـلى الله عليه وسلم استعان بأدرعٍ له كعارية مضمونة -على أن أثر استعارة الأدرع ضعفه أكثر المحققين-. وهو مع شهوده حنينًا لم يثبت عنه أنه باشر القتال.

وقد قيل -أيضًا-: إنَّ شهوده حنين لم يكن بأمر النبي صـلى الله عليه وسلم. [التمهيد (12/35) نقله عن مالك].

وأما قولهم: المشهور أنَّه شهدها. نقول: نعم ولكن الشهرة لا تدلُّ على الصحَّة؛ بل والمشهور أيضًا عنه في كتب السيرة من طرق مرسلة من مراسيل موسى بن عقبة وهي من أشهر المراسيل وأجودها تدلُّ على أنَّ صفوان لم يقاتل وإنما فيها أنَّه كان يُرْسِل غلامًا له يتعرَّف على أخبار القتال. [السيرة النبوية الصحيحة لأكرم ضياء العمري (499)].

وأما مصلحة تمكين الدعاة أو المجاهدين من مشروعهم، فهذه المصلحة ملغاة شرعًا طالما ثمنها هو النصرة لنظام علماني ضد المسلمين لمصادمتها للنصوص السابقة.

ومن جوز من العلماء الاستعانة بالمشركين في القتال فإنه يشترط لذلك شروطًا، منها:

1- أن يكون حكم المسلمين هو الظاهر على المشركين المستعان بهم -وقد جرت العادة أن الأقوى هو المستفيد الأكبر-.

2- أن تُؤمَن خيانتهم.

3- أن يكونوا أقلَّ من المسلمين أو أضعف، بحيث لو غدروا لأمكنهم مقاومتهم جميعًا.

4- أن يكون لهم رأي حسن في المسلمين. [روضة الطالبين وعمدة المفتين (10/239) للنووي، فتح الباري (5/338)].

كما لا يجوز أن يُتذرَّع بالضرورة هنا؛ لأن المضطر يجب أن لا يخالف مبادئَ الشريعة الإسلامية الأساسية من حفظ حقوق الآخرين وتحقيق العدل وأداء الأمانات ودفع الضرر والحفاظ على أصول العقيدة الإسلامية. فمثلًا لا يحلُّ الزنا والقتل وتبديل الدين بأي حال؛ لأنَّ هذه مفاسد في ذاتها. كما لا يحلُّ نشر الكفر والبدع أو مناصرة الكفَّار على المسلمين أو الهدنة الدائمة مع الكفَّار بحجَّة الضرورة أو الاضطرار.

ومن التصرفات التي لا يؤثر فيها الإكراه إطلاقًا: قتل المسلم بغير حقٍّ أو قطع عضوٍ من أعضائه أو جرحه أو ضرب الوالدين أو زنا الرجل بالمرأة، كلُّ ذلك لا يُباح ولا يرخَّص بالإكراه أصلًا؛ لأنَّ القتل حرامٌ محضٌ، وليس بحفظ نفسه أولى من حفظ دم أخيه المسلم، والاعتداء حرام محضٌ لا يحتملان الإباحة مطلقًا والزنا حرام أصلًا، ولا يُتصور إكراه الرجل عليه إلا برضى منه.

وفي الختام نُذكِّر ونوصي حماس وسائر الفصائل المجاهدة بفلسطين بما يلي:

  1. أن يحذروا من فخِّ إسقاطهم وفصلهم عن عمقهم السنِّي بسبب تحالفهم مع إيران والسماح لإيران بدعمهم.
  2. أن الأقصى وفلسطين ليست قضيتهم لوحدهم بل هي قضية الأمة الإسلامية، ومن المستحسن أن يجعلوا لهم هيئة استشارية من كبار علماء الأمة ومفكِّريها ليشيروا عليهم في القضايا المصيرية الاستراتيجية، قال تعالى:﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾.
  3. أن ينظروا للأمور من منظور السياسة الشرعية لا السياسة الوضعية، فهم حركة إسلامية وليست علمانية، قال تعالى:﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾،وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾.
  4. قد شرَّف الله أهل فلسطين -وفي مقدمتهم حماس- بالجهاد والدفاع عن الأمة ومقدّساتها ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس؛ فليخافوا من سُنَّـة الاستبدال إذا هم أعرضوا عن أمر الله عزَّ وجلَّ، قال تعالى:﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾.

اللهم اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم، ولا الضالين.

 

(المصدر: رابطة علماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى