مقالاتمقالات مختارة

حكم التعددية السياسية والحل الشرعي لها

أجاب فضيلة د. محمد بن محمد المهدي ( عضو رابطة علماء المسلمين )

السؤال:
ما رأيكم بالتعددية السياسية في بلدان المسلمين؟ وما هو النموذج الشرعي لاستيعاب الفرق والطوائف داخل المجتمع المسلم؟

الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وأصحابه ومن والاه..وبعد:

فالتعددية السياسية إن أريد بها اختلاف المواقف والاجتهادات داخل الأمة فيما يسوغ فيه الخلاف.. كما كان يحصل بين أئمة المذاهب الإسلامية من الفقهاء والمحدثين، فهو تجربة المسلمين خلال قرون عزهم، فلا إشكال في ذلك بشروط ومنها:

1) عدم الإنكار على المخالف فيها أو تبديعه، وتفسيقه بمجرد المخالفة فيه، حتى لا يتولد منها صراع سياسي تعود مفاسده على المجتمع.

2) عدم تسويغ الخروج على جماعة المسلمين وإمامهم بالرأي فيما هو معلوم من الدين بالضرورة، أو الخروج بالسلاح؛ للحفاظ على كيان الأمة المسلمة وثوابتها ومصالحها.

3) أن يكون الغرض من قيامها درء المفاسد، وجلب المصالح الشرعية والمرعية للمجتمع، وتنبع برامجها من دين المجتمع المسلم وثقافته ولا يشوبها الغموض، وأن يقوم عليها أخيار الناس الموثوقون بدينهم وأمانتهم.

بالإضافة إلى مراعاة الشروط القانونية التي تنص على أن لا تكون: طائفية، أو مناطقية، أو عرقية، أو عنصرية، وغيرها.

وأما انشغال كل حزب بالكيد للآخر والتربص به، فهذا مما يجعل مفاسدها أكثر من مصالحها، وتجر إلى صراعات سياسية مريرة، وقد جربت في بعض البلدان.

أما الأنموذج الشرعي لاستيعاب الفرق والطوائف، فالخلافة الراشدة ودول الإسلام بعدها التي أقامت شرع الله كانت لا تخلو من وجود لليهود والنصارى والمجوس، والقرامطة، والحشاشية، والزنادقة، وغيرهم من الخارجين عن الإسلام. وكان في المجتمع أيضاً من الفرق المتعددة المبتدعة، المنتمية للإسلام، القائمة على بدع وضلالات.

ومع هذا كانت هناك أحكام الأمان لأهل الكتاب والمجوس، ما داموا يدفعون الجزية للمسلمين، ويخضعون لأحكام الإسلام.

وكانت هناك أحكام الإسلام للمبتدعة والطوائف المنحرفة، ما لم يثيروا الفتن بين المسلمين، ويخونوا حكام المسلمين، وهذه الأحكام مزبورة في الفقه الإسلامي.

وأما من انطوى على نفسه من أهل البدع أو الزنادقة.. ولم يخرج على الأمة بالسلاح أو يدع إلى ضلالة كان يعامل بالظاهر، ويوكل سره إلى الله تعالى مع التحذير من تلك البدع والضلالات بالحجة والبرهان، وبيان مخالفتها للكتاب والسنة؛ لغرض أن يعرف المسلمون الحكم الشرعي إن كانوا يجهلونه، وتُزال الشبهات التي أثرت على هؤلاء رغبة في رجوعهم.. وحتى لا يؤثّرون على المجتمع فيكثر سوادهم، ويتقوون بضعفاء الإيمان، وقليلي العلم.

والخلاصة: أن التعددية السياسية ما لم يخرج أصحابها عن الدين وأصوله وقواعده، وحافظت على الشروط المذكورة؛ فهي أشبه بالمذاهب الإسلامية المعتبرة بين جمهور المسلمين، أما إذا خرجت عن أحكام الدين، ونادت إلى الخروج عن قيوده؛ فهي ممنوعة شرعاً.

وأما استيعاب جميع الفرق والنحل فله تجارب ونماذج في التاريخ الإسلامي؛ بشرط هيمنة الشريعة الإسلامية عليها، لا أن تُقر على إفساد المجتمع المسلم من داخله.
(المصدر: رابطة علماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى